لم يكد يمر أسبوع على الزلزال السياسى الذى هز سوريا بالسقوط المدوى والمفاجئ للنظام الحاكم، إلا وسارعت قوى لتحقيق مصالحها فى البلد الذى لم يجتاز بعد ما حدث. وتقول صحيفة واشنطن بوست إن هناك مخاوف من اندلاع صراع جديد فى سوريا، فى ظل تنافس القوى الأجنبية على السيطرة على البلاد.
وأشارت إلى أن الأيام التى أعقبت انهيار نظام بشار الأسد شهدت قيام كل من الولايات المتحدة وإسرائيل وتركيا بقصف أهداف متعددة فى البلاد، حيث أطلق فراغ السيطرة العنان لمعركة للسيطرة على قلب الشرق الأوسط.
وذهبت الصحيفة إلى القول بأن انهيار نظام الأسد قد أطلق سباقا للسيطرة على قلب الشرق الأوسط، فى منافسة يمكن أن ترجأ إلى أجل غير مسمى السلام والاستقرار الذى يطمح إليه السوريون، وربما تنتشر هذه المنافسة فى المنطقة التى تعصف بها الحرب بالفعل.
وفى أول أسبوع بدون الأسد، قامت ثلاث قوى أجنبية بقصف أهداف فى البلاد لتحقيق أهداف إستراتيجية لها. فوجهت الولايات المتحدة ضربات ضد بقايا داعش فى الشرق، وتركيا ضد القوات الكردية فى شمال شرق البلاد، وإسرائيل ضد أصول الجيش السورى فى مواقع عديدة.
بينا سارعت كلا من روسيا وإيران، أكبر داعمى الأسد وأكبر خاسرين من تغير السلطة فى دمشق، لسحب أو إعادة تمركز قواتهم فى البلاد. وقامت إيران بإجلاء 4 آلاف من أفرادها من سوريا منذ سقوط الأسد، بحسب ما قال متحدث باسم الحكومة الإيرانية.
كما قامت روسيا بسحب قواتها من قواعدها حول سوريا، وقامت بنقلهم إلى قاعدة حميميم الجوية على ساحل البحر المتوسط فى سوريا، وفإن لم يتضح ما غذا كان إعادة التمركز يمثل انسحابا كاملا.
وذهبت الصحيفة إلى القول بأن هذا النشاط هو مقياس للأهمية الاستراتيجية الحيوية لسوريا باعتبارها ملتقى للأدديان والإيديولوجيات والتضاريس التى تحد خمس دول أخرى فى الشرق الأوسط. كما أنه يسلط الضوء على إمكانية حدوث اضطرابات مع تحول التحالفات السياسية والعسكرية وتولى الجماعات المسلحة بقيادة هيئة تحرير الشام السيطرة على دمشق.
وقالت واشنطن بوست إن أسرة الأسد التى حكمت على مدار أكثر من 50 عاما، كانت علمانية مستبدة تحالفت مع الاتحاد السوفيتى ثم روسيا من بعده، ومع إيران. لكن استيلاء الفصائل المسلحة التى استلهم بعضهم أفكاره من تنظيم القاعدة، قد غير بشكل جذرى توازن القوى.
فقد انقطع محور النفوذ الذى ربط بين طهران وبيروت عبر العراق وسوريا، والآن يمتد ممر القوى من الشمال الجنوب من تركيا عبر سوريا إلى الأردن. ونقلت الصحيفة عن فراس مقصد، الزميل البارز فى معهد الشرق الأوسط الأمريكى إم ما حدث هو تغيير هائل، وأيا كانت الطريقة التى ننظر بها إلى الامر، فإن هذا زلزال جيوسياسى من أشد الزلازل فى قلب الشرق الأوسط.
وينذر تاريخ المنطقة من الثورات والانقلابات باحتمال عدم الاستقرار عندما يتم الإطاحة بحكم رجل قوى، مثلما حدث فى العراق عندما تمت الغطاحة بنظام صدام حسين عام 2003، وما تبعه من صراع شيعى سنى.
وحذرت الصحيفة أن الحرب الأهلية السورية ربما تستمر لو أن المنتصرين سعوا للانتقام، أن ساد الانقسام بين الفصائل المسلحة مع محاولة القوى الأجنبية بسط نفوذها.
ونقلت الصحيفة عن الصحفى السورى إبراهيم حميدى، قوله إن هذا الأمر مبعث قلق كبير، فالجميع سعداء بسقوط الأسد وهروبه. وكانت معجزة، لكن ماذا سيحدث بعد ذلك، هناك الكثير من التحديات وأسئلة صعبة قادمة.
وستكون الكيفية التى ستقرر بها إيران الرد على الضربة التى تلقتها لطموحاتها الإقليمية ستكون حاسمة فى تحديد مصير كل من روسيا، والشرق الأوسط الجديد. فربما تقرر طهران بدء مفاوضات جديدة مع الغرب بشان برنامجها النووى، أو ربما تسعى لإعادة بناء شبكتها من الجماعات المسلحة، وفقا للصحيفة.
وتوضح واشنطن بوست أن خطر العنف الأكبر يكمن فى المنطقة الخاضعة لسيطرة الأكراد ومحيطها فى شمال شرق وشرق سوريا، حيث ينتشر 900 ألف جندى سورى إلى جانب قوة يقودها الأكراد بهدف مواجهة داعش. ويؤدي صعود المسلحين المدعومين من تركيا إلى تمهيد الطريق لجولة جديدة من الصراع بين العرب والأكراد، وهو ما قد يجر أنقرة إلى عمق أكبر في سوريا ويوقع القوات الأمريكية في الفخ.