التونسية جليلة الطريطر الحائزة على جائزة زايد للفنون والدراسات النقدية: كتاب مرائي النساء يؤرخ لذاكرة كاتبات عربيات منذ القرن الـ 19 وأنجزته فى 15عامًا.. عائشة التيمورية سبقت قاسم أمين بالمطالبة بتحرير المرأة

الأربعاء، 18 ديسمبر 2024 01:05 م
التونسية جليلة الطريطر الحائزة على جائزة زايد للفنون والدراسات النقدية: كتاب مرائي النساء يؤرخ لذاكرة كاتبات عربيات منذ القرن الـ 19 وأنجزته فى 15عامًا.. عائشة التيمورية سبقت قاسم أمين بالمطالبة بتحرير المرأة الدكتورة جليلة الطريطر
حاورها أحمد منصور

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

الدكتورة جليلة الطريطر هي باحثة وأكاديمية تونسية، متخصصة في مجال كتابات الذات النسائية، أكدت في أعمالها أن الوقت قد حان للتصدي لقضايا هذا النوع من الكتابة، معتبرة إياها جزءًا أساسيًا في تطوير الثقافة العربية وإحيائها. تشغل الطريطر منصب أستاذة الأدب الحديث في قسم اللغة والآداب والحضارة العربية بكلية العلوم الإنسانية والاجتماعية بجامعة تونس، وحازت على جائزة الشيخ زايد في الفنون والدراسات النقدية لعام 2023 عن كتابها "مرائي النساء.. دراسات في كتابات الذات النسائية العربية". في هذا الحوار، تتناول الطريطر عملها النقدي والحركة الأدبية والترجمة بشكل عام.. إلى نص الحوار

ــ ماذا يتناول كتابك "مرائي النساء"؟

كتاب "مرائي النساء: دراسات في كتابات الذات النسائية العربية" يتناول تاريخ الكتابة النسائية العربية من القرن التاسع عشر حتى العصر الحالي. هو دراسة تأليفية تهدف إلى قراءة أهم النصوص التي شكلت نقطة تحول فكرية في الثقافة العربية. يعكف الكتاب على دراسة السير الذاتية والمذكرات واليوميات الخاصة بالكاتبات العربيات، والتي تعتبر من أكثر الأشكال الأدبية صدقًا في توثيق تجاربهن وحياتهن. وقد حاولت أن أغطي طيفًا واسعًا من النصوص من مناطق مختلفة مثل مصر وبلاد الشام وتونس، إذ ركزت على النصوص التي تحوي ذاكرة شخصية للكاتبات بدلًا من النصوص العامة أو المقالات الفكرية.

ــ ما وصفك لتك النوعية من الكتب؟

هى ليست أدب بمعنى الأدب أى أنها ليست خيالية وإينما هى مرجعيات واقعية ونجدها لدى فئات كبيرة ومتنوعة من الاجتماعيين والسياسين والصحفيين والأدباء، وهذه الكتابات اليوم تمثل الذاكرة الشخصية العربية، بما فيهم النساء ولكن مع الأسف فنجد فى تاريخ الأفكار، لم يتم استخدام وتوظيف هذه الكتابات، إذ أن التوثيق داخل الثقافة العربية لم يعتمد الذاكرة الشخصية.

ــ هذا يجعلنى أن أطرح سؤالا .. ما هى سلبيات عدم توظيف هذا المخزون العربى الضخم؟

عدم توظيف هذا المخزون العربى اليوم حرمنا من الكثير من التفاصيل والقضايا التى لم تطرح، وبما أننى اشتغلت على النواحى النظرية، فحاولت فى البداية أن افهم تاريخ الأفكار العربية خلال عصر النهضة وخاصة الأفكار المتعلقة بتحرير المرأة.

ــ لماذا ركزتِ في دراستك على كتابات الذاكرة الشخصية؟

الكتابات التي تتضمن الذاكرة الشخصية مثل السير الذاتية والمذكرات واليوميات تعد وثائق حية تعكس تجارب الكاتبات من منظورهن الخاص. وهذه الكتابات لم تحظَ بما تستحقه من اهتمام في الثقافة العربية، رغم أنها تشكل جزءًا مهمًا من الذاكرة الجماعية. لقد كانت الكتابات الفكرية في المجمل تركّز على القضايا العامة من دون الغوص في التفاصيل الشخصية، مما جعلني أركّز على هذه الوثائق الخاصة لأنها تعطينا لمحات غير تقليدية عن حياة الكاتبات وظروفهن.

ــ هل اعتمدتِ في كتابك على المرجعيات الفكرية المعروفة مثل قاسم أمين؟

ج: لا، لم أعتمد على المرجعيات الفكرية التقليدية مثل قاسم أمين، لأنني أردت تسليط الضوء على الكتابات النسائية التي كانت مهمشة في النقاش الفكري حول تحرير المرأة. صحيح أن قاسم أمين وغيره من المفكرين ساهموا في هذه القضية، لكن السؤال الذي طرحته في الكتاب هو: أين كانت النساء في تلك الفترة؟ وما هو دورهن في هذا الجدل؟ كانت هناك العديد من الكاتبات اللواتي طرحن أفكارًا جديدة حول تحرير المرأة، ومن خلال الكتاب حاولت إعادة إحياء أصواتهن التي غُيبت في التاريخ الفكري العربي.

ــ كم من الوقت استغرق إعداد كتاب "مرائي النساء"؟

استغرق العمل على الكتاب حوالي خمسة عشر عامًا. بدأت بتجميع النصوص النسائية وتحقيقها، وهو عمل يتطلب جهدًا كبيرًا ووقتًا طويلاً نظرًا للطبيعة التفصيلية والمنهجية التي اعتمدتها في البحث. كان عليّ أن أقرأ النصوص دراسةً دقيقة وأتتبع تاريخ الأفكار التي طرحتها الكاتبات، وهو ما تطلب مني مراجعة عدد كبير من الكتب والوثائق التي كانت في الغالب غير متوفرة بسهولة.

ــ ماذا اكتشفتِ من خلال هذا البحث الطويل؟

اكتشفت أن الثقافة العربية شهدت في فترات معينة ما يمكن تسميته "المدرسة النسائية"، وهي لا تتعلق فقط بمجموعة من النساء المفردات، بل بنهج فكري مشترك بينهن. في مصر، على سبيل المثال، أسست الكاتبة عائشة التيمورية هذه المدرسة عبر أعمالها التي سبقت قاسم أمين بعامين من خلال كتابها "مرآة التأمل فى الأقوال والأحوال". كانت عائشة التيمورية تطرح من خلال كتاباتها تصورات جديدة لتحرير المرأة، وكان لها دور كبير في نشر الفكر النسوي قبل أن يطغى على المشهد الفكري العربي التركيز على الأسماء الأخرى، ليأتى بعد ذلك كاتبات آخريات أسسن وجودهن الفكرى على أسس عائشة التيمورية ولهذا ذكرت أنها مدرسة، وبدأت الأجيال كل جيل من النساء الكاتبات يتموقع بالقياس للجيل السابق مع وجود ثوابت فى تحرير المرأة واستراتيجيات للخروج إلى المواطنة والمرأة الحاضرة فى الثقافة،  وتصورات أخرى والتى لم تكن دائمة ولكنها الشائعة آنذاك مع التيار الأصولى الذى كان يعترض مرجعيات التيار الحداثى التنويرى.

ــ هل كان هناك تنوع في الفكر النقدي في تلك الحقبات الزمنية؟

بالطبع، كان هناك تنوع كبير في الفكر النقدي، وكان هذا الفكر متقدمًا للغاية، حتى أنه أثبت تفوقه على الفكر التنويري في بعض جوانبه. وهذا ما تناولته في كتابي "تحرير المرأة العربية: من بلاغة الخطاب إلى تحليل الأنساق الثقافية" الذي شاركت في تأليفه مع محمد مشبال، والذي نشرته عقب كتاب "مرائي النساء". من أبرز الأمثلة على هذا التنوع كان دور مي زيادة كمدرسة في النقد النسوي، وهو ما اكتشفته أيضًا. ويجب أن نذكر أن هذا الدور لا يتناغم مع الصورة التقليدية التي رسمها البعض عنها في الصالونات الثقافية التي كانت تعقدها، حيث كانت تلك الصالونات لا تعبر عن شخصيتها الحقيقية. بالعكس، كانت تلك الصالونات تمثل الوجه المأسوي في حياتها، لنجد أن الوجه الحقيقي لمي زيادة ظهر بوضوح في سيرتين ليست لها، حيث لم تكتب سيرتها الذاتية بشكل مباشر، لكنها سردت سيرة عائشة التيمورية وملك حفني ناصف، وكانت تجمعها مع الأخيرة مراسلات حية وكثيفة. من خلال هذه الكتابات، كشفت مي زيادة عن شخصيتها الحقيقية والعلاقة التي كانت تربطها مع أدباء عصرها، وأسست بذلك مدرسة نقدية جديدة. للأسف، لم يتحدث عن هذا الدور النقدي العميق الذي قامت به، رغم أنها كانت تمثل صورة المرأة الجميلة المثقفة، التي كانت تؤثر في محيطها الأدبي والثقافي بشكل كبير.

هل قدم كتابك "مرائي النساء" مفاتيح وطرقًا جديدة للباحثين والدارسين في هذا المجال؟

نعم، بالضبط. في كتابي، حاولت أن أقدم للباحثين والطلاب الأدوات اللازمة لفهم الكتابات النسائية ودورها في تشكيل الفكر العربي الحديث. بناءً على ما اكتشفته خلال سنوات من الدراسة، وضعت مسارًا أكاديميًا يمكن للطلاب والباحثين اتباعه في بحوثهم، خاصة من خلال العودة إلى النصوص النسائية التي تم جمعها وتحليلها. عملت على تقديم إضافة جديدة في المنهج النقدي من خلال تأصيل هذه الكتابات في السياق العربي، بما يتجاوز النماذج الغربية المهيمنة.

ــ كيف ترين رأي نجيب محفوظ، الذي قال في حديثه مع مصطفى عبدالله عن الحركة الأدبية في العالم العربي والمذكور فى كتابه "نجيب محفوظ شرقًا وغربًا"، إن الناقد العربي يعتمد على النظريات الغربية في تفسير الأدب العربي؟

أعتقد أن نجيب محفوظ كان محقًا في ملاحظته. الثقافة العربية تأثرت بشكل كبير بالنظريات الغربية، وهذا تأثير ملموس في النقد الأدبي العربي. لكن، في نفس الوقت، يجب أن نكون حذرين في كيفية استخدام هذه النظريات. لا يمكننا ببساطة استيراد المنهجيات الغربية واستخدامها دون أن نأخذ في اعتبارنا السياق الثقافي العربي. لقد بدأنا ندرك أن هناك حاجة ملحة لتطوير منهجيات نقدية تنبع من تجربتنا الثقافية الخاصة. في دراساتي، حاولت أن أتجنب الوقوع في فخ هذه النظريات الغربية، وكنت أعمل على دمجها مع خصوصيات الثقافة العربية، سواء في مجالي النقد الأدبي أو في دراسة الكتابات النسائية.

ــ كيف تعاملتِ مع المنهجيات النقدية الغربية؟

تعاملت مع المنهجيات النقدية الغربية بحذر، حيث استفدت من الأدوات النقدية الغربية ولكنني لم أقتصر عليها. كان هدفي هو تطوير منهجية نقدية عربية تتمتع بخصوصية ثقافية تميزها عن النقد الغربي. قمت بتعريب هذه المنهجيات ووضعتها في سياقها الثقافي العربي، بحيث يتمكن الباحثون العرب من استخدامها في دراسة الأدب العربي بشكل يعكس خصوصياته.

ــ هل تعتقدين أن الكتابات النسائية في العالم العربي كانت مهملة؟

نعم، للأسف، تم تجاهل العديد من الكتابات النسائية الهامة في تاريخ الأدب العربي، خاصة تلك التي تناولت قضايا تحرير المرأة. كان هناك تركيز أكبر على الكتابات الفكرية التي كتبها الرجال، بينما كانت الكتابات النسائية غالبًا ما تُغيب عن النقاش. من خلال كتابى "مرائي النساء"،  حاولت أن أستعيد هذه الكتابات وأعطيها الحق في أن تكون جزءًا من التاريخ الأدبي والفكري العربي.

ــ كونك مترجمة، ما رأيك في من يعتبرون أن الترجمة تعد خيانة للنص المترجم؟

في الحقيقة، يمكن القول إن الترجمة ليست خيانة، بل هي عملية تأويل. المترجم الجيد هو الذي يلتقط روح النص ويعبر عنها بدقة، دون أن يسيء للمعنى الأصلي. من خلال تجربتي كمترجمة، حاولت دائمًا نقل النصوص الثقافية والأدبية العربية إلى اللغة الفرنسية بطريقة تحافظ على أصالتها وعمقها. كما أنني أرى أن المترجم هو الجسر الذي يربط بين الثقافات، ويمكنه من خلال هذا العمل أن يعزز التواصل بين العالم العربي والغرب. لدينا العديد من المترجمين البارعين في تاريخنا الثقافي، مثل رفاعة الطهطاوي، الذي أسس مدرسة ترجمة ساعدت في نقل الثقافة العربية إلى الغرب.

نبذة عن الدكتورة جليلة الطريطر، هي باحثة أكاديمية تونسية وناقدة مختصة في كتابات الذات ومترجمة. تعمل حاليًا أستاذة في الأدب الحديث في قسم اللغة والآداب والحضارة العربية بكلية العلوم الإنسانية والاجتماعية بجامعة تونس. حصلت على شهادة الدكتوراه في الأدب الحديث عام 2000 ولها العديد من المقالات والدراسات في هذا المجال باللغتين العربية والفرنسية. كما أسهمت في معاجم وموسوعات عربية وأجنبية. حازت على العديد من الجوائز الأكاديمية مثل جائزة "مقومات السيرة الذاتية في الأدب العربي الحديث" من الكريديف عام 2004 وجائزة "أدب البورتريه" في 2011.







مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة