دراسة للمركز المصرى توضح أسباب سرعة تهاوى النظام السورى.. سيطرة الفصائل المسلحة تعرقل المسار السياسى للدولة منذ سنوات.. وتسليم المدن دون قتال الأبرز بالإضافة إلى التدخلات الخارجية وتراجع دور الحلفاء

الأربعاء، 11 ديسمبر 2024 10:00 ص
دراسة للمركز المصرى توضح أسباب سرعة تهاوى النظام السورى.. سيطرة الفصائل المسلحة تعرقل المسار السياسى للدولة منذ سنوات.. وتسليم المدن دون قتال الأبرز بالإضافة إلى التدخلات الخارجية وتراجع دور الحلفاء الفصائل المسلحة فى سوريا
كتب محمد عبد الرازق

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

أبرزت دراسة حديثة للمركز المصرى للفكر و الدراسات الاستراتيجية أسباب سرعة تهاوى النظام السورى لبشار الأسد ،حيث شهدت الأيام العشرة الماضية منذ إعلان الفصائل المسلحة السورية بدء العملية التي عُرفت بـ “ردع العدوان” تغيرات متسارعة على مستوى الأوضاع الميدانية وخارطة النفوذ في سوريا، وهي التغيرات التي وصلت إلى ذروتها مع دخول الفصائل المسلحة إلى العاصمة السورية دمشق، ومن ثم الإعلان عن “إسقاط الرئيس بشار الأسد”، لتدخل الساحة السورية بذلك حقبة جديدة، يغلب عليها الغموض والضبابية على مستوى ملامحها وطبيعة توجهاتها، خصوصاً في ضوء حالة السيولة الراهنة، وتعدد وكثرة أنماط الفاعلين المحليين والدوليين المنخرطين في صياغة هذا المشهد الجديد.

وأشارت الدراسة أنه من المؤكد أن هذه المتغيرات التي شهدتها الساحة السورية لن تقتصر في آثارها وتداعياتها على الداخل السوري بل إنها ستمتد لتشمل المنظومة الإقليمية ككل.


وأكملت الدراسة أن هناك مجموعة من المشاهد الرئيسية والمؤشرات التي عبرت في مجملها عن حالة من التراجع على مستوى تعامل الجيش السوري مع التصعيد الراهن، وفي المقابل صعود الفصائل المسلحة وهو الصعود الذي وصل إلى حد الإطاحة برأس النظام ، ويُمكن إبراز هذه المؤشرات على النحو التالي:

1- سيطرة الفصائل على مساحات واسعة بسوريا: بدأت العمليات العسكرية التي أطلقت عليها الفصائل المسلحة السورية “ردع العدوان” في 27 نوفمبر 2024، بمشاركة مجموعة من الفصائل المسلحة، وعلى رأسها هيئة تحرير الشام “جبهة النصرة سابقاً”،  جيش إدلب الحر، وحركة أحرار الشام، والجبهة الوطنية للتحرير، والجيش الوطني السوري، و"جيش العزة"، وهي فصائل تجمع في سماتها الرئيسية بين عاملين الأول الفكر الإسلاموي المتشدد، والثاني أنها فصائل تدور في فلك الدعم والرعاية التركية، وقد بدأت هذه الفصائل عملياتها بالإشارة إلى أن هذه العمليات "تأتي كرد على العدوان الروسي – السوري المشترك ضدها على مدار شهر أكتوبر 2024" وفق البيانات، لكن الواقع الميداني اليوم يكشف عن أهداف بعيدة المدى واستراتيجية تستهدف في مجملها تغيير الوضع الميداني للأراضي السورية ككل، وتغير المشهد السياسي برمته، وهو ما تحقق فعلياً خلال الساعات الماضية، حيث دخلت هذه الفصائل إلى قلب العاصمة دمشق وأطاحت بالرئيس بشار الأسد دون أي مقاومة تذكر ،وعلى مدار ما يزيد على العشرة أيام، استطاعت هذه الفصائل السيطرة بشكل شبه كامل على مناطق إدلب وحلب وحماة ،حتى أعلنت هذه الفصائل السيطرة على كافة مناطق مدينة حمص، والتي تعد المحافظة الواصلة بين الداخل السوري والعاصمة والساحل (مناطق نفوذ النظام وروسيا)، كما أعلنت عن السيطرة بشكل كامل على مدينة درعا (تحمل دلالة رمزية لكونها مهد الاحتجاجات التي خرجت في 2011)، كما أعلنت الفصائل السيطرة على ميدان الثعلة العسكري الاستراتيجي بمحافظة السويداء، لتقف الفصائل المسلحة بذلك على بعد 20 كم من العاصمة دمشق، ولتعلن بعد ذلك التقدم في الريف الغربي لدمشق، وتعلن عن البدء بعملية عسكرية خاصة لدخول العاصمة من محاور عدة، بما يعني عملياً محاصرة قوات الجيش الوطني السوري في العاصمة دمشق وفرض حصار على مكونات النظام السوري في إطار العاصمة، وكان اللافت هو السرعة التي دخلت فيها الفصائل إلى دمشق واستطاعت في ثناياها الاستيلاء على العاصمة وفرض سيطرتها عليها.

2- هروب لبعض قطاعات الجيش السوري: في إطار التطورات الميدانية التي شهدتها الجغرافيا السورية نقلت وكالة "رويترز" عن رئيس بلدية القائم العراقية خلف جدعان المحلاوي قوله إن نحو ألفي جندي سوري عبروا الحدود، وطلبوا اللجوء في العراق، وفي سياق متصل أشارت بعض التقارير إلى انسحاب 300 مسلح من الفصائل العراقية من داخل العمق السوري الى الأراضي العراقية، ويبدو أن هذا الانسحاب كان على وقع اعتبارين، الأول هو الشعور بتراجع فرص وقدرة الجيش الوطني على الصمود، وثانيها أن هناك تبليغاً رسمياً وصل إلى تلك الفصائل العراقية بأنها قد تكون محل استهداف في أي لحظة من قبل أمريكا أو إسرائيل في حال كان لها أي دور في القتال الحاصل في سوريا حالياً.

3-  تسليم بعض المدن دون قتال: على هامش مشهد التقدم الكبير للفصائل المسلحة وإعلانها السيطرة على محافظة درعا دون مقاومة تذكر، أشارت بعض التقارير إلى أن الجيش وافق على الانسحاب المنظم من درعا بموجب اتفاق يمنح مسؤولي الجيش ممراً آمناً إلى العاصمة دمشق التي تقع على بعد نحو 100 كيلومتر إلى الشمال، حسبما نقلت وكالة "رويترز" للأنباء، وهو مشهد استند من جانب ربما إلى بعض الحسابات السياسية الخاصة بنقل الجهد الأمني إلى دمشق، ومن جانب آخر ربما بالروح المعنوية والحالة التي تعيشها قطاعات داخل الجيش الوطني السوري.

لكن المشهد الأبرز في هذا الإطار كان مرتبطاً بالعاصمة دمشق، فعلى عكس كل التوقعات والتقديرات التي ذهبت إلى أن التراجع الكبير الذي شهدته القوات السورية النظامية على مستوى التعامل مع التصعيد، كان يرتبط بشكل رئيسي بالاستعداد لمعركة دمشق ،الا انه كان لافتاً أن الفصائل المسلحة دخلت دمشق دون أي مقاومة تذكر من القوات النظامية ومن الجيش السوري، الأمر الذي عكس مجموعة من الدلالات المهمة.
الأول أن هناك ربما ترتيبات معينة جرت مع بعض الحلفاء تم بموجبها الاتفاق على عدم المقاومة والرضوخ لفكرة الأمر الواقع الجديد.
والثانى أن أياً من إيران أو روسيا لم يبديا انفتاحاً على تقديم أي دعم عسكري للنظام السوري.
وثالثا يرتبط بالمعنويات المنخفضة لقوات الجيش السوري وحالة الانهزامية التي شعر بها الجنود والضباط.

واكملت الدراسة في طياتها أنه مع التسليم بفكرة تراجع المقاومة والفاعلية من قبل قوات الجيش السوري تجاه التصعيد النوعي الذي تبنته الفصائل المسلحة، يظل السؤال الأكثر محورية مرتبطاً بالعوامل الكامنة خلف هذه الحالة وما آلت إليه على مستوى تغيير الواقع الميداني في سوريا، وفي هذا السياق يمكن الإشارة إلى مجموعة من الاعتبارات والعوامل الرئيسية:
1-المعنويات المنخفضة داخل الجبهة الرسمية: عبرت مشاهد التصعيد الراهن سواءً ما يتعلق بفرار قطاعات من الجيش عن ساحة المعركة، أو ما يتعلق بالانسحاب من بعض المواقع، في أحد جوانبها عن الروح المعنوية المنخفضة لدى قطاعات عديدة في الجبهة الرسمية السورية، وربما يرتبط بتداعيات حالة التقدم الكبير الذي حققته الفصائل المسلحة، وبعضها الآخر يرتبط بحالة الإنهاك والاستنزاف نتيجة الصراع الممتد منذ العام 2011.
2-تراجع الدعم والإسناد من الحلفاء: كان هناك مجموعة من المؤشرات المهمة على مستوى تعامل بعض الحلفاء لسوريا مع المشهد الراهن، وخصوصاً روسيا وإيران وبعض الفصائل في الإقليم، ومن هذه المشاهد ما أشارت إليه التقارير حيث أشارت استناداً إلى مصادر إلى أن حزب الله "لا ينوي حالياً إرسال مقاتلين لدعم الجيش السوري"، ولفت التقرير إلى أن "الحزب لم يُطلب منه التدخل، وأنه غير مستعد في اللحظة الراهنة بعد وقف إطلاق النار مع إسرائيل لاتخاذ هذه الخطوة"، كذلك ما ذكرته العديد من التقارير من أن إيران لا تنوي التدخل عسكرياً في ثنايا المعركة الراهنة، أيضاً المصادر بالكرملين التي أكدت إلى أن موسكو ليس لديها خطط لإنقاذ الوضع في سوريا، ما دام الجيش السوري، يواصل التخلي عن مواقعه، ما يعني عملياً بدء التخلي الروسي بشكل نسبي عن سياسة الدعم المطلق، ويبدو أن الجهد الروسي سوف ينصب على تأمين مصالحها الاستراتيجية في سوريا خصوصاً في منطقة الساحل السوري.
3- الأزمات البنيوية العميقة للجيش السوري: عانى الجيش السوري على مدار السنوات الأخيرة من أزمات بنيوية عميقة ساهمت إجمالاً في الوصول إلى اللحظة الراهنة، ومن هذه الأزمات تراجع القدرات التسليحية والعسكرية الخاصة بالجيش السوري على وقع الأزمات الاقتصادية وعلى وقع العقوبات المفروضة على سوريا، ذلك فإن فكرة الاعتماد على الدعم والإسناد المقدم من روسيا وإيران وبعض المجموعات المسلحة التي تدور في كنفهما، كانت رهاناً خاطئاً، أدى عملياً إلى تراجع القدرات القتالية للجيش السوري، أيضاً لا يجب إغفال عامل الاستنزاف الذي تعيشه القوات السورية على وقع الحرب المستمرة منذ العام 2012 (تاريخ التوجه نحو العنف المسلح في سوريا).

4-تعرقل المسار السياسي على مدار سنوات: اعتمدت المؤسسات الحاكمة في سوريا خلال السنوات الأخيرة على مقاربة ركزت بشدة على البعد الأمني، وكذا البعد الخاص بسياسات الدعم والإسناد الخارجي، وفي المقابل كرست هذه الحالة الأمنية المسألة السورية وانتشار الفصائل والمجموعات المسلحة والإرهابية، وأغلقت الباب أمام أي مسار سياسي وأي إصلاحات كانت ضرورية لمعالجة الحالة السورية والتعامل معها، وبالتالي بقيت الكلمة الأخيرة للميدان ولتوازنات القوة على الأرض، وهي التوازنات التي لم تكن في صالح المؤسسة الرسمية في سوريا.

5-الحشد الكبير للفصائل المسلحة في سوريا: كان لافتاً في سياق الملاحظات الميدانية الخاصة بالعملية، أن المجموعات المسلحة المتقدمة في عدد من الجبهات السورية تتمتع بتسليح قوي على مستوى الأسلحة الخفيفة والمتوسطة والثقيلة، بالإضافة لسلاح الطائرات المسيرة، وقد استخدمت هذه الفصائل مجموعة متنوعة من الأسلحة لوحظت في فيديوهات انتشرت عبر وسائل التواصل الاجتماعي، مثل البنادق الهجومية، ومنها: “إيه كيه 47” (AK-47) و”إم 16″ (M16)، إلى جانب مدافع رشاشة أعلى مثل “رشاش بيكا” الذي يجمع صفات كلٍّ من الكلاشنكوف والديكتريوف والغرينوجوف، إلى جانب بعض بنادق القناصة من الحقبة السوفيتية. بالإضافة إلى الأسلحة المحلية، وأبرزها تطوير كتائب شاهين المعنية بتشغيل الطيران المسيّر، وهو أمر يُمكن تفسيره في ضوء عاملين، الأول هو فكرة الدعم الخارجي والاستعداد لهذه المعركة منذ سنوات، والثاني هو الأسلحة التي حصلت عليها هذه الفصائل في ثنايا المواجهات مع الجيش السوري، خصوصاً عقب السيطرة على العديد من مخازن الأسلحة والمصانع والمؤسسات العسكرية، وقد جاء ذلك في مقابل حالة من التراجع بالنسبة للجيش السوري على مستوى التسليح والقدرات العسكرية.

و خلُصت الدراسة الى أن يمكن القول إن الإطاحة بالرئيس بشار الأسد من الحكم في سوريا، تفتح الباب أمام العديد من السيناريوهات التي يغلب عليها الضبابية والقتامة في سوريا، بخصوص ما هو قادم، لأكثر من اعتبار، بعضها يرتبط بحالة السيولة والفوضى المحتملة التي ستشهدها البلاد، وبعضها يرتبط بسعي بعض الأطراف الإقليمية والدولية لاستغلال الظرف الراهن من أجل إعادة التموضع وتعزيز النفوذ، وبعضها يرتبط بتنامي نشاط التنظيمات الإرهابية والعنيفة وسعيها استغلال الوضع من أجل استعادة النفوذ في دولة ترى فيها أنها خاصرة نفوذ تقليدي وبها بيئة مواتية للتمدد والانتشار.







مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة