بخطوات مفاجئة وسريعة، سقط نظام الرئيس السورى بشار الأسد، وسط حالة من الاحتفاء فى أوساط السوريين البسطاء بما يبدوا أنه بداية لعهد جديد، غير أن شبكات المصالح وتعقيدات مشهد سوريا ما بعد الأسد، فى ظل صراع النفوذ بين الأطراف التى كانت فاعلة فى المشهد السورى على مدار سنوات طويلة ومن بينها روسيا وإيران وتركيا، جميعها تشى بأن غد سوريا لن يكون مشرقًا.
وفى الوقت الذى تبادر فيه الولايات المتحدة ودولًا غربية لإعلان اعتزامها مراجعة مواقفها من إدراج هيئة تحرير الشام بقوائم الإرهاب، كشفت وسائل إعلام أمريكية عن آخر تحديث لخريطة النفوذ داخل الأراضى السورية، لافتة إلى أن القوى الدولية الكبرى تسعى لتحقيق مكاسب داخل سوريا ما بعد الأسد، وهو ما كشفته الضربات الجوية الإسرائيلية والأمريكية لأهداف داخل سوريا، فضلًا عن استهداف تركيا للأكراد طوال الفترة الماضية.
ونشرت صحيفة نيويورك تايمز خريطة النفوذ داخل "سوريا الجديدة" حيث تتسابق القوى العظمى على السيطرة على أراضيها نظرا لموقعها الاستراتيجى الممتد من البحر المتوسط إلى نهر الفرات وما بعده.
ووفقا لنيويورك تايمز، فعلى مدار الحرب الأهلية السورية التى استمرت نحو 13 عامًا دعمت إيران وروسيا نظام الرئيس السورى بشار الأسد، بينما دعمت الولايات المتحدة وتركيا ودول أخرى مجموعات من فصائل المعارضة المسلحة.
قلق تركي
وأشار التقرير، إلى وجود مصدرين رئيسيين للقلق فى تركيا، هما قضية اللاجئين والأكراد الذين يعيش عدد كبير منهم فى شمالى شرق سوريا، حيث تقول أنقرة إنهم مرتبطين بجماعات انفصالية كردية فى تركيا، وتستضيف تركيا 4 ملايين لاجئ سورى وترغب الان فى اعادتهم إلى بلادهم بعد سقوط الأسد.
ومع سيطرة هيئة تحرير الشام على دمشق فى الأيام الأخيرة، اندلع قتال بين الجيش الوطنى السورى والأكراد فى شمال شرق سوريا، خاصة حول مدينة منبج، وهى مدينة يسيطر عليها الأكراد بالقرب من الحدود مع تركيا.
وقالت الصحيفة الأمريكية، إن تركيا الآن هى القوة الأجنبية الأكثر نفوذًا على الفصائل المسلحة ما يتيح لها تحقيق أهدافها، مثل شن مزيد من الهجمات ضد الأكراد السوريين، وإعادة اللاجئين إلى سوريا.
أطماع إسرائيلية
وخلال ساعات من سقوط نظام الأسد، حركت إسرائيل قواتها إلى الجولان وتجاوزت المنطقة منزوعة السلاح لأول مرة منذ حرب أكتوبر عام 1973 كما استهدفت مخازن قالت إنها تحوى أسلحة كيميائية ومواقع دفاع جوى وصواريخ داخل سوريا.
وفى عهد بشار الأسد، شنت إسرائيل بانتظام ضربات جوية ضد مخازن أسلحة ومواقع تابعة لإيران وحزب الله اللبنانى فى سوريا، وفى أبريل الماضى، قصفت طائرات حربية يشتبه بأنها إسرائيلية السفارة الإيرانية فى دمشق، ما أدى إلى سقوط مسؤولين إيرانيين كبار.
ارتباك إيرانى وقلق روسي
ومع فرار الأسد من سوريا، تتوقع نيويورك تايمز أن إيران ستفقد جزءًا كبيرًا من نفوذها العسكرى فى لبنان وسوريا، وأن آمالها فى تشكيل "محور مقاومة" يمتد إلى البحر الأبيض المتوسط تلاشت، على الأقل فى الوقت الحاضر، وقالت الصحيفة أن ايران أرسلت مستشارين عسكريين لدعم نظام الأسد أثناء الحرب.
وعن روسيا، قالت الصحيفة أن الكرملين ربما يفقد جزءًا كبيرًا من نفوذه فى سوريا مع انهيار نظام الأسد، ومع ذلك، يرى محللون أن روسيا ستحاول على الأرجح الحفاظ على قاعدتها فى طرطوس، التى تمثل الميناء الوحيد لأسطولها فى البحر الأسود على البحر الأبيض المتوسط.
وخلال الحرب السورية، أولت روسيا اهتمامًا كبيرًا بالحفاظ على حليفها فى السلطة كما اعتبرت الرئيس السورى حاجزًا أمام داعش وتنظيم القاعدة، وقالت الصحيفة أن روسيا باعت الأسلحة لحكومة الأسد، ونشرت مقاتلين من مجموعة فاجنر، ووسعت قاعدتها البحرية فى طرطوس بسوريا، كما افتتحت قاعدة جوية بالقرب من دمشق.
ترقب أمريكى.. ومخاوف من عودة داعش
ووفقًا للصحيفة، لم تكن العلاقات الامريكية-السورية ودية، حيث قطعت الولايات المتحدة علاقاتها الدبلوماسية مع سوريا فى عام 1967 وأدرجت سوريا على قائمة "الدول الراعية للإرهاب" فى 1979، ويكمن الاهتمام الرئيسى للولايات المتحدة فى سوريا حاليًا فى القضاء على "داعش"، الذى لا يزال يحتفظ بوجوده فى أجزاء من شمال شرق، ووسط البلاد.
وفى عام 2019، خلال الولاية الأولى للرئيس المنتخب دونالد ترامب، سحبت الولايات المتحدة معظم قواتها من سوريا، لكن نحو 1000 جندى من القوات الخاصة ما زالوا متمركزين فى البلاد، حيث يعملون بشكل وثيق مع القوات الكردية السورية التى دربتها الولايات المتحدة.
وقال الرئيس جو بايدن المنتهية ولايته أن الجيش الأمريكى يشن غارات جوية فى سوريا لمنع "داعش" من إعادة تشكيل نفسه فى الفراغ الأمنى، الذى خلفه الإطاحة ببشار الأسد.
سوريا
وتوضح خريطة نشرتها صحيفة وول ستريت الأمريكية من يسيطر على أى منطقة فى سوريا بعد سقوط نظام الأسد، المناطق الملونة بأخضر فاتح تقع تحت سيطرة جبهة تحرير الشام، والمناطق بالأخضر المتوسط تحت سيطرة الميلشيات المدعومة من تركيا، والملونة بالأصفر تسيطر عليها الجماعات المدعومة من أمريكا، بينما تعبر مناطق اللون الأبيض المخطط عن تلك التى فقدها نظام الأسد.
وتشير خريطة انتشار القوى والجماعات المسلحة فى الداخل السورى حالة من القلق لدى مراقبين، بشكل تتزايد معه احتمالات اندلاع حربًا أهلية أكثر شراسة من سنوات الفوضى التى عاشها السوريين بالفعل.
وقالت الصحيفة الامريكية أن المناطق الملونة بالاسود لازالت ضمن المناطق المتنازع عليها بين الجيش الحر وقوات سوريا الديمقراطية، والتى بالأخضر الغامق مجموعات اخرى، وأخيرا المناطق الملونة بالأبيض أقصى اليسار تقع تحت سيطرة الاحتلال الإسرائيلي.
بعد سنوات من الاحتجاز خلف خطوط المواجهة المتجمدة، شن المتمردون تقدمًا خاطفًا، بلغ ذروته بإسقاط الرئيس والاستيلاء على العاصمة فى نهاية الأسبوع وبعد الاستيلاء على حلب، ثانى أكبر مدينة فى سوريا، فى نهاية نوفمبر واصلت الجماعات المسلحة هجومهم جنوبًا للسيطرة على مدينة حماة يوم الخميس الماضي.
واستمر التقدم بوتيرة سريعة، حيث سقطت حمص، ثالث أكبر مدينة فى سوريا، يوم السبت قبل وقت قصير من فقدان القوات الحكومية أيضًا السيطرة على العاصمة.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة