فى قلب قرية البرشا، إحدى القرى التابعة لمركز ملوى بمحافظة المنيا، كان فريق فتيات بانوراما بارشا على موعد مع تحقيق الأحلام، بعيون ثاقبة التقط المخرجان ندى رياض وأيمن الأمير، أول الخيط، علما أن وراء فتيات بانوراما بارشا حدوتة مصرية لا تشبه غيرها من الحواديت، حدوتة قادرة على لفت أنظار العالم لما بها من مصرية شديدة فى الفيلم التسجيلي "رفعت عيني للسما".
فيلم رفعت عيني للسما
وسط القرية البسيطة التي يجرى سكانها وراء لقمة العيش، كان فريق فتيات صعيد مصر بانوراما بارشا يجرين وراء حلم ربما في كثير من الأحيان ظنن أنه بعيد المنال، لكن لا شيء بعيد المنال طالما وراؤه صدق وإيمان كامل.
تتبع الثنائي ندى رياض وأيمن الأمير، في شريط سينمائي تسجيلي، لحكاية فتيات البارشا وفرقتهن البسيطة وأحلامهن التي لن تعبر جدران منزلهن إلا في حدود قريتهن التي كانت ترى فنهن وحلمهن تجرؤا على العادات والتقاليد، لكن حقيقة الأمر هو أن ما تقدمه الفرقة هو بوابة الخروج ربما للقرية بأكملها، فالحالة التي قدمها العمل، أوصلته للعالمية ليعرض في مهرجان كان، ويحصل على جائزة العين الذهبية، وهو ما وضع قرية البارشا على الخريطة، ليعرف كل أهالي القرية أن من بينهم من يحلم وإيمانه بالحلم قاده لتحقيقه، ليتحول ما كانوا يشعرون بأنه تجرؤ إلى شعور بالفخر.
فيلم رفعت عيني للسما
جزء من نجاح فيلم "رفعت عيني للسما" هو قدرة مخرجيه على إحداث أُلفة بين فتيات البارشا والكاميرا، الأمر الذى جعلها ترصدهن دون خجل، وتراهن على طبيعتهن دون أداء تمثيلي، رغم أنهن مواهب شابة ويجوز المزج بين الرصد والأداء التمثيلي، لكن اختيار ندى وأيمن في أن يظل العمل تسجيليا يوثق الحالة منح العمل مصداقية شديدة، ليتوج بجائزة جديدة وهي أفضل فيلم وثائقي عربي، من مهرجان الجونة السينمائي مناصفة مع الفيلم السوري "ذاكرتي مليئة بالأشباح" للمخرج أنس الزواهري.
المفرح في الأمر ليس فقط أن العمل رفع اسم مصر في محفل مهم مثل مهرجان كان و Biarritz Film Festival و États généraux du film documentaire في فرنسا، وDokuFest في كوسوفو، وAfrikaFilmFestival في ألمانيا، وDER NEUE HEIMATFILMinaus في النمسا، ولكن أيضا أن الفيلم مثّل فارقا كبيرا في حياة ماجدة مسعود وهايدي سامح ومونيكا يوسف ومارينا سمير ومريم نصار وليديا هارون ويوستينا سمير مؤسسة الفريق، فكل منهن شقت طريقها في مجال موهبتها.
فيلم رفعت عيني للسما
خدمت الموسيقى التصويرية لـ أحمد الصاوي العمل، حيث قدم موسيقى معبرة عن العمل من روح المكان وبساطته، فيما استطاع مديرو التصوير دينا الزنيني وأحمد إسماعيل وأيمن الأمير، في تقديم صورة حقيقية لا تسعى للجمال بقدر ما تسعى لتقديم صورة حقيقية، بينما قدم مصطفى شعبان وسامح نبيل وأسامة جبيل وشدوي علي، شريط صوت متميز.
ربما المشهد الأخير من فيلم رفعت عيني للسما هو الأكثر رسوخا في ذهني، ذلك المشهد البديع الذي سحب كاميرا ندى ورياض الجمهور لأعلى، ليرى المكان الذي ولد فيه الحلم وحبا وخطا خطواته الأولى، ربما تعثر حلم فتيات البارشا، لكنهن سرعان ما تغلبن على الصعوبات ولملمن فرقتهن بل ونقلن الحلم لجيل جديد أكثر تطورا، جيل يبدأ من النقطة التى انتهى إليها الجيل الأقدم، في مشهد بديع لحدوتة مصرية تجعلك تصدق إنه لسه الأماني ممكنة كما قال محمد منير، وإنه رغم بساطة المكان وتعقيدات الزمان وتحديات المستقبل إلا أن الأمنيات والأحلام قادرة على التحقيق حتى ولو كانت فى ظل ظروف معيشية صعبة تنهك كاهل الموهوب أحيانا وتصقله فى أحيان أخرى.
فيلم رفعت عيني للسما