تمر اليوم ذكرى ميلاد الأديب العالمى نجيب محفوظ، حيث ولد عام 1911، ورحل عن عالمنا يوم 30 أغسطس عام 2006، فهو يعد أو عربى حائز على جائزة نوبل العالمية، وبمناسبة الذكرى سوف نعيد نشر خطاب حفل توزيع الجوائز.
خطاب الأكاديمية السويدية قبل استلام نجيب محفوظ لنوبل
وقال الدكتور ستور ألين من الأكاديمية السويدية، فى يوم نوبل العاشر من ديسمبر 1911 تسلم موريس ميترلينك جائزة نوبل فى الأدب لهذا العام، من يد جوستافوس الخامس، هنا فى ستوكهولم، وفى اليوم التالى ولد نجيب محفوظ بالقاهرة، عاصمة مصر، موطنه لم يغادرها إلا فى مناسبات نادرة للغاية.
وأوضح ستور ألين، توفر القاهرة مرارا وتكراراً مكانا لرواياته وقصصه القصيرة ومسرحياته، فهناك نجد الحشد فى زقاق المدق الذى وصفه بطريقة عاطفية وشفافة فى الوقت نفسه.
وأشار ستور ألين، إلى أن في ثلاثية الروايات العظيمة، يواجه كمال الأسئلة الحاسمة المتعلقة بالوجود، وفى الجانب الآخر يوجد القارب المنزلي الذي أصبح في "ثرثرة على النيل" منصة للمحادثات والمناقشات الحيوية حول الأدوار الاجتماعية.
وتابع ستور ألين، أن من منطلق الأهمية بالمكان وبالمجتمع، يأخذ المؤلفين هذه الأهمية على حمل الجد، لقد تعلموا أن يروا المعنى العميق للكلمة، وأن يستغلوا كامل إمكانايتهم وهذا في الواقع يمثل عنصراً أساسياً مشتركاً بين الفن والعلم على حد سواء.
وأكد ألين، أن أحد الأساليب التي يمكن أن نتعامل بها مع أعمال الحائز على جائزة نوبل لهذا العام هو أن نقرأها باعتبارها تعليقات ملتزمة وثاقبة ونبوئية تقريباً على العالم من حوله، فخلال حياته الطويلة ككاتب شهد تغييرات اجتماعية شاملة، فضلاً عن ذلك فإن إنتاجه واسع النطاق بشكل غير عادي.
ولفت ألين، إلى أن في الأدب العربي، تُعَد الرواية في الواقع ظاهرة من ظواهر القرن العشرين، وهي معاصرة إلى حد ما لمحفوظ، وكان هو الذي أوصلها إلى مرحلة النضج في الوقت المناسب، ومن بين المعالم البارزة في هذا المجال: زقاق المدق ، والثلاثية، وأولاد حارتنا، واللص والكلاب، وثرثرة على النيل، وحضرة المحترم ، والمرايا . وتتنوع هذه الروايات إلى حد كبير وتتراوح من الواقعية النفسية إلى التصميم الرمزي والصوفي الميتافيزيقي.
وأفاد ألين، إن طبيعة الزمن تشكل أحد اهتماماته الأساسية، أما بالنسبة لجوزيف برودسكي الحائز على جائزة نوبل في العام الماضي ، فإنه يتسم بالقسوة.
واستطرد الين، أن بالنسبة للعديد من القراء الذين اكتسبهم محفوظ من خلال الثلاثية ، بلوحاتها العريضة التي تصور الحياة المعاصرة، كانت رواية "أولاد حارتنا" بمثابة مفاجأة كبيرة، فقد خرجت الرواية كتاريخ روحي للبشرية،على الرغم من سهولة التعرف عليها ـ متخفية، في مواجهة مواقف جديدة مشحونة بالتوتر، ويمزج رجل العلم الحديث، بنفس المهارة، بين إكسير الحب والمتفجرات، ومع ذلك، هناك بصيص أمل في نهاية الرواية، إن محفوظ ليس متشائمًا، على الرغم من الإشارة إليه أحيانًا على أنه كذلك. يقول: "لو كنت متشائمًا، لما كتبت".
وأضاف الين، في القصص القصيرة أيضًا، نلتقي بالموضوعات الوجودية الكبرى: العقل مقابل الإيمان بالله، والحب كمصدر للقوة في عالم لا يمكن تفسيره، والبدائل والقيود على الموقف الفكري، والنضال الوجودي للإنسان المكشوف.
واستطرد ألين، أن أخذ المؤلفين على محمل الجد لا يعني بالضرورة أخذهم حرفياً فقد قال محفوظ ذات مرة إنه يكتب لأن ابنتيه في احتياج إلى أحذية بكعب عال، وربما يُساء فهم مثل هذه التصريحات غير التقليدية ، وقد حدث هذا بالفعل لأنها لا تخبرنا عن إنجازات محفوظ الأدبية بقدر ما تخبرنا عن شخصيته المعتدلة والجادة، وفي الوقت نفسه المرحة الماكرة، يتمتع نجيب محفوظ بمكانة لا مثيل لها كمتحدث باسم النثر العربي، ومن خلاله، وفي المجال الثقافي الذي ينتمي إليه، بلغت فنون الرواية والقصة القصيرة مستويات عالمية من التميز، نتيجة لمزيج من التقاليد العربية الكلاسيكية والإلهام الأوروبي والفن الشخصي.
وأوضح الين، لأسباب خاصة، لم يتمكن السيد محفوظ من الانضمام إلينا الليلة. ومع ذلك ، أود أن أخاطبه مباشرة في هذه اللحظة، باستخدام التلفزيون.
عزيزي السيد محفوظ..
"إن عملك الغني والمعقد يدعونا إلى إعادة النظر في الأمور الأساسية في الحياة، إن موضوعات مثل طبيعة الوقت والحب، والمجتمع والأعراف، والمعرفة والإيمان تتكرر في مجموعة متنوعة من المواقف ويتم تقديمها بطرق مثيرة للتفكير وللجراءة والوضوح، ويمكن الشعور بالجودة الشعرية لنثرك عبر حاجز اللغة، في شهادة الجائزة، يُنسب إليك الفضل في تشكيل فن السرد العربي الذي ينطبق على البشرية جمعاء، نيابة عن الأكاديمية السويدية أهنئك على إنجازاتك الأدبية البارزة، والآن، هل لي أن أطلب منك، يا آنسة أم كلثوم نجيب محفوظ، وأنتِ يا آنسة فاطمة نجيب محفوظ، أن تتقدمي لتتسلما من يدي جلالة الملك، نيابة عن والدك نجيب محفوظ، جائزة نوبل في الأدب لعام 1988".
كلمة نجيب محفوظ يقرأها الكاتب محمد سلماوى
أود في البداية أن أشكر الأكاديمية السويدية ولجنتها المسؤولة عن جائزة نوبل على اهتمامهم بجهودي الطويلة والمثابرة، وأود أن تتقبلوا حديثي بصدر رحب، فهو يأتي بلغة غير معروفة للكثيرين منكم، ولكنه الفائز الحقيقي بالجائزة، ومن ثم فإن المقصود أن تطفو ألحانه لأول مرة في واحتكم الثقافية والحضارية. وآمل أن لا تكون هذه هي المرة الأخيرة أيضاً، وأن يستمتع كتاب الأدب في بلدي بالجلوس بكل جدارة بين كتابكم الدوليين الذين نشروا عبير الفرح والحكمة في عالمنا المثقل بالأحزان.
لقد أخبرني أحد المراسلين الأجانب في القاهرة أنه بمجرد ذكر اسمي في سياق الجائزة ساد الصمت، وتساءل كثيرون عمن أكون، اسمحوا لي إذن أن أقدم نفسي بطريقة موضوعية قدر الإمكان، أنا ابن حضارتين شكلتا زواجًا سعيدًا في عصر معين من التاريخ، الأولى عمرها سبعة آلاف عام، وهي الحضارة الفرعونية؛ والثانية عمرها ألف وأربعمائة عام، وهي الحضارة الإسلامية، ربما لا أحتاج إلى تعريف أي من الحضارتين على أي منكما، باعتباركما من النخبة والمتعلمين، ولكن لا ضرر، في وضعنا الحالي من التعارف والتواصل، من مجرد التذكير.
أما الحضارة الفرعونية فلن أتحدث عن الفتوحات وبناء الإمبراطوريات، فقد أصبحت هذه فخراً بالياً لا يرتاح لذكره الضمير الحديث ولله الحمد، ولن أتحدث عن كيفية اهتداء هذه الحضارة لأول مرة إلى وجود الله وبداية فجر الضمير الإنساني، فهذا تاريخ طويل، ولا يوجد بينكم من لا يعرف الملك أخناتون، ولن أتحدث حتى عن إنجازات هذه الحضارة في الفن والأدب، ومعجزاتها الشهيرة: الأهرامات وأبو الهول والكرنك، فمن لم تتح له الفرصة لرؤية هذه الآثار فقد قرأ عنها وتأمل أشكالها.
دعوني إذن أبدأ الحضارة الفرعونية بما يبدو وكأنه قصة، لأن ظروفي الشخصية فرضت علي أن أصبح راويًا للقصص، استمعوا إذن إلى هذه الحادثة التاريخية المسجلة: تروي البرديات القديمة أن فرعون علم بوجود علاقة آثمة بين بعض نساء الحريم ورجال بلاطه. وكان من المتوقع أن يقضي عليهم وفقًا لروح عصره. لكنه بدلاً من ذلك استدعى إلى حضرته أفضل رجال القانون وطلب منهم التحقيق فيما علمه، أخبرهم أنه يريد الحقيقة حتى يتمكن من إصدار حكمه بالعدل.
إن هذا السلوك، في رأيي، أعظم من تأسيس إمبراطورية أو بناء الأهرامات. فهو أكثر دلالة على تفوق تلك الحضارة من أي ثروات أو بهاء، لقد ولت تلك الحضارة الآن،ـ مجرد قصة من الماضي. وسوف يختفي الهرم الأكبر ذات يوم. ولكن الحقيقة والعدالة سوف تظلان قائمتين ما دامت البشرية تتمتع بعقل تأملي وضمير حي.
أما الحضارة الإسلامية فلن أتحدث عن دعوتها إلى إقامة اتحاد بين البشر تحت رعاية الخالق، على أساس الحرية والمساواة والتسامح، ولن أتحدث عن عظمة نبيها، فمن بين مفكريكم من يعتبره أعظم رجل في التاريخ. ولن أتحدث عن فتوحاتها التي غرست آلاف المآذن التي تدعو إلى العبادة والتقوى والخير في مساحات شاسعة من الأرض تمتد من محيط الهند والصين إلى حدود فرنسا،ولن أتحدث عن الأخوة بين الأديان والأجناس التي تحققت في أحضانها بروح من التسامح لم تعرفها البشرية من قبل ولا من بعد.
ولكنني سأقدم هذه الحضارة في موقف درامي مؤثر يلخص واحدة من أبرز سماتها: ففي إحدى معاركها المنتصرة ضد بيزنطة أعادت أسرى الحرب في مقابل عدد من الكتب من التراث اليوناني القديم في الفلسفة والطب والرياضيات، وهذه شهادة على قيمة الروح الإنسانية في طلبها للمعرفة، حتى وإن كان الطالب مؤمناً بالله وكان المطلوب ثمرة حضارة وثنية.
لقد كان من قدري، سيداتي وسادتي، أن أولد في حضن هاتين الحضارتين، وأن أمتص لبنهما، وأن أتغذى على أدبهما وفنهم، ثم شربت رحيق ثقافتكم الغنية الرائعة، ومن وحي كل هذا ـ فضلاً عن قلقي الشخصي ـ تساقطت مني كلمات. وقد حظيت هذه الكلمات بتقدير أكاديميتكم الموقرة التي توجت مساعيي بجائزة نوبل العظيمة، والشكر موصول لها باسمي وباسم أولئك البناة العظماء الراحلين الذين أسسوا الحضارتين.
سيداتي وسادتي،
قد تتساءلون: كيف وجد هذا الرجل القادم من العالم الثالث راحة البال ليكتب قصصاً؟ إنكم على حق تماما، فأنا من عالم يرزح تحت وطأة الديون التي يعرضه سدادها للموت جوعاً أو قريباً منه، فبعض شعوبه يهلك في آسيا بسبب الفيضانات، وبعضهم الآخر في أفريقيا بسبب المجاعة. وفي جنوب أفريقيا هلك الملايين من البشر بسبب الرفض والحرمان من كل حقوق الإنسان في عصر حقوق الإنسان، وكأنهم ليسوا من البشر، وفي الضفة الغربية وغزة هناك أناس ضائعون رغم أنهم يعيشون على أرضهم؛ أرض آبائهم وأجدادهم وأجداد أجدادهم، لقد نهضوا ليطالبوا بالحق الأول الذي ضمنه لهم الإنسان البدائي؛ ألا وهو أن يعترف لهم الآخرون بمكانهم اللائق، وقد جزوا على تحركهم الشجاع النبيل ـ،رجالاً ونساءً وشباباً وأطفالاً على حد سواء ـ،بكسر العظام، والقتل بالرصاص، وتدمير المنازل، والتعذيب في السجون والمعسكرات. ويحيط بهم 150 مليون عربي يتابعون ما يحدث بغضب وحزن، وهو ما يهدد المنطقة بكارثة إذا لم تنقذها حكمة الراغبين في السلام العادل والشامل.
نعم، كيف وجد الرجل القادم من العالم الثالث راحة البال لكتابة القصص؟ لحسن الحظ، الفن كريم ومتعاطف، وكما أنه يسكن مع السعداء فإنه لا يهجر البائسين. فهو يوفر لكليهما على حد سواء الوسائل الملائمة للتعبير عما يتضخم في صدورهما.
في هذه اللحظة الحاسمة من تاريخ الحضارة، من غير المعقول ولا المقبول أن تخمد أنينات البشر في الفراغ، لا شك أن البشرية قد بلغت سن الرشد أخيرًا، وعصرنا يحمل توقعات الوفاق بين القوى العظمى، يتولى العقل البشري الآن مهمة القضاء على جميع أسباب الدمار والفناء، وكما يبذل العلماء قصارى جهدهم لتطهير البيئة من التلوث الصناعي، فيتعين على المثقفين أن يبذلوا قصارى جهدهم لتطهير البشرية من التلوث الأخلاقي، ومن حقنا وواجبنا أن نطالب القادة الكبار في بلدان الحضارة وكذلك خبراء الاقتصاد فيها بإجراء قفزة حقيقية من شأنها أن تضعهم في بؤرة اهتمام العصر.
في العصور القديمة كان كل قائد يعمل لصالح أمته فقط، وكان الآخرون يعتبرون أعداء أو خاضعين للاستغلال. ولم يكن هناك اعتبار لأي قيمة سوى قيمة التفوق والمجد الشخصي. ومن أجل هذا أهدرت أخلاقيات ومبادئ وقيم عديدة، وتبرير العديد من الوسائل غير الأخلاقية، وإزهاق العديد من الأرواح، وكان الكذب والخداع والغدر والقسوة من علامات الفطنة ودليل العظمة، واليوم، لابد أن تتغير هذه النظرة من مصدرها، واليوم، لابد أن تقاس عظمة القائد المتحضر بمدى عالمية رؤيته وشعوره بالمسؤولية تجاه البشرية جمعا، إن العالم المتقدم والعالم الثالث ليسا سوى أسرة واحدة، يتحمل كل إنسان مسؤوليته تجاهها بقدر ما اكتسبه من المعرفة والحكمة والحضارة، ولن أكون قد تجاوزت حدود واجبي إذا قلت لهم باسم العالم الثالث: لا تقفوا متفرجين على بؤسنا، إنكم لابد وأن تلعبوا في هذا المجال دوراً نبيلاً يليق بمكانتكم.
فمن موقعكم المتفوق تتحملون المسؤولية عن أي تضليل قد يصيب الحيوان أو النبات، ناهيك عن الإنسان، في أي من أركان العالم الأربعة، لقد سئمنا من الكلام، والآن حان وقت العمل، لقد حان الوقت لإنهاء عصر قطاع الطرق والمرابين، إننا نعيش في عصر القادة المسؤولين عن الكرة الأرضية كلها، أنقذوا المستعبدين في الجنوب الأفريقي! أنقذوا الجائعين في أفريقيا! أنقذوا الفلسطينيين من الرصاص والتعذيب! بل أنقذوا الإسرائيليين من تدنيس تراثهم الروحي العظيم! أنقذوا المدينين من قوانين الاقتصاد الصارمة! الفتوا انتباههم إلى حقيقة مفادها أن مسؤوليتهم تجاه البشرية يجب أن تسبق التزامهم بقوانين العلم الذي ربما تجاوزه الزمن.
أرجو المعذرة، سيداتي وسادتي، أشعر أنني ربما أزعجت هدوءكم إلى حد ما. ولكن ماذا تتوقعون من شخص قادم من العالم الثالث؟ أليس كل إناء ملون بما يحتويه؟ فضلاً عن ذلك، أين يمكن أن تجد أنين البشرية مكانًا لتتردد صداه إن لم يكن في واحة الحضارة التي زرعها مؤسسها العظيم لخدمة العلم والأدب والقيم الإنسانية السامية؟ وكما فعل ذات يوم عندما كرس ثرواته لخدمة الخير، على أمل الحصول على المغفرة، فإننا، أبناء العالم الثالث، نطالب القادرين والمتحضرين، أن يحذوا حذوه، وأن يتشربوا سلوكه، وأن يتأملوا رؤيته.سيداتي وسادتي، ورغم كل ما يجري حولنا فإنني ملتزم بالتفاؤل حتى النهاية. ولا أقول مع كانط إن الخير سينتصر في العالم الآخر، فالخير يحرز النصر كل يوم، بل قد يكون الشر أضعف مما نتصور. وأمامنا دليل لا يمحى: فلولا أن النصر دائماً للخير لما استطاعت جحافل البشر الهائمة أن تنمو وتتكاثر في مواجهة الوحوش والحشرات والكوارث الطبيعية والخوف والأنانية، ولما استطاعت أن تشكل الأمم، وأن تتفوق في الإبداع والاختراع، وأن تغزو الفضاء الخارجي، وأن تعلن حقوق الإنسان. والحقيقة أن الشر فاسق صاخب، وأن الإنسان يتذكر ما يؤلمه أكثر مما يسره، وقد صدق شاعرنا الكبير أبو العلاء المعري حين قال:
"إن الحزن في ساعة الموت
أعظم من مائة ضعف من
الفرح في ساعة الولادة."
حوار مع نجيب محفوظ أجراه الكاتب والصحفي محمد سلماوي في مارس 2006.
محمد سلماوي : ماذا شعرت عندما علمت بفوزك بجائزة نوبل للآداب؟
نجيب محفوظ : شعرت بسعادة غامرة ودهشة كبيرة،لم أتوقع قط أن أفوز بالجائزة، في فترة وجودي كانت جائزة نوبل تُمنح لكتاب من أعلى المستويات مثل أناتول فرانس ، وبرنارد شو ، وإرنست همنجواي ، وويليام فوكنر ، وكان هناك أيضًا جان بول سارتر وألبير كامو.،كنت قد سمعت أن كاتبًا عربيًا قد يفوز بجائزة نوبل ذات يوم، لكنني كنت أشك بشدة في حدوث ذلك.
محمد سلماوي : ولكن ألم يرشحك الكاتب عباس محمود العقاد للجائزة قبل عشرين عاما من فوزك بها؟ كان ذلك خلال لقاء تلفزيوني قال فيه إنه يعتقد أنك تستحق جائزة نوبل.
نجيب محفوظ : كان العقاد دائماً شجاعاً في تفكيره.
محمد سلماوي : هل كان لفوزك بجائزة نوبل أي تأثير على حياتك وأعمالك اللاحقة؟
نجيب محفوظ : نعم، لقد شجعتني على الاستمرار في الكتابة، ولكنني تلقيتها في مرحلة متأخرة من مسيرتي في الكتابة، للأسف. الشيء الوحيد الذي كتبته بعد ذلك كان أصداء سيرة ذاتية . وأنا أكتب الآن أحلام التعافي . حتى رواية قشتمر ، التي نشرت في شكل مسلسل في الأهرام، كتبتها قبل الجائزة، وظهرت في شكل كتاب بعد ذلك.
على المستوى الشخصي، فرض عليّ الفوز بجائزة نوبل أسلوب حياة لم أعتد عليه ولم أكن لأفضّله. كنت أقبل المقابلات واللقاءات التي كان لابد أن أجريها مع وسائل الإعلام، ولكنني كنت أفضل العمل في سلام.
محمد سلماوي : ما الذي دفعك إلى أن تصبح كاتباً ومن الذي ألهمك في مسيرتك المهنية؟
نجيب محفوظ : بدأت الكتابة وأنا في المدرسة على دفاتر، وقد استلهمت أفكاري من كتاب عرب معاصرين مثل المنفلوطي وطه حسين والعقاد، وقد حركوا في نفسي شغف الكتابة، فكانت النتيجة أنني انتقلت من القسم العلمي إلى القسم الأدبي عندما كنت في المدرسة الثانوية.
محمد سلماوي : ما هي أهم الأحداث في حياتك منذ حصولك على جائزة نوبل؟
نجيب محفوظ (يشير إلى رقبته): هذا هو الضرب الذي تعرضت له في عام 1994 (يشير إلى محاولة اغتياله عندما حاول شاب طعن رقبته بخنجر، فأصيبت يد محفوظ اليمنى بالشلل لفترة طويلة بعد ذلك). ولكنني حظيت أيضاً بتكريم عظيم من الدولة والشعب، وهو ما أثر فيّ كثيراً.
محمد سلماوي : ما هو تأثير أعمالك على الأدب المصري منذ حصولك على جائزة نوبل؟
نجيب محفوظ : الإجابة على هذا السؤال يجب أن تُترك للنقاد. هم وحدهم من يستطيعون أن يقولوا ما إذا كانت كتاباتي قد أثرت على الأدب العربي أم لا، ويبدو أن أحد التأثيرات التي خلفتها جائزة نوبل هو أن المزيد من الأعمال الأدبية العربية قد ترجمت إلى لغات أخرى. وقد سمعت هذا من زوار روس، وكذلك من الألمان الذين جاءوا إلى مصر لدعوتنا إلى معرض فرانكفورت الدولي للكتاب الذي كانوا يستعدون له في ذلك الوقت.