تواصل وحدة الرصد باللغة الإسبانية بـ مرصد الأزهر تسليط الضوء على الحملات الأمنية التي نفذتها السلطات الإسبانية في الأعوام الماضية؛ حيث استعرضت في تقرير لها الحملات والاعتقالات التي وقعت العام الماضي، إذ واصلت إسبانيا حملاتها الأمنية المكثفة لمواجهة تهديدات التنظيمات الإرهابية المتتالية، وعلى رأسها تهديدات تنظيم داعش الإرهابي، للعديد من البلدان الأوروبية.
وفي هذا الصدد، سبق وأن حذر المرصد من أن إسبانيا تحديدًا لن تظل بعيدة طويلًا عن تهديدات "داعش"، على الرغم من الإجراءات التي تتخذها السلطات الأمنية للحد من أنشطة التنظيمات المتطرفة هناك. وهو ما حدث بالفعل حيث شهد العام الماضي ارتكاب هجمات إرهابية فعلية، ففي 25 من يناير 2023م، وقعت حادثة مروعة في مدينة " الجزيرة الخضراء" التابعة لمحافظة قادش بإقليم أندالوثيا جنوب إسبانيا"، حيث قتَل شخص متطرف ذاتيًّا قسيس الكنيسة، وقد وُجهت إلى الجاني تهمٌ جنائية في إطار نشاط إرهابي.
وخلال هذا التقرير ذكر المرصد أن الشرطة الإسبانية اعتقلت (563) متطرفًا منذ عام 2013م حتى نهاية 2023م، بإجمالي (278) عملية أمنية، وفيما يخص أماكن تمركز العمليات الأمنية في إسبانيا، منذ عام 2015، قال المرصد أن إقليم قطلونية شهد 30 % من إجمالي عمليات اعتقال المتطرفين في إسبانيا، حيث بلغ عدد الاعتقالات في الإقليم 124 اعتقالًا، أي ما يعادل 28.09% من الإجمالي. وتأتي مدريد في المرتبة الثانية من حيث عدد الاعتقالات، حيث سجلت 73 اعتقالًا، أي ما يعادل 17.01%، تليها فالنسيا بـ 37 اعتقالًا، بما يمثل 8.62%. وتوضح هذه الأرقام استمرار تهديد التنظيمات الإرهابية وأتباعها في إسبانيا، كما يتضح جهود السلطات في مكافحتها.
وفيما يخص متابعة مصادر تمويل "داعش" في إسبانيا، نفذت الشرطة الإسبانية خلال عام 2023 (3) عمليات مرتبطة بتمويل الإرهاب، أهمها باسم " برودر" (Operación Bruder) وأسفرت عن اعتقال 6 أشخاص بتهمة الانتماء لتنظيم إرهابي وتمويل الإرهاب عن طريق تحويل الأموال إلى مليشيا "جيش الإسلام" (Jaysh Al Islam) المتعاون مع تنظيم القاعدة في سوريا، بقيمة أكثر من 300 ألف يورو، وخلالها اعتُقِل ثلاثة أشخاص من الشبكة بتهمة تمويل الإرهاب.
وفيما يخص ملف العائدين من داعش إلى إسبانيا، تشير البيانات الرسمية أن إجمالي من غادروا إسبانيا للقتال في مناطق النزاع كان (272) شخصًا حتى عام 2023م، منهم 34 امرأة. ومن بين هذا العدد لقي (104) آخرون مصرعهم من بينهم خمس نساء، بينما يستمر 103 آخرون في القتال إلى الآن، في حين عاد (65) آخرون إلى الأراضي الإسبانية. ومن العائدين يوجد 21 فردًا يقبعون الآن في السجون (7 في إسبانيا، و14 في سجون دول أخرى)، لكن اللافت هو أن نسبة المحتجزين من العائدين لا تتجاوز 8%، ما يعني أن معظم الذين عادوا طليقو السراح)، و13 منهم عادوا واستقروا في إسبانيا، في حين يتوزع 31 آخرون بين عدة دول.
هذا وقد لاحظ مرصد الأزهر ارتفاعًا في الموقوفات بتهم التلقين والتجنيد، وكذلك دورهن النشط في السنوات الماضية من حيث إنشاء المحتوى الدعائي ونشره، فضلًا عن مشاركتهن في كتابة المواد الجهادية المتطرفة المستخدمة لاحقًا في تلقين الأفراد وتجنيدهم. ومن خلال تحليل العمليات الأمنية يرى المرصد أن وجود النساء تزايد؛ بسبب مشاركتهن في أنشطة متطرفة في إسبانيا، إذ تمثل النساء الثماني اللاتي اعتقلن نسبة (10٪) من العدد الإجمالي للمعتقلين في عام 2023، وهو ضعف الرقم المسجل في العام السابق 2022.
ومع استمرار الجهود الدولية لمكافحة الإرهاب، ظهر اتجاه مقلق في عام 2023م بإسبانيا، يتمثل في تزايد تورط القُصّر والشباب في الأنشطة الجهادية المتطرفة. فبينما كان يُنظر إلى القُصّر بوصفهم ضحايا لعمليات التلقين، كشفت عمليات أمنية حديثة أنهم أصبحوا الآن عناصر فاعلة في عمليات التجنيد والدعاية لصالح التنظيمات الإرهابية، وهو ما يُعد تطورًا خطيرًا على مستوى مكافحة الإرهاب.
ويدعو مرصد الأزهر إلى أهمية تعزيز التعاون الدولي في مكافحة الإرهاب، وتطوير آليات فعالة لرصد العائدين وتقييم مدى خطورتهم نظرًا لما يجلبه هؤلاء من خبرات قتالية، وأيديولوجيات متطرفة إلى الداخل الإسباني، بما يعزز خطر التطرف العنيف، كما يجب على السلطات الأمنية أن تعمل على إعادة تأهيل هؤلاء الأفراد، خصوصًا أن كثيرًا منهم ربما تأثروا نفسيًّا بسبب الحروب التي خاضوها.