لم تدرك كامالا هاريس، تلك الطفلة الصغيرة وهى تستمع لوالديها ورفاقمها من نشطاء حركة الحقوق المدنية فى سبعينيات القرن الماضى عن ضرورة الدفاع عن حقوق السود وغير البيض فى الولايات المتحدة، أنها ستصبح يوما ما على مسافة خطوات قليلة من البيت الأبيض كأول سيدة من أصل أفريقى ومن أصول هندية قد تتولى رئاسة الولايات المتحدة.
لم يكن هذا بالتأكيد حلما يداعب خيال الصغيرة التي نشأت فى أسرة مكونة من أم باحثة هندية فى مجال السرطان، وأب جامايكى من أصل أفريقى يعمل باحثا فى مجال الاقتصاد هاجر إلى الولايات المتحدة عام 1961.
لكن الآن، وبعد أيام قليلة من إتمام عامها الستين، لا يفصل كامالا عن دخول التاريخ مجددا سوى القليل، بعد أن دخلته للمرة الأولى فى عام 2020 كأول سيدة من السود ومن أصول هندية تتولى منصب نائبة الرئيس.
لو فازت هاريس فى انتخابات الرئاسة الأمريكية على منافسها الجمهورى دونالد ترامب، فإن هذا سيكون تتويجا لمسيرة جمعت فيها كامالا ما بين النجاح المهنى كمحامية، والذى بلغ ذروته بتوليها منصب المدعى العام لولاية كاليفورنيا مرتين، والنجاح السياسى بدور بارز فى مجلس الشيوخ الذى انتخبت به 2016 ، ثم نائبة للرئيس، وربما رئيسة.
مثل ترامب، الذى اقتحم عالم السياسة فجأة قادما من عالم الأعمال فى عام 2015، فإن هاريس حديثة العهد نسبيا بالعمل السياسى، وإن لم تكن بعيدة أبدا عن العمل العام.
فبعد تدرجها فى العمل القانوني كمحامية، ثم مدعى عام لمدينة سان فرانسيسكو، وبعدها مدعى عام كاليفورنيا لفترتين، ترشحت هاريس عام 2016 لعضوية مجلس الشيوخ عن الولاية، واستطاعت أن تصبح ثانى امرأة من السود تدخل المجلس، وأول سيناتور من أصل هندى فى تاريخ الولايات المتحدة.
خلال ولايتها، كانت هاريس من أبرز المعارضين لقرارات إدارة ترامب. واستغلت دورها فى اللجنة القضائية بالمجلس لتوجيه أسئلة حادة للقضاة المرشحين من الرئيس السابق للمحكمة العليا الأمريكية.
ومع بروزها فى مجلس الشيوخ، ارتفع سقف طموحات كامالا لتفكر فى خوض سباق الرئاسة، وبالفعل خاضت الانتخابات التمهيدية لاختيار مرشح الحزب الديمقراطى فى سباق 2020، والذى نافست فيه أسماء بارزة فى مقدمتها جو بايدن، نائب الرئيس السابق، والسيناتور بيرنى ساندرز.
خلال المناظرات الأولى لتلك الانتخابات، استطاعت هاريس أن تسرق الأضواء من بايدن الذى بدا عاجزا عن الرد على انتقاداتها له لتأييده للفصل العنصرى فى السبعينيات. لكن كامالا لم تمكث طويلا فى هذا السباق، وانسحبت فى مراحله الأولى. وبعد فوز بايدن بترشيح الحزب الديمقراطى، اختارها لتكون نائبة له، فتحولت انتقادات كامالا السابقة لجو إلى تأييد، ودعوة للأمريكيين لاختياره رئيسا يحقق الأفضل للجميع.
كان رهان هاريس على نجاح بايدن فى هذه الانتخابات التي خاضها أمام ترامب، مجديا رغم بعض الانتقادات له، ودخلا معا التاريخ من بابين مختلفين، هو كأكبر من يتم انتخابه رئيسا، وهى كأول امرأة، وأول شخص من أصل أفريقى وأول شخص من أصل هندى ينتخب نائبا للرئيس.
لكن هاريس كانت بدورها فى مرمى الانتقادات خلال توليها منصب "الرجل الثانى"، لاسيما وأن بايدن أسند إليها مهمة تتعلق بمعالجة أسباب ارتفاع أعداد المهاجرين غير الشرعيين الذين يتدفقون عبر الحدود الجنوبية الأمريكية. ومع استمرار ارتفاع تلك الأعداد، بل وبلوغها أرقاما قياسية غير مسبوقة، فإن أصابع الاتهام تحولت لنائبة الرئيس التي "أخفقت" فى أداء مهمتها، وهو الجانب الذى استغله ترامب مرارا فى الحملة الانتخابية الحالية ليشكك فى قدرات منافسته الديمقراطية على إدارة أحد أهم القضايا التي تشغل بال الناخب الأمريكي وتؤثر على حياته بشكل مباشر، وهى الهجرة.
وسواء كانت الهجرة أو الاقتصاد، فإن هاريس تحمل على عاتقها، شاءت أم أبت، إرث بايدن، تستفيد من نجاحاته وتتعرض للهجوم من إخفاقاته. حاولت المرشحة الديمقراطية أن تتبنى نهجا متوازنا يجمع بين "عباءة بايدن" ونهجها المستقل، لكن الأمر لم يكن سهلا. ورغم الزخم الهائل الذى استطاعت أن تحشده حولها بعد إعلان ترشحا لمنصب الرئيس بعد انسحاب جو بايدن من السباق فى يوليو الماضى، إلا ان هذا الزخم سرعان ما تحول إلى تحديات ظهرت واحدة تلو الأخرى فى طريق هاريس نحو البيت الأبيض.
فلا يزال ترامب، برغم أزماته القانونية المتعددة، يتقدم بخطى ثابتة، ويتفوق أحيانا فى استطلاعات الرأي أو يعادل هاريس فى الولايات السبع المتأرجحة التي ستسحم السباق الرئاسي. لذا، فإن هاريس راهنت بشكل كبير فى هذا السباق على أصوات السود واللاتينيين، الذين ربما ينظرون إلي ابنة المهاجرين على أنها تمثلهم، رغم شكوك الرجال فى هاتين الكتلتين التصويتين بشأن تولى امرأة المنصب الأعلى، وتعول أيضا على أصوات النساء الراغبات فى رؤيتها خلف المكتب البيضاوى.
يرى البعض أن هاريس ربما تكون النسخة النسائية من باراك أوباما، أول رئيس أمريكى من أصول أفريقية، لكنها تظل تفتقر لكاريزما أوباما، الذى يظل أحد أكثر السياسيين شعبية فى الولايات المتحدة، وهو ما يجعل منتقدوها يتساءلون: هل ستنجح كامالا فيما أخفقت فيه هيلارى كلينتون فى عام 2016؟.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة