يوم حاسم في تاريخ الولايات المتحدة، مع انطلاق الانتخابات الرئاسية الأمريكية، والتي ستحسم نتائجها بعد عدة ساعات، بين نائبة الرئيس الحالية كامالا هاريس، والتي تخوض المعترك الرئاسي عن الحزب الديمقراطي، وخصمها الجمهوري دونالد ترامب، الذي شغل منصب الرئيس لأربعة سنوات سابقة، وهي النتائج التي سيبنى عليها الكثير، سواء في مستقبل أمريكا نفسها، فيما يتعلق بقيادتها الأحادية للعالم، أو في الكثير من الأقاليم، بين أوروبا وآسيا، ومنطقة الشرق الأوسط، في ضوء ما تشهده من أزمات، تطورت إلى حد الصراعات العسكرية، على غرار الوضع في أوروبا في إطار الأزمة الأوكرانية، أو في الشرق الأوسط، في ظل امتداد العدوان على غزة، أو مازال في طور التطور في مناطق أخرى، جراء الشد والجذب بين كوريا الشمالية وجارتها الجنوبية، وما قد تؤول إليه الأمور جراء ذلك.
ولكن بعيدا عن التطورات العالمية وحساسيتها، التي ستتزامن مع انتخاب رئيس جديد للولايات المتحدة، ربما يبقى التركيز لدينا على مستقبل منطقة الشرق الأوسط، والتي تعاني جراء صراع تسعى العديد من الأطراف، وعلى رأسها إسرائيل، إلى إطالة أمده الزمني، بينما يتمدد جغرافيا بصورة غير مسبوقة، مما ينذر بحرب إقليمية شاملة، قد تأكل الأخضر واليابس، حال الفشل عن احتوائها، وهو ما يطرح العديد من التساؤلات حول مواقف الإدارة الأمريكية المقبلة، تجاه الحالة الراهنة، إذا ما وضعنا في الاعتبار العديد من المعطيات، ربما أبرزها ثوابت الدبلوماسية الأمريكية، والتي تقوم على الدعم المطلق للدولة العبرية، بالإضافة إلى مدى قدرة واشنطن على القيام بدورها كقوى دولية وحيدة حاكمة للنظام العالمي، على تحقيق الحد الأدنى من السلم والأمن الدوليين.
ولعل أزمة العدوان على غزة، بصورتها الحالية كشفت تعارضا ربما غير مسبوق بين ثوابت أمريكا الداعمة للدولة العبرية، ودورها القيادي، حيث أثبتت سلوكيات إسرائيل المتهورة أن الولايات المتحدة باتت عاجزة إلى حد كبير عن التحكم في وتيرة الصراع، وهو الأمر الذي كانت تقوم به من قبل بكفاءة كبيرة، وربما كان السبب الرئيسي في صعود نفوذها بالمنطقة الأكثر اشتعالا بالعالم، وتحكمها بكافة خيوط القضية الأطول أمدا والأكثر لغطا ربما في التاريخ الحديث، بينما كشفت، من جانب آخر، واشنطن فقدت جزء كبير من السيطرة على حلفائها، وهو ما بدا في التوتر الملموس في العلاقة بين الإدارة الحالية برئاسة جو بايدن، ونائبته هاريس، وحكومة بنيامين نتنياهو، إلى حد استغلال الأخير حالة الاستقطاب الداخلي في أمريكا، قبل شهور قليلة من الانتخابات الرئاسية، وإلقاء خطابه بالكونجرس، في محاولة للاستقواء بالأغلبية الجمهورية على حساب الإدارة الديمقراطية، وهو ما يفسر مقاطعة الأعضاء الديمقراطيين للخطاب الشهير.
وهنا يصبح التحدي الأكبر أمام الإدارة الجديدة، في واقع الأمر، ليس مجرد إنهاء الصراع لحفظ الاستقرار، وإنما ترويض الحليف المتمرد، وذلك إذا ما أرادت واشنطن الاحتفاظ بمكانتها، باعتبارها المهيمن على النظام العالمي، وهو الأمر الذي يبدو ملحا، في لحظة فارقة، تشهد فيها مناطق النفوذ الأمريكي حالة من الشقاق، وهو ما يبدو على سبيل المثال في دول الاتحاد الأوروبي، والتي عانت أولا من إجراءات أمريكية حرمتها من المزايا الاقتصادية الممنوحة لها لعقود طويلة من الزمن، بينما أصبحت في دائرة الصراع مع اندلاع الأزمة الأوكرانية، دون تحرك من قبل واشنطن من شأنه إنهاء الأزمة.
والحديث عن ترويض الحلفاء، ربما يعني خسارة رهان نتنياهو في الانتخابات الأمريكية، على المرشح الجمهوري دونالد ترامب، والذي يجيد هذه اللعبة جيدا، رغم المواقف التي تبناها خلال حقبته الأولى بانحيازه إلى إسرائيل، في ضوء العديد من القرارات التي اتخذها، إلا أن الانحياز للدولة العبرية وميولها العدوانية في اللحظة الراهنة، يمثل ضررا بالغا للمواطن الأمريكي، في ضوء التداعيات الكبيرة المترتبة عليها، خاصة على الجانب الاقتصادي، بالإضافة إلى الوعود التي أطلقها بإنهاء الحرب سريعا، بينما تبقى هاريس على الجانب الآخر في حاجة ملحة لإظهار قوتها وتقديم صورة أكثر نفوذا وقوة من إدارة بايدن.
وفي الواقع، يبدو الاعتماد على الشركاء الإقليميين أحد أهم الأدوات، التي يمكن للإدارة الجديدة الاعتماد عليها، سواء كانت هاريس، والتي تعد شريكا في العمل على هذا المنهج باعتبارها جزء من إدارة بايدن، وهو ما يبدو في الدعم الأمريكي الكبير لدور مصر في إدارة مفاوضات وقف إطلاق النار، بالإضافة إلى دورها لتعزيز الجبهة الفلسطينية في الداخل، عبر إنهاء الانقسام وتوحيد الصف الفلسطيني، تحت إطار السلطة الشرعية والمعترف بها دوليا، بينما تبقى الرؤى التي تبناها ترامب خلال ولايته الأولى خير شاهد على قناعته بالدور المصري البناء في إدارة الملف الإقليمي.
وهنا يمكن القول بأن الإدارة الجديدة أيا كانت هويتها أو ميولها السياسية، تواجه تحديا كبيرا في الشرق الأوسط، يتجلى بوضوح في حماية الكبرياء الأمريكي، في مواجهة ما يمكن تسميته بـ"تمرد" الحليف المدلل، والذي نال من كبرياء أمريكا، خاصة مع محاولات نتنياهو الدخول على خط الصراع الداخلي، وتعزيز الانقسام الذي تعاني منه واشنطن من أجل تحقيق مكاسب شخصية.