- البطالة بين العمالة السودانية تقترب من 75% لتعطل مؤسسات القطاعين الحكومى والخاص.. والمرتبات لم تُصرف منذ سنوات
- الهجمات تستهدف محو السودان ودمرت الإرث الثقافي بالخرطوم ودارفور
- مصر الدولة الوحيدة التى لم تنشئ مخيمات للنازحين من مناطق النزاعات.. والشعب المصرى تقاسم لقمة العيش معنا وأصبحنا جزء منه
- ميليشيات الدعم السريع جمدت النقابات العمالية.. و"القاهرة" احتضنت الاتحاد وخصصت مقرا لأنشطته..
- الأراضى السودانية "بكر" ومليئة بالثروات النفيسة والذهب.. ونخطط للاستعانة بالعمالة المصرية في قطاعي الزراعة والصناعة
فى قلب العلاقات التاريخية التى تربط بين مصر والسودان، يبرز صوت العمال كأحد الأعمدة التى تحفظ لهذه العلاقات خصوصيتها وإنسانيتها، فالعمال هم نبض المجتمعات، وحينما يلتقون، فإنهم لا يتشاركون فقط تجارب العمل، بل ينقلون حكايات الصمود، الأمل، والتحدى.
وقد أجرى "اليوم السابع" حوارا مع المهندس يوسف عبد الكريم، رئيس اتحاد عمال السودان، الأمين العام لاتحاد عمال حوض النيل، لمعرفة أوضاع العمالة السودانية في الوقت الحالي، عن قُرب، وفى ظل الأحداث التي تشهدها بلادهم، جراء هجمات ميليشيا الدعم السريع، المتواصلة على المدنيين، واستكشاف رؤيته حول مستقبل العمال فى السودان، ودورهم فى تخطى التحديات الاقتصادية والاجتماعية التى تواجههم.
نص الحوار:
- أهلا بك في مصر.. فى بداية حديثنا نود التعرف على وضع العمالة السودانية جراء الأحداث التي تشهدها بلادكم.
أوضاع العمال السودانيين ليست جيدة تماما، كثيرا من العمال في قطاعات مختلفة منذ سنوات لم يحصلوا على مرتباتهم، وبالتالى هم يعانون بشكل كبير جدا، لكننا متفائلون بإنتهاء الحرب قريبا وأن تعود الأمور إلى مجاريها.
- كيف أثرت الحرب على العمال؟
نسبة كبيرة جدا من العمال فقدوا أعمالهم، حيث أن كل المؤسسات توقفت عن العمل، حتى في العاصمة السودانية أكبر المناطق كثافة في عدد العمال والمؤسسات سواء بالقطاع الخاص أو الحكومى، الجميع متوقف عن العمل، لذا تقترب نسبة البطالة حاليا بين العمال السودانيين من 75%، وهناك بعض الولايات الآمنة مازالت بها عمالة لكنها بأعداد محدودة.
أن ارتفاع معدلات البطالة بهذا الشكل أحد أبرز نتائج الحرب السلبية، والتي أدت إلى تدهور المرتبات أيضا، حيث كان العمال يملكون وظائف ويعملون بشكل طبيعى.
حوار مع رئيس اتحاد عمال السودان
- مر اتحاد عمال السودان بفترات من الاضطراب بين تجميد نشاطه مرة واستئنافه مرة أخرى وصولا إلى تجميده.. ما وضع اتحادكم في الوقت الحالي؟ وما السبب خلف تجميده؟
نعم، هذا صحيح، فقد تم تجميد عمل اتحاد عمال السودان، وتم فك تجميده، ثم حل الاتحاد تماما، ففي 2019 بعد الثورة التي أيدها جميع السودانيين، المجلس الانتقالي جمد عمل جميع النقابات، ثم أرجعها بعد فترة، لكن سرعان ما تم حل جميع النقابات بناء على اتفاق بين المجلس الانتقالي وبعض القوى المدنية غير المحسوبين عليها.
لم نستسلم لهذا الوضع، فلجأت النقابات للمحكمة العليا في 2021، وقد أصدرت بدورها حكما بإعادة عمل النقابات كما كانت جميعها، ونفس السلطة قامت بفصل غالبية العاملين بالسودان، وأنا أحد العمال الذين تم فصلهم، والمحكمة أصدرت حكمها بإعادة كافة العاملين وألزمت الحكومة بصرف مستحقات العمال بالكامل حتى خلال فترة الفصل، وبعد إصدار المحكمة العليا قرارا لصالحنا بإعادة النقابات، ورغم أن حكمها نهائي غير قابل للاستئناف، تدخلت قوات الدعم السريع المعارضة للحكومة والجيش، وأصدرت قرار مجلس سيادة بتجميد النقابات، وحتى اللحظة مازالت النقابات مجمدة.
حوار مع رئيس اتحاد عمال السودان
لكننا مازلنا متعاونين مع الحكومة السودانية، والجيش السودانى، لأن ما تشهده السودان جراء هجمات قوات الدعم يستهدف تدمير الكثير من الأراضى السودانية، فالإرث الثقافي كله تدمر، المؤسسات جميعها تدمرت بكل العواصم الرئيسية بالسودان مثل الخرطوم، ودارفور، فالاستهداف وجودى يعنى يستهدفون إلغاء دولة اسمها السودان، لذا نحن نتعاون مع الحكومة الآن، ونأمل قريبا رفع التجميد عن النقابات العمالية، وكذلك أن ينتصر الجيش السودانى، ونحن متأكدين أنه في حال نهاية الحرب مهما كانت الخسائر وحجم التدمير، سوف يكون الإعمار بسرعة فائقة وكبيرة.
ونحن سعيدون كذلك، بأنه في أوائل الشهر الماضى تم انعقاد الملتقى الاقتصادى السودانى المصري، بمشاركة رجال كبار من الحكومة المصرية، تحت رعاية الرئيس عبد الفتاح السيسي، وذلك دلالة ومؤشر واضح أن الحرب في نهايتها، كما أننا سعيدون بدخول مصر في عمليات إعمار السودان بكل ما تملك من كوادر، وأن مصر لن تترك السودان لأى جهة أخرى.
- كيف ترى دور مصر في دعم السودان؟ واستقبال النازحين ووضعهم داخل القاهرة؟
في كل العهود السابقة نتحدث عن العلاقة الأزلية بين الشعبين المصري والسودانى، وهو بالفعل ما شهدناه يتجسد في ظل الأزمة الأخيرة على أرض الواقع، فملايين السودانيين دخلوا مصر، لا يوجد مخيمات للاجئين السودانيين، ففي كل دول العالم نشهد مخيمات للنازحين من سوريا، فلسطين، السودان، لكن السودانيين دخلوا مصر ولا وجود للمخيمات، فتقاسم الشعب المصري لقمة العيش والمياه والكهرباء مع الشعب السودانى، حتى أصبحنا جزء من الشعب المصري وليس لاجئين في المخيمات، وهو أمر له تقدير كبير جدا لدى السودانيين، فأنا أعيش في منطقة بالقاهرة أشاهد الأطفال السودانيين يمرحون مع الأطفال المصريين في الشارع، وهو ما يدلل على حالة القبول العام من الشعب المصري لنظيره السودانى، ونحن سعيدون جدا بهذا الإندماج وهو ما يبشر بمستقبل كبير جدا ومشرق للدولتين معا.
حوار مع رئيس اتحاد عمال السودان
- كيف تم تخصيص مقر لاتحاد عمال السودان داخل مبنى اتحاد العمال مصر؟
اتحاد عمال مصر يستضيف اتحاد عمال السودان حاليا بمقره، فمنذ أن أتيت إلى مصر العام الماضى إلتقيت رئيس اتحاد العمال حينها "محمد جبران" والذى يشغل حاليا منصب وزير العمل المصرى، طرحت عليه إمكانية تخصيص مقرا للاتحاد السودانى وقد رحب بالأمر كثيرا وخصص لنا مكتب بالفعل وبدأنا نشاطنا.
وفى الوقت الحالي، بعد تولى عبد المنعم الجمل رئاسة اتحاد العمال المصري، جددت معه الأمر بتوقيع اتفاق لوضع خطة موحدة تتضمن مجموعة من الدورات التدريبية والأنشطة المشتركة بين النقابات العامة المصرية والسودانية "15 نقابة"، وجارى العمل على تنفيذ مضمونها، وبناءا على تخصيص المقر يتم عمل اجتماع أسبوعى لمجلس اتحاد عمال السودان، حيث يتواجد كل القيادات النقابية السودانية في مصر، لمتابعة الخطط والإجراءات التي تم الاتفاق عليها مع الاتحاد المصري، وجارى العمل حاليا لتنفيذ دورة تدريبية للمرأة السودانية بالتنسيق مع لجنة المرأة بالاتحاد المصرى.
ونسعى للتعاون مع منظمة العمل العربية أيضا، لبحث إمكانية مساعدة العمال السودانيين من النواحى القانونية والتدريب.
- هل هناك حصر تقريبى لعدد العمالة السودانية في مصر؟
بعض العمال عادوا إلى الأراضى السودانية بعد الأحداث الأخيرة، لكن مازال هناك ملايين من العمالة السودانية في مصر.
- تحدثت بعض التقارير عن معاناة ملايين الأشخاص في السودان من نقص حاد فى الغذاء وصل لمستويات "المجاعة".. ما حقيقة ذلك؟
العمال منذ سنوات لا يوجد لديهم أي دخل لتوفير احتياجاتهم، لكن الحديث عن وجود مجاعة في السودان هو أمر صعب جدا، فلدينا ثقافة التكافل متأصلة في الشعب السودانى، فلا يمكن أن ينام أحد وجاره يعانى من الجوع، فدائما نقتسم لقمة العيش مع أي محتاج، كما أن هناك مازالت عمليات الزراعة مستمرة في مشروع "الجزيرة" رغم استهداف المشروع من المليشيا والدعم السريع لكنهم مازالوا صامدين، لكن لا يمكن أن تحدث مجاعة في السودان.
- ما خططكم للاستعداد للفترة المقبلة فى السودان في ظل توقعاتكم بإنتهاء الحرب قريبا؟
أهم خططنا هي تنفيذ إعادة الإعمار في كل أنحاء الجمهورية السودانية، كل المؤسسات التي انهارت وتدمرت لابد من إعادة إعمارها، سواء فى قطاع المصانع أو الزراعة أو الخدمى، خططنا أن نكون جاهزين أن نحشد كل العمال في كل القطاعات لإنجاز الإعمار بسرعة كبيرة جدا بالتعاون مع أشقائنا فى اتحاد عمال مصر، وكافة الجهات المختصة.
- ما أهم القطاعات التي يمكن أن يتم الاستعانة بالعمالة المصرية بها؟
في قطاعي الصناعة والزراعة، ففي السودان هناك مساحات من الأراضى البكر الشاسعة، وبها مناطق يُمكن أن تصبح سلة غذاء ليس للوطن العربى فقط، بل للعالم أجمع، ومن بينها ما يقع في المنطقة الحدودية بين السودان وأثيوبيا، لذا نحن حريصين جدا على أن القطاع الزراعى تدخل به العمالة المصرية بقوة وكثافة، وقد كان لنا تجربة سابقة مع النقابة العامة للعاملين بالزراعة والرى في مصر، وقد نفذوا أعمالا متقدمة كثيرا، ونأمل أن نُجدد تلك التجربة مُجددا والتوسع في التعاون مع النقابات المصرية، ورجال الأعمال المصريين نأمل أن يدخلوا بأعمالهم في الأراضى السودانية المسماة بـ"أرض الذهب"، حيث أن الأراضى السودانية غنية بالمعادن الثمينة والذهب واليورانيوم، وقد كان لنا تجارب سابقة مع رجال أعمال ومستثمرين من دول متعددة إلا أن اهتمامنا الأول يظل هو التعاون مع المستثمرين المصريين.
- ماهى الرسالة التي تود إرسالها للعمال السودانيين في هذه الفترة الصعبة؟
شهدت العمالة السودانية معاناة غير متوقعة، وغير مسبوقة جراء الحرب، والتي أدت إلى وجود أغلب العمال خارج السودان، ويواجهون تحديات في تعليم أبنائهم وتوفير الخدمات الصحية لهم، وإيجاد مصدر للدخل، لذا أقول لهم جميعا: إننا نستبشر خير بوجود مستقبل زاهر لنا ولأبنائنا داخل الأراضى السودانية.. إن شاء الله.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة