الحضارة المصرية القديمة لم تكشف عن كل أسرارها بعد، كل يوم هناك دراسات وأبحاث تكشف جوانب من تلك الحضارة العظيمة، ومن ذلك ما يتعلق بالدفن، فلم تقتصر دفناتهم على الإنسان فقط، بل كان للحيوان نصيب، ومن ذلك دفن االغزلان، فلماذا كان يتم ذلك؟
يقول كتاب "العبادة الحيوانية بين الدفن والرمزية فى مصر وبلاد الشام والعراق.. فى عصور ما قبل التاريخ" لـ زينب عبد التواب رياض:
دفنات الغزلان
استطاع المصري القديم أن يستأنس الغزال منذ فجر التاريخ، حتى أصبح بمرور الوقت من الحيوانات المنزلية المحبَّبة إلى نفسه، ولقد عُرف منه في مصر نوعان؛ أولهما يسمَّى Gazella Dorcas، والثاني يُعرف ﺑ Gazella Izabella وعُثر على بقاياه العظمية في مرمدة والمعادي والعمرة وهليوبوليس وبلاص وقد عُثر على الكثير من دفنات الغزلان في العديد من جبَّانات مصر ما قبل وبداية الأسرات، وقد جاءت تلك الدفنات بكيفياتٍ وأوضاعٍ مختلفة..
(1)دفنات فردية.
(2)دفنات مزدوجة لحيوانات مختلفة الفصائل "غزال ومعه حيوان آخر".
(3)دفنات حيوانية وآدمية معًا.
(4)دفنات حيوانية ملحقة بمقابر آدمية.
(5)دفنات جزئية.
الغرض من دفن الغزال
إنَّ دفنات الغزلان على اختلاف أنواعها، سواء كانت كاملة أو جزئية، إنما هي دليلٌ على قدسية هذا الحيوان، لا سيما وأنه كان يُعتنى بتكفينه بالحصير، وتزويده بالقرابين الجنائزية على غِرار الدفنات البشرية.
ولقد تبيَّن بالدِّراسة أنَّ المصري القديم كان يهتم بدفن الغزلان، وكان يقتلها متعمدًا، ولقد وضَح ذلك فيما عُثر عليه بجبَّانةِ ما قبل الأسرات بوادي دجلة، من دفناتٍ لغزلان كان قد وضَح بها وجودُ ما يشبه الحزَّ أو القطعَ بالرقبة، وأيًّا ما كانت طريقة القتل، سواء كانت بالذبح أو بغير ذلك، فإنَّ ما يهمنا هنا هو أنَّ الغزلان كانت من الحيوانات التي اهتم بها المصري القديم، واعتُبرت من حيوانات الأضحية كقرابين.
وربما كانت الغزلان بذلك ترمز لأعداء الآلهة وأعداء إله الشمس؛ إذ شبَّهت كتبُ العالم الآخر المذنبين والملعونين بالحيوانات التي تُستخدم كأضحية، وذلك في عملية ذبحهم.
ولا أدلَّ على ذلك من صلاية حيوانات الشمس المكتشَفة بأساس معبد حورس في هيراكونبوليس (الكوم الأحمر/نخن)، متحف الأشموليان/أكسفورد؛ إذ يظهر على واجهة الصلاية اثنان من الكائنات ذات الرقبة الثعبانية وهما يلتهمان غزالًا يمثِّل هنا عدوَّ الشمس، وفي نفس الوقت يحميان بؤرةَ الصلاية الممثِّلة للشمس.
أما عن الغرض من دفن قرون الغزلان، فلربما كانت قد ارتبطت بقدسية هامة، وقوةٍ ما دون تحديد إله معيَّن، وقد تكون تلك القرون بمثابةِ دفنة رمزية كتميمة يُرجى نفعها، لا سيما وأنه قد ظهرت إرهاصاتُ الاهتمامِ بمثل تلك الدفنات الرمزية منذ عصر حضارة البداري.