على الرغم أن فوز دونالد ترامب فى انتخابات الرئاسة الأمريكية 2024 كان فى دائرة التوقعات، فى ظل المنافسة الشديدة التى شهدتها تلك الانتخابات بينه وبين منافسته الديمقراطية نائبة الرئيس كامالا هاريس، إلا أن هذا الانتصار كان صادما ومذهلا لكثيرين، فى مقدمتهم الديمقراطيين.
فمن بين ثلاث مرات سعى فيها ترامب للوصول إلى البيت الأبيض، تلك هى المرة الأولى التى يفوز فيها بالتصويت الشعبى، لأنه فاز فى سباق 2016 بأصوات المجمع الانتخابى وخسر فى 2020 كلا من التصويت الشعبى والمجمع الانتخابى. ويحاول الإعلام الأمريكى والمحللون معرفة الاسباب التى جعلت ترامب يحقق هذه العودة السياسية التى وُصفت بأنها الأعظم فى التاريخ الأمريكى.
صحيفة نيويورك تايمز قالت إن ترامب استطاع الفوز على هاريس بدعم أصوات من الناخبين السود واللاتينيين من الطبقة العاملة فى معاقل الديمقراطيين، وهو منح الحزب الجمهورى قاعدة مؤيديين متنوعة عرقيا.
وأشارت الصحيفة إلى أن الجمهوريين ظلوا لسنوات يحذرون من محدودية قاعدة الحزب واقتصارها على البيض فقط. وأكد الخبراء الاستراتيجيون أن القدرة على المنافسة على البيت الأبيض تعنى ضرورة الحصول على دعم من السود واللاتينيين والناخبين الملونين.
وفى هذه الانتخابات، استطاع ترامب أن يظهر لهم كيفية تحقيق ذلك.
فكان انتصاره على كامالا هاريس حاسما، واعتمد على ناخبين من معاقل للديمقراطيين. وأظهرت النتائج أن ترامب واصل هيمنته بين ناخبى الطبقة العاملة البيض الذين كانوا سببا فى صعوده السياسى. لكن حقق أيضا مكاسب فى الضواحى والمدن، بين الناخبين السود وحتى اللاتينيين.
وتقول نيويورك تايمز إن أداء ترامب لم يحول الحزب الجمهورى فجأة إلى تحالف متعدد الأعراق من الناخبين من الطبقة العاملة، وهو التحالف الذى يقول بعض الخبراء الاستراتيجيين أنه ضرورى للبقاء فى بلد سريع التغير. لكنه دفعه فى هذا الاتجاه.
وتابعت الصحيفة قائلة إنه فى بلد يسوده الانقسام الحاد، لاسيما بين الفقراء والأغنياء والجامعيين وغير الجامعيين، كانت حتى التحولات التدريجية كافية لإعادة ترامب إلى السلطة ووضعه على المسار الصحيح للفوز بالتصويت الشعبى.
وأشار الخبراء الاستراتيجيون المحافظون الذين دفعوا الحزب إلى توسيع قاعدته إلى هذه التغييرات باعتبارها دليلا. بينما عانى الديمقراطيون الذين طالما اعتمدوا على دعم الناخبين من الأقليات.
ونقلت نيويورك تايمز عن النائب ريتشى توريس، وهو ديمقراطى من أصل أفريقى لاتينى، إن الخسائر بين اللاتينيين لا تقل عن كونها كارثة للحزب. وأعرب توريس عن قلقه من أن الديمقراطيين أصبحوا أسرى بشكل متزايد لما أسماه اليسار المتشدد الجامعى، والذى يهدد بافتقار للتواصل مع الناخبين من الطبقة العاملة.
التواصل الجيد مع الناخبين على اختلافهم
من ناحية أخرى، أشارت نيويورك تايمز إلى أن ترامب استطاع أن يخوض حملة قوية وفعالة تواصل فيها جيدا مع الناخبين، فكان هذا أحد أسباب انتصاره.
وقالت الصحيفة إن ترامب كان خبيرا فى التواصل، واستطاع أن يحول المخاطر القانونية إلى أسطورة، ففاز بأنصار جدد واحتفظ بالقدامى.
وفى عشرات الفعاليات، كان ترامب يتواصل مع كافة الناس فى مختلف الأماكن، سواء كانت الأمهات فى ضواحى واشنطن أو عناصر الجيش فى ديتريوت أو الإنجيليين فى جنوب فلوريدا وأنصار البيتكوين فى ناشفيل، ومشجعو كرة القدم الجامعية فى ألاباما وغيرها.
وأشارت الصحيفة إلى أن الأحاديث مع الناخبين كشفت أنهم كانوا يرون فى ترامب كل ما يريدون رؤيته، واعتقدوا أنهم بعد سنوات عديدة يعرفونه ويعرفهم أيضا. بل كان الانطباع الذى أجمع عليه كثير من الناخبين أن ترامب "يستطيع أن يفهمهم".
الاستياء من الهجرة
كانت الهجرة أحد أسباب الدعم القوى لترامب فى انتخابات الرئاسة الأمريكية، حتى من جانب غير الديمقراطيين الذين سئموا من تدفق أعداد هائلة من المهاجرين غير القانونيين إلى البلاد.
وتقول نيويورك تايمز إن الارتفاع فى معدلات الهجرة عبر الحدود الجنوبية الأمريكية، والذى وصل إلى مستويات قياسية فى عهد بايدن، قد تردد صداه فى كافة أنحاء البلاد، وأدى إلى تشدد آراء العديد من الأمريكيين فى هذه القضية.
وفى حين كان التحول الأكبر بين الناخبين الجمهوريين، إلا أن الديمقراطيين أيضا والمستقلين، قد تحولوا صوب اليمين، بحسب استطلاعات الرأى التى أجريت فى الأشهر الأخيرة. من بين هؤلاء إيملى تشافير، التى ساندت الترحيل الجماعى وتعارض منح الجنسية لغير الموثقين الذين يعيشون فى الولايات المتحدة منذ عقود وذلك رغم أنها ديمقراطية. شيفر، البالغة من العمر 52 عاما، قالت إنه لا تطيق ترامب، لكنها صوتت له.
وأضافت أنها لم تصوت لجمهورى فى حياتها، لكنهم أصبحوا مغرقين بالمهاجرين الذين تكون لهم الأولوية عن احتياجات المواطنين.