يثير انتخاب دونالد ترامب ، ووصوله للبيت الأبيض مجددا ، مخاوف جدية في أوروبا، وخاصة فيما يتعلق بأمن أوكرانيا، وسيتعين على الاتحاد الأوروبي إيجاد توازن بين الحفاظ على علاقاته مع واشنطن والدفاع عن مصالحه الاقتصادية والأمنية، فهل ستنتهى حرب أوكرانيا خلال 24 ساعة كما وعد ترامب خلال حملته فى الانتخابات الرئاسية؟
وقالت صحيفة لاراثون الإسبانية ، فى تقرير نشرته على موقعها الإلكترونى إن الرئيس الأمريكي المنتخب خلال حملته الانتخابية تعهد مرارا ان ينهي حرب أوكرانيا خلال "24 ساعة"، وأعرب عن انتقاده لحجم المساعدات التي تضخها الولايات المتحدة في تلك الحرب لدعم كييف ، في الوقت الذى يطمح فيه الكرملين بأن يضغط ترامب على كييف، كما يرى عدد من الخبراء أن ترامب بالفعل سيلجأ إلى الضغط على كييف للتفاوض مع موسكو ، مما سيسمح لروسيا بالاحتفاظ بمكاسبها العسكرية في أوكرانيا، في الوقت الذى على الغرب أن يتبدأ الاعتراف بالواقع الراهن والبدء في التفاوض.
ويرى التقرير أن هناك مخاوف أوروبية من أن ترامب سوف يجبر كييف على التفاوض مع روسيا بشروط مواتية لموسكو، وشددت نائبة رئيس معهد جاك ديلور، نيكول جنيسوتو، على أن الأوروبيين سيواجهون بالتالي تحديا كبيرا.
وأشار التقرير إلى أنه مع عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض ، يستعد العالم لتجربة اضطرابات جديدة وأوروبا ليست محصنة ضد ذلك ، ويثير فوزه العديد من الأسئلة والمخاوف الحقيقية داخل الاتحاد الأوروبى ، وخاصة فيما يتعلق بأوكرانيا، فقد أصر ترامب مرارا وتكرارا على أنه يستطيع فرض السلام في أوكرانيا خلال 24 ساعة ، دون أن يوضح كيف أو يندد بحجم المساعدة المقدمة لكييف لمقاومة روسيا ، كما أنه بتعليقات أشاد فيها بفلاديمير بوتين.
وأضاف "سيتعين عليهم أن يكونوا حاضرين على طاولة المفاوضات، لأنه إذا اضطرت أوكرانيا إلى أن تصبح عضوا في الاتحاد الأوروبي في يوم من الأيام، فمن الطبيعي أن يدافعوا عن مصالحهم، وبالتالي عن مصالحنا الأمنية من خلالهم، ولكن هذا بعيد كل البعد عن ذلك"، حيث أنه "يمكن تحقيق ذلك بشخصية دونالد ترامب".
وفى الوقت نفسه ، هنأ الكرملين بحذر، بعد إعلان دونالد ترامب فوزه في الانتخابات الرئاسية الأمريكية، قائلا إن الولايات المتحدة لا تزال دولة معادية، وإن الوقت سيوضح ما إذا كان خطاب ترامب بشأن إنهاء حرب أوكرانيا سيترجم إلى حقيقة.
علاقة ترامب وروسيا تثير قلق الأوروبيين
وعن علاقة ترامب المتناقضة مع روسيا ، فإنها أيضا تثير قلق الأوروبيين ، بما يتجاوز الحرب في أوكرانيا ، حيث أن تدخل موسكو في الانتخابات الأمريكية عام 2016 تلقى بظلالها على الحياة السياسية للرئيس المنتخب ، حيث وجد تحقيق أجراه مجلس الشيوخ من الحزبين لعام 2020 بشأن التدخل الروسى في الانتخابات أن الكرملين تسلل بالفعل إلى حملة ترامب ، والتدخل الذي زُعم أن ويكيليكس شارك فيه "بقصد" الإضرار بحملة هيلاري كلينتون آنذاك.
بين الرئيس الأمريكي السابق وموسكو، كانت العلاقات ستستمر بعد انتهاء فترة ولايته، بحسب أحد معاونيه السابقين، الذي يدعي أن دونالد ترامب كان سيجري سبع مكالمات هاتفية مع فلاديمير بوتين.
ويخشى نيكولا تينزر، الأستاذ في معهد العلوم السياسية ومؤلف كتاب "جريمتنا ونسياننا: من أجل التفكير الاستراتيجي" أن "من الصعب أن نرى دونالد ترامب يعارض فلاديمير بوتين بشكل مباشر، خاصة في ضوء تصريحات نائبه جي دي فانس، الذي أعلن خلال مؤتمر ميونيخ الأمني في فبراير الماضي أن روسيا لا تشكل خطرا حقيقيا".
العاطفة سيطرت على زعماء أوروبا
داخل المؤسسات الأوروبية، كانت عودة دونالد ترامب هي السيناريو الأكثر إثارة للخوف، عندما أُعلنت نتائج الانتخابات الرئاسية الأمريكية الأربعاء 6 نوفمبر، ورغم التهاني الرسمية، "سيطرت الحمى على القادة الأوروبيين من هذا الاحتمال، خاصة وأن أوروبا تمر بفترة من عدم الاستقرار.
كما حذر الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون من أن أوروبا يجب أن تتولى استقلالها الاستيراتيجى، وألا تعتمد على قوى مثل الولايات المتحدة أو الصين للحفاظ على سيادتها وأمنها، وفقا لصحيفة لابانجورديا الإسبانية.
في خطاب ألقاه خلال افتتاح المجموعة السياسية الأوروبية في بودابست، حث الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أوروبا على الاستعداد للدفاع عن مصالحها الخاصة بعد فوز دونالد ترامب الأخير في الانتخابات الرئاسية الأمريكية.
وقال ماكرون إن ترامب، باعتباره الزعيم الشرعي المنتخب من قبل الشعب الأمريكي، سيضع مصالح بلاده في المقام الأول، مما يثير تساؤلات حول ما إذا كانت أوروبا مستعدة لفعل الشيء نفسه. وقال الرئيس الفرنسي: "السؤال هو: هل نحن مستعدون للدفاع عن مصالح الأوروبيين؟، لافتاً إلى أن الرد على هذا السؤال يجب أن يكون "أولوية" بالنسبة للقارة.
صعود الشعبوية في أوروبا
كما أن الأوروبيين ليسوا محصنين ضد رؤية اليمين المتطرف المحلي المفضل لدى عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض. وقالت دانييل جينيسوتو: "إن فوزه سيعزز جميع الحركات الشعبوية الأوروبية وأفكارها"، وبالتالي فإن "انتخاب دونالد ترامب يمكن أن يكون له تأثير إضفاء الشرعية.
وفي أوروبا، يستطيع دونالد ترامب الآن الاعتماد على العديد من الحلفاء الذين يتبنون موضوعاته المفضلة، مثل الخطاب المناهض للهجرة، وتمجيد القيم التقليدية، والأسرة، والتشكيك في الحق في الإجهاض، وما إلى ذلك. ومن بينهم، قال الزعيم اليميني المتطرف فيكتور أوربان إنه سعيد للغاية بعودة صديقه وأشاد بـ"انتصار العالم".
ولا يخفي رئيس الوزراء المجري، الذي تولى الرئاسة الدورية للاتحاد الأوروبي في يوليو، إعجابه بالرئيس الأمريكي منذ 2016 ، حتى أنه انفق عشرات الملايين من اليورو للتأثير بنجاح على حملة المرشح الجمهورى ، وقام بتمويل مراكز الأبحاث ، وفقا لتحقيق أجرته صحيفة لوموند الفرنسية.
ووفقا للصحيفة الفرنسية، فإن أحد هذه "المراكز الفكرية"، وهو المؤتمر الوطني للمحافظة، ينظم بشكل دوري اجتماعات تجمع قادة اليمين المتطرف الأوروبي والترامبية، مشيرة إلى أن أوروبان أكد مرارا من قبل أن ترامب سيجلب السلام إلى أوروبا.
وفي سلوفاكيا المجاورة، يلتزم رئيس الحكومة أيضًا بأفكار دونالد ترامب. وقدر روبرت فيكو أن هذا النجاح الذي حققه المرشح "المحافظ" في الولايات المتحدة يمثل "هزيمة للأفكار الليبرالية والتقدمية" التي يشبهها بانتظام بالسرطان.
وقال روبرت فيكو وفيكتور أوربان، اللذان يدافعان عن محادثات السلام مع روسيا ويعارضان المساعدات العسكرية الأوروبية لأوكرانيا، إنهما يتوقعان تأثيرًا على الحرب في ذلك البلد. وأكد فيكتور أوربان أن "استراتيجية أوروبية جديدة تجاه أوكرانيا ضرورية"، في حين ينتظر روبرت فيكو "الخطوات الأولى للرئيس الأمريكي الجديد" بشأن هذه القضية.