لا تزال جراح لبنان تنزف، بكل قطاع، لا سيما القطاع الصحى، والمستشفيات كانت الأكثر تضررا من الغارات الجوية الإسرائيلية ..هذا القطاع الذى يعانى مشكلات مزمنة في لبنان، وجاءت الحرب لتضاعف من معاناته ، لكنه بالرغم من ذلك يحاول إعادة تأهيل منشآته مرة أخرى والنهوض بعد الحرب الغاشمة.
وللوقوف على مزيد من التفاصيل حول الوضع الحالى للمستشفيات فى لبنان وأيضا خطة إعادة الإعمار وتأهيل ما تم تدميره، تواصلنا مع الدكتور سليمان هارون رئيس نقابة المستشفيات في لبنان وإلى نص الحوار..
اليوم وقد انتهت الحرب بعد هجمات طالت معظم المنشآت الصحية ..كيف تصف الوضع الصحى فيلبنان حاليا ؟
لقد بدأ القطاع الصحي يستعيد عافيته، المستشفيات التي كانت تتواجد في مناطق الحرب وتعرضت لاعتداءات وإصابات مادية أو بشرية تلملم اليوم جراحها وتعود تدريجيا إلى العمل واستقبال المرضى.
وأود أن أوجه التحية والشكر لكافة العاملين في القطاع الصحي على الجهود التي بذلوها للاستمرار في تقديم العناية الصحية وعلى صمودهم الجبار في وجه كافة انواع التحديات وهذا ليس بجديد على القطاع الصحي، فقد مر على لبنان أحداث كثيرة وحروب انهكت القطاع والعاملين فيه الا انهم في كل مرة يواجهون هذه الصعوبات ويقدمون التضحيات ليبقوا مستمرين ويبقى لبنان مستشفى الشرق كما عهدناه دائما.
واتمنى الشفاء العاجل لكل الجرحى واطلب الرحمة للشهداء والعزاء لذويهم ومحبيهم.
دمار تركته الحرب
قام وزير الصحة مؤخرا بجولة على مستشفيات صور والجنوب ، ما تقديركم لحجم الخسائر المادية والبشرية ، وهل لا يزال القطاع الصحى جنوبا يعمل وبقى باحتياجات المواطنين؟
بالنسبة للإعتداءات على القطاع الصحي أظهرت الحصيلة الإجمالية بحسب احصائيات وزارة الصحة العامة 222 شهيدًا و330 جريحًا.
وبالطبع الخسائر البشرية، لا تعوض ولا تقدر بثمن، واطلب من الله ان يصبر قلوب من فقدوا اعزاء لهم ولروح الشهداء الرحمة والسلام.
أما الخسائر المادية، فهي تتراوح قيمتها بناء على حجم وطبيعة الأضرار التي اصابت كل مؤسسة، ويتم حاليا جمع المعلومات من كل المستشفيات المتضررة لمعرفة حجم هذه الخسائر بدقة، وحصرها .
..وهل يمكن العمل على إعمار القطاع رغم أن القصف لا يزال مستمرًا بالجنوب؟
ما يميز لبنان على مدى السنين والأزمات التي مرت عليه أنه مثل طائر الفينيق، بعد كل أزمة ينفض عنه غبار الحرب ويحلق من جديد، والآن في مرحلة الهدنة تعود المستشفيات تدريجيا الى معاودة خدماتها، ونطلب من الله ان تنتهي هذه المرحلة ويعود الامن والاستقرار لكافة المناطق اللبنانية وخاصة في الجنوب.
ما مدى جاهزية المخزون الطبى حالياً ولكام يوم يكفى حال استؤنفت الحرب أو تعرض لبنان لأى أزمة ـ لا قدر الله ؟
تعتمد المؤسسات الاستشفائية على سياسة تخزين المواد الطبية والادوية لعدة شهور استباقا" لاي طارئ ممكن ان يستجد خاصة وأن الأزمات التي يمر فيها البلد متتالية ومنوعة، نتمنى ان لا نعود الى الحرب، وفي حال حصل لا سمح الله فإن الوضع سيكون اصعب اذ ان القطاع قد استنزف خلال فترة الحرب الاخيرة وبحاجة الى بعض الوقت ليستعيد كامل عافيته.
ما قوام قطاع المستشفيات بلبنان، وهل شهد سيناريو غزة نفسه ؟
نعم، لقد كانت تداعيات الحرب على لبنان مروعة سواء إن على الارواح او على المنشآت، وقد لحق القطاع الصحي اضرارا بالغة ، ولكن توقيت الهدنة جاء ليعطي نفس من جديد فلو استمرت الحرب لكانت النتائج كارثية.
لدينا 129 مستشفى خاص إقامة قصيرة ومتوسطة وتضم حوالى 10738 سرير و 22 مستشفى خاص إقامة طويلة تضم حوالى 3460 سرير. وفق إحصائيات نقابة المستشفيات الخاصة هناك.
قطاع المستشفيات عانى مشكلات عديدة وأوضاعا سيئة قبل الحرب، ما أبرزها وكيف عمقت الحرب تلك الأزمات؟
من أبرز تحديات قطاع الاستشفاء هو زيادة في التكلفة من ناحية الموارد البشرية و الموارد المادية، فمثلا كلفة الفيول والديزل وقيمة فاتورة الكهرباء والمولدات قد زادت بشكل كبير، كذلك النقل والمواصلات وأسعار الأدوية والمستلزمات الطبية خاصة بعد أن تم رفع الدعم عنها، بالإضافة إلى زيادة اسعار الخدمات التي تقدم للمستشفيات مثل اعمال صيانة الاجهزة والمعدات الطبية، والتنظيفات والامن وغيرها.
كما زادت سياسة الموردين الجديدة في الدفع النقدي لمنتجاتهم وخدماتهم من الحاجة إلى الكاش مما زاد الضغط على المؤسسات الصحية بسبب الأزمة الاقتصادية والتضخم ارتفعت الأسعار خاصة أن معظم المواد هي مستوردة، وقد أدى انخفاض قيمة الليرة اللبنانية إلى تفاقم الوضع.
وأيضا نقص السيولة بسبب الأزمة المصرفية، تم إيقاف التمويل من البنوك، إن لناحية استعمال الودائع الخاصة بالمستشفيات في البنوك والمجمدة منذ العام 2019 أو الحصول على القروض الميسرة. اما من جانب الشركات الضامنة سواء العامة أو شركات التأمين الخاصة، التعرفة منخفضة الى ما دون الكلفة احيانا وهناك تأخير طويل في التسديد، كما ان المواطن بات غير قادر على تحمل كلفة طبابته من جيبه الخاص بسبب انخفاض قيمة العملة ونقص النقد ايضا.
ناهيك عن هجرة الأدمغة، بسبب الازمات الاقتصادية وجائحة الكورونا وتدني قيمة الليرة مما ادى الى نقص في القوى العاملة في المستشفيات.
وجاءت الحرب، لتساهم في تفاقم الوضع أكثر فأكثر، من خسائر فادحة ، بشرية واقتصادية مما اجبر المستشفيات في منطقة الحرب على الإغلاق بينما استمرت مستشفيات أخرى في العمل جزئيا أو لحالات الطوارئ فقط. كما أدت الحرب التي أدت إلى نزوح أكثر من مليون شخص إلى تعقيد الوضع من خلال الضغط على المستشفيات في المنطقة الآمنة التي كانت تعاني من كل ما سبق وذكرناه من صعوبات وتحديات.
ما خطتكم لإعادة تأهيل البنية الصحية في لبنان؟ وكم بالتقريب المبلغ المطلوب ؟
تعمل الدولة اللبنانية ووزارة الصحة على تقييم الوضع الحالي ووضع خطة لإعادة تأهيل البنية الصحية في لبنان، ويقوم وزير الصحة العامة الدكتور فراس الابيض بجهود كبيرة في هذا السياق يشكر عليها.
ما حجم الدعم الذى تلقتوها من كل من المنظمات الدولية ـ الدول الصديقة للبنان ـ المنظمات المحلية؟
وزارة الصحة العامة اهتمت بموضوع استلام وتوزيع المساعدات، وبناء على تقرير وزير الصحة بتاريخ 4 ديسمبر الجارى هناك 514عملية توزيع للمستشفيات شملت 29 مستشفى حكوم ًيا و89 مستشفى خاصا.
كم عدد سيارات الإسعاف والمستشفيات والمراكز الصحية التى تم استهدافها بشكل مباشر وعدد المستشفيات والمراكز التى توقفت بشكل كلى عن العمل وتلك التى تضررت بشكل جزئى؟
بلغ عدد الاعتداءات على المستشفيات 67 وعدد المستشفيات المستهدفة 40 ولا تزال 7مستشفيات مغلقة قسًرا تشمل كلا من (مستشفيات بنت جبيل الحكومي، الشهيد صلاح غندور، مرجعيون الحكومي، ميس الجبل الحكومي، المرتضى، بهمن، البرج) وعدد المستشفيات التي تعمل بشكل جزئي: 3 (مستشفيات قانا الحكومي، صور الحكومي، خروبي) وسيارات الإسعاف المتضررة 25 سيارة.
كيف يتم تعويض النقص سواء فى عدد المستشفيات أو عدد عناصر الكوادر الطبية منذ بداية الأزمة، وما خطة الطوارئ التي وُضعت؟
تضع المستشفيات بشكل دوري خططا للطوارئ وللاستجابة للازمات والكوارث تتضمن الاوبئة والحروب والكوارث الطبيعية وغيرها وذلك من ضمن خطة عملها الاستراتيجية. وكذلك تقوم بتنفيذ بعض التدريبات الحية لمحاكاة الحالة التي تنوي تدريب موظفيها عليها. كذلك تم التعاون مع غرفة الطوارئ في وزارة الصحة العامة التي قدمت تدريبات للمستشفيات لمواجهة حالات الطوارئ وخاصة الجهوزية للحرب التي كانت من المتوقع ان تحدث.
ما أبرز القوانين والمواثيق الدولية التى تكفل الحماية للمستشفيات و العاملين فى القطاع الصحى والتى انتهكتها إسرائيل؟ وهل تواصلتوا مع هيئات أممية بخصوص استهدافات المنشآت الطبية وما الرد؟
تمت مناشدة المجتمع الدولي أكثر مرة لاتخاذ التدابير اللازمة لوقف هذا العدوان وفرض وتنفيذ قرار إبعاد القطاع الصحي والمستشفيات بكل طواقمها العاملة مع المرضى عن هذه الإعتداءات، تطبيقاً للقانون الدولي الذي ينص "على تأمين الحماية العامة وخصوصاً للمواقع المدنية وفقاً لاتفاقية جنيف الرابعة والبروتوكولين الإضافيين الأول والثاني لاتفاقيتي جنيف لعام 1977 ولاهاي لعام 1954.
كذلك ان "المستشفيات تحظى بحماية خاصة في اتفاقية جنيف الرابعة؛ إذ لا يجوز بأي حال الهجوم على المستشفيات المدنية التي تقدم الرعاية للجرحى والمرضى والعجائز والنساء،" حيث يوجب القانون احترام هذه المستشفيات وحمايتها، وعدم التع ّرض لها بالتهديد والوعيد. الى جانب اعتماد الجمعية العامة للأمم المتحدة قانون ينص على" أن منطقة المستشفى أو أي ملجأ مماثل لا ينبغي أن تكون هدفا للعملية العسكرية. وبناء على ذلك، لا يسمح أبدا بالهجمات العشوائية أو المستهدفة على المستشفيات والوحدات الطبية والعاملين الطبيين الذين يعملون بصفة إنسانية".
ما أكثر المواقف الإنسانية التى عاصرتها أثناء فترة الحرب ولن تُمحى من ذاكرتك؟
رؤية أبرياء فقدوا كل ما يملكون، منازلهم وأرزاقهم وحتى أفراد من عائلاتهم وما زالوا يتحلون بالصبر والإيمان والتعلق بأرضهم حتى الموت، وإخلاصهم لعملهم ولرسالتهم الانسانية مهما كانت الظروف، فلن أنسى قوة إيمان المصابين وضحايا الحرب فى مواجهة تلك الاعتداءات الغاشمة .
ما المخاوف التى تراودكم وهل اتفاق الهدنة يعطى لكم طمأنينة ؟
لا يزال يراودنا شبح الخوف من عودة الحرب وتكبد اللبنانيين مزيدا من الارواح والارزاق، المستشفيات كانت على الرمق الاخير ولولا اتفاق الهدنة لكان الوضع أكثر مأساوية. ندعو الله ان تكون نهاية الحرب وان لا تتكرر لا بعد الهدنة ولا في المستقبل.
ما الرسالة التى تود توجيهها للعدو الإسرائيلى وأخرى إلى المجتمع الدولى ؟
عودوا إلى إنسانيتكم، نناشد العالم العودة إلى الإنسانية، والقيم التي تعطي المعنى الحقيقي للوجود، والمحبة التي دعا إليها كل الأنبياء والرسل، لقد كثر الشر في العالم، كثر الطمع وقل الايمان.
كل شيء ممكن أن يتم تعوضه الا إنسانية الانسان، فإذا هو فقدها ، فقد كل شيء؛ لذلك اختم مع كلمات لجبران خليل جبران: " أما أنت أذا أحببت فلا تقل إن الله في قلبي بل قل بالأحرى "انا في قلب الله" .
رئيس نقابة المستشفيات
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة