ألقت الدكتورة نهلة الصعيدى، مستشارة شيخ الأزهر لـ شئون الوافدين، رئيس مركز تطوير تعليم الطلاب الوافدين والأجانب بالأزهر، كلمة اليوم الثلاثاء فى الحفل الثانى لتخريج طلاب الأزهر الوافدين، باسم «شهداء غزة 2»، نقلت خلالها تهنئة فضيلةِ الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخِ الأزهر الشريف، لأبنائه الخريجين ودعائه لهم بالتوفيق والسداد فى حياتهم العملية، وقول فضيلته: «أدعوكم ابنائى أن تكونوا دائمًا على العهد خيرَ سفراء للأزهر الشريف: تحملون رسالتَه إلى شعوبكم، وتعملون على إظهار حقيقة الإسلام وأثرِه فى تقدُّم البشر، وإسهامِه فى الحضارة، وكفالةِ الأمنِ والطمأنينة وراحةِ النفس لكل الناس فى الدنيا والآخرة».
وأشارت الدكتورة نهلة الصعيدى خلال كلمتها فى الاحتفالية التى أقيمت بمركز الأزهر للمؤتمرات إلى أن ما نشهده اليوم يمثل مشهدًا من مَشاهد الخلود والمجد، مشهدًا تختلط فيها مشاعرُ الفخرِ بثمرة الإنجاز، ومشاعرُ الأسى والحُزْنِ لأرواحٍ أُزهقتْ – ولا تزال تُزهَقُ – فى ساحات غَزَّةَ العِزَّة، لشُهداءَ أضاءوا بدمائهم دُروبَ الكرامة، وخلَّدوا فى وجداننا معانِى الصمودِ والإباء.
وأضافت أننا اليوم إذ نَحتفى بتخريج كوكبةٍ من أبناء الأمة الإسلامية مِن طلابنا الوافدين الذين جاءوا من أصقاع الأرض طلبًا للعلم، فحملوا فى أعماقهم رسالة العطاء والخلود، نَشْرُف بأن تتزيَّن دُفعتُهم «شهداء غزة»، أولئك الذين جسَّدوا لنا بأرواحهم أبهى معانى الفداء، وأثبتوا أن التضحية لا تُحدُّ بحدود الحياة، بل تبقى خالدةً نبراسًا للأجيال، مشتعلةً بنور الحق فى وجه الظلم والطغيان.
وأكدت مستشارة شيخ الأزهر أن مركز تطويرِ تعليمِ الطلابِ الوافدين والأجانب عازمٌ على الاستمرار فى متابعة مشروعه الحضارى الذى بدأه فى ميدانِ تحقيقِ رسالةٍ عظيمة، استمدت عظمتَها مِن عظمة منطلقاتها، المتمثلة في: رسالةِ الإسلام الحضارية، رسالةِ مصر التاريخية، رسالةِ الأزهر العالمية؛ فها هو ذا اليومَ، للعام الثانى على التوالى، يحتفى – فى هذا الحفل المهيب - بتخريج أبنائه الوافدين من كل بقاع الأرض.
وأكدت مستشارة شيخ الأزهر أن كل دُفعةٍ من الخريجين هى إحياءٌ لعالميةِ الإسلام، تلك العالَميةُ التى أسَّسها القرآنُ المجيدُ، الذى أكد وَحدةَ الإنسانية، ووَحدةَ الأرض؛ مَسكنًا وموطنًا لبنى آدم، وأكد جُملةً من المقاصد الشرعية العليا، وجُملةً مِن القِيم الإنسانيةِ العليا، قِيَمِ العدل والمساواة والحرية. وأن هذا الحفل جاء ليَجمعَ الخريجين والخريجات تحت رايةٍ واحدةٍ، وشعارٍ واحد، وهدفٍ واحد؛ ليُعيدَ للأمة وَحدتَها بعقولٍ واعية، وأَنْفُسٍ طاهرة، وقلوبٍ زاكية، بعد أن عَملت العصبياتُ الضيقةُ الطائشةُ عملَها فى تفتيت هذه الأمةِ وتمزيق شملِها وتقسيمها.
واستشهدت خلال كلمتها بما قاله الأديب المصرى الدكتور زكى مبارك: «سيأتى يومٌ يَعرف فيه المسلمون أن حضارتَهم العظيمةَ لم تُقوِّضْها غيرُ الأقلامِ الباغية، أقلامُ الكُتاب والمؤلفين الذين غفلوا عن أخطار الغيبة الاجتماعية، فحَبَّرُوا الفصولَ الطِّوالَ فى المفاضلات بين الأمم الإسلامية، حتى شَطَروها إلى عناصرَ يَبغى بعضُها على بعض بلا تورعٍ ولا استحياء». إلى أن قال: «ولن تَزولَ آثارُ هذه الغيبةِ القلميةِ إلا يومَ يَمُنُّ الله على المسلمين بكُتَّابٍ حُكماءَ يعرفون كيف يقتلعون جذورَ هذه الفتن من الأفئدة والقلوب، ولكن متى يأتى ذلك اليومُ؟».
وبيَّنت أن الأزهر الشريفَ؛ ذلكم الصرحُ الشامخُ الذى ظلَّ عبرَ ألفِ عامٍ منارةً للعلم، وإشعاعًا للفكر، ومَبعثًا للحضارة المادية والروحية، ومَهبِطًا للمبادئ العظيمة، لم يكن فى يومٍ من الأيام مُؤسّسةً علميةً فحسب، بل هو فى جوهره كيانٌ وجدانى متجذِّرٌ فى ضمائرنا وأرواحنا، مدرسةٌ تُعلِّمُ العلمَ وتنشرُ النورَ وتبنى الإنسان، وكان علماؤه رجالَ فكرٍ وقادةَ ثورةٍ وزعماءَ إصلاح، استطاعوا أن يحملوا أمانةَ الرسالة، وأن يكونوا ورثةَ الأنبياء، وكما كان الأزهر عبر العصور منارةً سامقةً تُطاول السماء، فهو اليومَ أشدُّ عزمًا على أن يظلَّ فى مقدمةِ المؤسسات التى تُنادى بالعقلانية والحوار، وتدعو إلى الاعتدالِ والمودة، وتنبذُ التعصُّب والجمود، وسيظل يَسْلَخُ مِن عمرِه المديدِ - أن شاء الله – ألفَ سنة أخرى فى خدمة الدين والعربية، ماضيًا فى حفظ التراث الإسلامى ودراسته ونشره، وحمل رسالة الإسلام إلى ربوع العالمين، باقيًا مفخرةً لمصرنا الخالدة وعنوانًا حيًّا على أصالتها فى إسلامِها وعروبتِها، وعلى جهادِها الدائبِ فى الذَّود عن حياضِ الإسلامِ وأمجاد العروبة.
ووجهت مستشارة شيخ الأزهر رسالة إلى الطلاب الخريجين قالت فيها إننا نحتفلُ بكم وقد حَصَّلتم كلَّ ما يُمكن تحصيلُه من علوم الدِّين والدنيا، وتهيَّأتُم بكل ما يُمكن من أسباب العلم والخبرة للعمل والإنتاج فى كل المجالات؛ ليُعتمدَ عليكم فى دقائقِ ما تحتاج إليه الأمةُ الإسلاميةُ، ولا سيما فى هذه المرحلة من حياتها، بما يَموج فيها من أفكارٍ مضللة، ونَزَعَاتٍ شريرة، وصراعاتٍ مُحتدِمة، توشك أن تحيط بناشئتنا وكثيرٍ من مثقفينا بعد أن نقلتها إلينا وسائلُ الحضارةِ الحديثة، وصُورُ المتغيراتِ العالمية فى المعاملات وفى العادات والاتصالات؛ فإن أربابَ هذه الأفكارِ الضارةِ بمجتمعِنا ودينِنا يَستخدمون ظواهرَ نصوصِ القرآن الكريم والحديثِ النبوى، يُحرفون الكَلِمَ عن مواضعه؛ ترويجًا لأفكارهم، وإنَّ التصدِّى لهؤلاء ورَدَّهم إلى الصواب يحتاج إلى متعمقين فى دراسة الشريعة، ومتمكنين فى أصول الدين، وأَثباتٍ فى علوم العربية وفقه دلالاتها، يُرْجَعُ إليهم فى معرفة الحقائق وكشف المبهمات ورد الفروع إلى الأصول وتبيين الأشباه والنظائر فى شريعة رب العالمين.
وتابعت: ها أنتمُ اليومَ أُولاءِ على عَتباتِ مرحلةٍ جديدة، بعد أن خُضتم بِحارَ العلم بأشرعةِ الإرادة وقوَّة العزيمة، متحملين غربةَ الأهل والوطن، مثابرين بلا كللٍ ولا ملل، تحملون بين جنباتكم فكرَ الأزهر الوسطى، وروحَه المتسامحة، وعزمَه الذى لا يلين، تنبثق منكم روحُ الإخلاص، وتُروى قلوبُكم بقيم الرحمة والتسامح والاعتدال، لتكونوا رُسلَ المعرفة، وحَملَةَ مشاعلِ المستقبل للأمة، وحراسَ الأمل فى دروب الحياة الرَّحبة.
وأعربت عن ثقتها بهؤلاء الطلاب وأنهم أملُ هذه الأمة، وأبناؤها الذين تنتظرهم، وقد أتممتم رحلتَكم العلميةَ تحت ظلال الأزهر، تلك الرحلةُ التى لم تكن يومًا ما سهلةَ المَنال، بل كانت مليئةً بالتحديات التى خُضتموها بنجاح وعزم، واليوم نُودِّعكم بقلوبٍ فخورةٍ بكم، قلوبٍ تُدرك أنكم قد نِلتُمُ العلمَ فى أشرفِ منابعه، وشرَّفتم الأزهر كما شرَّفكم. مضيفة: أن الأزهر ليس مكانًا تُغادرونه، بل هو أصلٌ فى ضمائركم، يَنبِضُ مع نَبَضات قلوبكم، وسنظل نتابعُ خُطواتِكم بعينِ المَحبَّة والاهتمام، وكلنا يقينٌ بأنكم ستحملون راية الأزهر أينما حللتم، وستنشرون رسالته السامية حيثما كنتم.
وقدمت مستشارة شيخ الأزهر نصائحها للخريجين قائلة: أيها الشباب، اعلموا أن الطريقَ أمامَكم ليس سهلًا، وأن تَخرُّجَكم فى الأزهر الشريف يَضعُكم أمام مسؤوليات جِسام؛ فالعالمُ اليومَ يمرُّ بتحدياتٍ شتَّى، فكريةً كانت أو اجتماعيةً أو اقتصادية، وكلها تتطلَّب أن تكونوا فى طليعة المُصلحين، وقد نالَكم من العلم والتربية ما يَجعلُكم أهلا لهذه المهمة؛ فكونوا لأمَّتكم كما كان العلماءُ مِن قبلُ: مَناراتٍ فى الدُّروب المُظْلِمات، تَدعون إلى السلام بالحكمة، وتُقاومون الفِتنَ بالبصيرة، واعلموا أن العلمَ بلا خُلُق كالشجرةِ بغير ثَمَر، وأن الأخلاقَ بلا علمٍ كالنجم الذى يَفتقد الضوء.
وحثت رئيسة مركز تطوير تعليم الطلاب الوافدين والأجانب الخريجين بربط العلم بالعمل، وأن يجعلوا من العلم نبراسًا يُضيء بهُداه مِن حولهم: اجعلوا من المساجدِ ومنابرِ العلم ساحاتٍ للتوعية ونشر الاعتدال، ولا تكتفوا بنقل العلم، بل اجعلوا من سلوككم وأخلاقكم نموذجًا يُحتذى؛ فالناسُ اليومَ فى أشد الحاجة إلى قُدُواتٍ تعيش المبادئ وتُطبِّق القِيَم فى كل حَرَكةٍ وسَكَنَة.
وواصلت فى كلمتها: أيتُها العقولُ التى أنارت ليلَها بالعلم، والقلوبُ التى صَفَتْ بالإيمان، لقد نِلتم شرفَ هذا الصرحِ العلمى الشامخ، واليومُ هو يومُ تكريمٍ لكم ولأُسركم، التى صَبرتْ وثابرتْ وصابرتْ وتحمَّلتْ من أجلكم، وقدَّمتْكم فخرًا لهذه الأمة، فطُوبى لكم ولأهلكم، وبارك الله لكم فى ما حققتم، وجعل دَربَكم زاهرًا بالعطاء والخير، ووفَّقكم فى بناء أوطانكم وخدمةِ مجتمعاتكم، وصيَّر علمَكم زادًا للخير والسعادة لمن حولكم، ولا تَنْسَوْا فى زحمة الحياة أنكم خُلِقتم لتكونوا للبشرية مُعينًا، وأنَّ أوطانَكم تَستحقُّ منكم الإخلاصَ والولاء، وسيظل الأزهر سندًا لكم، فإن كانتْ أيامُ دراستكم قد انتهت، فإن صلتَكم بالأزهر لن تنقطع.
وفى ختام كلمتها أشارت مستشارة شيخ الأزهر، إلى أن الصلة لن تنقطع مع أبنائنا الوافدين، وقد دشن مركز الوافدين العديد من المبادرات والخدمات لدعم التواصل مع الطلاب والخريجين من الوافدين، وعلى رأسها خدمة الرسائل الإخبارية للوافدين التى أطلقها مركز تطوير تعليم الوافدين والأجانب برعاية فضيلة الإمام الأكبر، معلنة كذلك عن إطلاق إصدار تذكارى بمناسبة هذا التخرج وهو مجلة «سفراء الأزهر»، والتى سيتم طباعتها وإرسالها إلى السفارات والطلاب خريجى الأزهر فى كل مكان.