قال مرصد الأزهر لمكافحة التطرف إن التهديد الذي يمثله تنظيم داعش الإرهابي على السلم والأمن الدوليين ما زال كبيرًا، فالتنظيم وأذرعه المختلفة لديهم قدرة كبيرة على المرونة والتكيف على الرغم من الجهود المستمرة لـ مكافحة الإرهاب، والتكاتف العالمي وحده هو القادر على التصدي لهذا التهديد" كانت هذه إحدى النتائج التي توصَّل إليها التقرير التاسع عشر للأمم المتحدة الصادر في الثامن من شهر أغسطس عام 2024م؛ فقد عرض وكيل الأمين العام لمكتب الأمم المتحدة لمكافحة الإرهاب، فلاديمير فورونكوف، التقرير التاسع عشر للأمين العام للمنظمة أمام مجلس الأمن، وقد ركز التقرير على التهديد الذي يشكله تنظيم داعش الإرهابي والجماعات التابعة له على السلم والأمن العالميين؛ كما طرح الإجراءات التي تتبعها الأمم المتحدة لمجابهة هذا التهديد.
وتابع المرصد في تقرير له ، أفاد التقرير بإقدام تنظيم داعش والميليشيات والحركات الموالية له على توسيع جرائمهم في العديد من المناطق في قارة إفريقيا، وسوريا والعراق وأفغانستان، ما أدى إلى ارتفاع عدد الهجمات التي ينفذها التنظيم في تلك المناطق، وأسفر عن سقوط كثير من المدنيين. من جهة أخرى، أوضح التقرير أن فرع داعش في أفغانستان (تنظيم داعش – ولاية خراسان) يمثل أخطارًا جسيمة حَريَة بالكثير من القلق، مشيرًا إلى أن فرع التنظيم في أفغانستان يُستَغَل في نشر التهديد الإرهابي خارج حدوده، مستخدمًا المجتمعات الأفغانية ومجتمعات وسط إفريقيا في الخارج لتحصيل الدعم اللوجيستي والمالي لأنشطته الإرهابية. وفي هذا السياق، أشار التقرير إلى الاعتداءات الإرهابية التي حدثت في مدينة كرمان بإيران في الثالث من يناير من العام الجاري 2024م، وأسفرت عن مقتل 84 شخصًا، وكذلك الاعتداء الذي وقع في العاصمة الروسية موسكو في الثاني والعشرين من شهر مارس 2024م، واستهدف حفلًا موسيقيًّا في قاعة "كروكس سيتي"، وأسفر عن مقتل 140 شخصًا.
وأبرز التقرير أنه رغم أن تنظيم داعش قد أعلن مسئوليته عن الاعتداءات، فإن التنفيذ كان بيد داعش – ولاية خراسان، وذلك بناءً على جنسية الإرهابيين، وكذلك بسبب التمويل المستخدم، وجاهزية العناصر المنفذة. وهكذا تبين أن التهديد الإرهابي قد ارتفع في أوروبا بعد اعتداء قاعة "كروكس سيتي" وما تلاه من زيادة في الدعاية للتنظيم الإرهابي التي تحرض عناصر التنظيم -سواء الفعليون أو المرتبطون به من خلال شبكات التواصل أو من يطلق عليهم "الذئاب المنفردة"- على القيام بأعمال عنف ضد أهداف متنوعة، من بينها البنى التحتية والأماكن الحيوية والعامة، وخاصة الأهداف التي يطلق عليها التنظيم "الأهداف غير المحمية"، ما يثير القلق في نفوس المواطنين، خصوصًا في الأوقات والأماكن التي تشهد تجمعات كبيرة كالمناسبات الرياضية وغيرها. وفي الشرق الأوسط، أشار التقرير إلى أنه على الرغم من جهود مكافحة الإرهاب فإنَّ خطر عودة التنظيم إلى الساحة قد تجسد من خلال زيادة معدل العمليات الإرهابية في سوريا. وفي أوائل شهر يناير أطلق داعش حملة منظمة في المحافظات التي يسيطر عليها بما في ذلك زيادة في العمليات في العراق وسوريا.
وأكد رئيس مكتب منظمة الأمم المتحدة لمكافحة الإرهاب على أنه يجب مواصلة جهود مكافحة الإرهاب لمنع تنظيم داعش من الاستفادة من تلك الخطوات ومن المكاسب التي حققها.
وفيما يتعلق بقارة إفريقيا، ثمة ما يدعو إلى كثير من القلق في ظل تنامي خطر توسع مسرح عمليات التنظيمات الإرهابية، ما نتج عنه اتساع المناطق غير المستقرة في غرب إفريقيا ومنطقة الساحل؛ ففي نيجيريا تمدد تنظيم داعش تمددًا كبيرًا، فكوَّن خلايا وشبكات في شمال غرب البلاد تنقل الدعم لتنفيذ عمليات إرهابية من خلال "تنظيم داعش – ولاية غرب إفريقيا"، وأيضًا من خلال فرع التنظيم في الصحراء الكبرى في الساحل الإفريقي. كما يبرز في هذا السياق انخفاض وتيرة التصعيد والصراع على المستوى المحلي الذي جرى منذ عام 2023م بين فرع تنظيم داعش في الصحراء الكبرى من جهة، وجماعة نصرة الإسلام والمسلمين التابعة لتنظيم القاعدة من جهة أخرى، ما أتاح لكلا التنظيمين فرصة توسيع جغرافيا نشاطهما. وفي شرق إفريقيا، نجد أن فرع تنظيم داعش في الصومال قد عزز قدراته في الفترة الأخيرة، فيما يُبقي فرع تنظيم القاعدة هناك على مستويات العنف التي يباشرها، ما استلزم من الحكومة الصومالية مضاعفة جهودها لمجابهة هذا الخطر المتزايد، وهو ما تنفذه بالفعل مستعينة بالشركاء الدوليين وبعثة الاتحاد الإفريقي لحفظ السلام.
أما في وسط إفريقيا وجنوبها فقد زاد معدل الاعتداءات الإرهابية في جمهورية الكونغو وموزمبيق. وفي شمال إفريقيا، تراجع نشاط تنظيم داعش بشدة نظرًا لعمليات مكافحة الإرهاب التي تنفذها القوات الحكومية المختلفة.
أبرز رئيس مكتب الأمم المتحدة لمكافحة الإرهاب أن منع وقوع العمليات الإرهابية ما زال هو الإجراء الأفضل لمكافحة هذا التهديد. وفي هذا السياق ناشد الدول الأعضاء بالتفكير في إمكانية إعداد إستراتيجيات إقليمية ومحلية استباقية ووقائية موجهة لمكافحة كل أشكال العنف، مرتكزة على دولة القانون وحقوق الإنسان ومبنية على رؤى واضحة على مستوى الحكومات بأكملها، على أن تشمل كل المجتمعات. كما حث الدول الأعضاء على توحيد الجهود لكيلا "تتحول أفغانستان مرة أخرى إلى مرتع للأنشطة الإرهابية التي تؤثر في دول أخرى"، مؤكدًا أن منظمة الأمم المتحدة، وخاصة مكتب مكافحة الإرهاب ومركز الأمم المتحدة الإقليمي للدبلوماسية الوقائية لآسيا الوسطى، سيواصلون دعم الدول الأعضاء في وسط آسيا في جهودهم؛ لمنع انتشار الإرهاب والتطرف العنيف. كما شدد أن التهديد الأكبر الذي يواجهه العالم حاليًا -المتمثِّل في المحاولات التوسعية لتنظيم داعش الإرهابي بهدف خلق مساحة جديدة له يتحقق له فيها الانتشار في منطقة غرب إفريقيا ومنطقة الساحل- إنما هو تهديد يتطلب تضافر الجهود نظرًا لضخامة المشكلة وتعقيداتها وخطورة نجاح التنظيم في إيجاد بؤرة جديدة له ينشر منها إرهابه وتهديداته للعالم أجمع وليس القارة الإفريقية فحسب.
وفي النهاية، أشار التقرير إلى أن الوضع الذي يواجهه آلاف الأشخاص -معظمهم من النساء والأطفال في معسكرات النازحين في سوريا وأبرزها مخيم الهول- ما زال يدعو إلى القلق البالغ، على الرغم من جهود إعادة التوطين التي تمت خلال عام 2023م، وأسهمت في تخفيض عدد الأشخاص الموجودين في هذه المعسكرات. ومع ذلك يشير التقرير إلى أنه لا بد من اتخاذ إجراءات عاجلة لمواجهة الظروف المحفوفة بالمخاطر التي تواجه المقيمين بتلك المعسكرات، لأن داعش مستمر في استغلال الوضع في هذه المعسكرات لمصالحه الخاصة.
وختامًا، نبه مرصد الأزهر لمكافحة التطرف على أن التنظيمات الإرهابية من داعش ومَن على شاكلتها تتحين الفرصة وتسعى بشتى الطرق للعودة من جديد لتضرب أمن المجتمعات، وتهدد استقرارها، من خلال العمل على استغلال كل الوسائل المتاحة له، والبحث عن ثغرات تتسلل من خلالها لضرب الأمن الفكري والميداني على حد سواء، ما يستلزم تضافر الجهود الدولية لمجابهة هذه التنظيمات، وتجفيف منابع تمويلها.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة