ما زال اسم درب الأربعين، شاهدا على أهم وأقدم الرحلات التاريخية لربط قارتى إفريقيا وآسيا حتى الآن، رغم توقف تلك الرحلات بعد تطور وسائل النقل والمواصلات، وما تبقى منه سوى مجموعة قرى سميت باسمه تتبع إداريا مركز باريس بمحافظة الوادى الجديد، حيث كان يبدأ من أسيوط ويمتد حتى مدينة الخارجة ثم واحة بولاق وواحة باريس والمكس وبعض الواحات الصغيرة والقديمة، حيث تربط مصر بدول غرب أفريقيا عبر مسار تجارى كان فيما مضى من أهم مسارات مصر التجارية وحتى مدينة الفاشر شمال السودان، كان يتم تأمين الطريق ببعض القلاع التى كانت تحمى هذه القرى والواحات الصغيرة والقوافل من إغارة اللصوص وقطاع الطرق ومن أهم النقاط والمحطات على درب الأربعين، قلعة أم الدبادب وقلعة عين اللبخة ومعبد الناضورة، ومعبد قصر الغويطة، ومعبد قصر الزيان ، ومعبد دوش، وقلعة الدراويش وقصر مبروكة وقصر الحجر.
وترجع أهمية درب الأربعين منذ القرن الثامن عشر، فعبر المحيط الهندي وجنوب آسيا والشرق الأقصى ومحاذاة الساحل الغربي لإفريقيا، حيث أنشأ التجار العرب الذين اثروا تلك المنطقة من خلال التواصل مع سكان المنطقة الذين روجوا منتجاتهم وتجارتهم في تلك الفترة ما بين الذهب والفضة وريش النعام والعطور والحرير والتوابل، وكان معبراً الحجيج من شمال وغرب إفريقيا من هذا الطريق وذلك قبل عصر المماليك حتى أصبح ملتقى التفاعل الثقافي والتاريخي الهام، أما بخلاف ذلك فقد استخدم طريق درب الأربعين في جلب تجارة العبيد من أفريقيا.
وكان درب الأربعين هو مسار رحلات القوافل المحملة بالبضائع والعطرون الخام " بيكربونات الصوديوم"، الذى كانت له أهمية كبرى فى العديد من الصناعات فى ذلك الحين وكان غالى الثمن لما له من فوائد وأستخدامات عديدة حيث كان له دوراُ هاماً في التجارة بوجه عام والثقافة الإنسانية بوجه خاص، حيث كان حلقة من حلقات الاتصال الثقافي والديني الذي يربط وادي النيل بممالك غرب افريقيا وقد سهل وصول الثقافات المختلفة، وساهم التجار العرب الذين اثروا تلك المنطقة من خلال التواصل مع سكان المنطقة الذين روجوا منتجاتهم وتجارتهم في تلك الفترة ما بين الذهب والفضة وريش النعام والعطور والحرير والتوابل والعطرون والصمغ العربى وحتى العبيد.
وقال عنه أبن بطوطه الرحالة العربي الشهير، إنه يمتد من حد الجنوب عند أسوان إلى مالي ثم سلجماسة ماراً بدنقلة وهي من البلاد الكبيرة في السودان ومنها إلى سول وهي آخر بلاد مالي ثم على قاعدة كوكو في بلاد البرتو وتمبكتو فى مالى، ثم ولاته ومنها إلى كلباسة، ومن أسيوط كان يخرج إلى السودان الغربى ماراً بالواحات الخارجة والكفرة ويتجه إلى السودان ومنها إلى غانا، وذكر الحسن بن الوزان أن واحة الخارجة كانت هي الباب الحقيقي إلى بلاد غرب إفريقيا، وكذلك الواحات التي كانت شبكة طرق للقوافل أساساً تتحرك عليها تجارة مرور بعيدة المدى بين أقاليم متباعدة ومتباينة.
وقيل أن المتصوفين كانوا يسلكون هذا الطريق، فيقال: "إنه سمى بالأربعين نظراُ لمرور 40 من الطرق الصوفية منه وإليه خاصة أولياء الطريقة الشاذلية نسبة إلى أبو الحسن الشاذلى ومريديه وهو من شاذلة في المغرب. ومن المعروف أنه دفن في البحر الأحمر في منطقة صحراء "عيذاب" في رحلة إلى الحج ويقام له المولد كل عام في محل دفنه، وانتشرت قصص وحكايات عن المعجزات التي كانت تحدث أثناء مرور هؤلاء الصوفية من درب الأربعين فهناك من كان يأتي سيراً على الأقدام من المغرب والمناطق المجاورة، لذلك فإن أهمية درب الأربعين في مصر ليست فقط في كونه طريق تجارة الجمال أو تجارة الكارم أو حلقة اتصال بالصوفية القادمين من شمال غرب إفريقيا، بل أنه كان طريقاً يسهل وصول كل الثقافات المختلفة، ولذلك فقد لعب درب الأربعين دوراُ هاماً في التجارة بوجه عام والثقافة الإنسانية بوجه خاص.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة