- ذوو الإعاقة في قلب العدالة .. حقوق غير مسبوقة في التحقيقات والمحاكمات
- تعديلات على عقوبة الإعدام لحماية حقوق الإنسان
- حرية الصحافة والتعبير في ضوء التعديلات التشريعية
- حقوق المرأة الحامل: تأجيل تنفيذ عقوبة الإعدام وفقًا لأحكام الشريعة والمواثيق الدولية
- الطفل في قلب العدالة: تعديلات لضمان حقوق الأطفال في مراحل التحقيق والمحاكمات
في إطار الجهود الوطنية المستمرة لتعزيز منظومة حقوق الإنسان وتطوير الإطار القانوني بما يتوافق مع المبادئ الدستورية والمعايير الدولية، جاء مشروع قانون الإجراءات الجنائية الجديد الذي وافق عليها مجلس النواب برئاسة المستشار الدكتور حنفي جبالي، مبدئياً، كعلامة بارزة في تطوير النظام القانوني المصري، و بما يعكس رؤية متقدمة تهدف إلى بناء منظومة عدالة جنائية أكثر عدلاً وإنسانية.
جاء مشروع القانون الجديد، متضمناً مزايا وإيجابيات عديدة تستهدف تحقيق التوازن بين حقوق الأفراد ومتطلبات الأمن العام، مما يعكس التزام الدولة بتحديث الإطار القانوني بما يواكب تطلعات المجتمع وتعزيز سيادة القانون، حيث يتبنى لأول مرة في النظام القانوني المصري حماية متكاملة للمبلغين والشهود، بما يضمن سلامتهم وحمايتهم أثناء الإدلاء بمعلوماتهم، وذلك تنفيذًا لأحكام الدستور المصري.
كما يولي التشريع الجديد، عناية خاصة بفئات المجتمع الأكثر احتياجًا للرعاية مثل ذوي الإعاقة، من خلال توفير وسائل الإتاحة والمساعدات الفنية التي تمكنهم من ممارسة حقوقهم الكاملة أثناء سير التحقيقات والمحاكمات، فضلا عن تحقيق طفرة غير مسبوقة فيما يتعلق بتنظيم الحبس الاحتياطي، إذ عمل على تقليص مدده ووضع حد أقصى لها، كما استحدث حق التعويض عن الحبس الاحتياطي في بعض الحالات، إضافة إلى تطبيق بدائل حديثة مثل التظلم الإلكتروني، مما يُظهر توجّهًا واضحًا نحو تقليل حالات الاحتجاز غير المبرر وضمان حقوق المحتجزين.
وفيما يتعلق بعقوبة الإعدام، أدخل المشروع تعديلات جوهرية تعزز من ضمانات حقوق الإنسان، مثل تأجيل تنفيذ العقوبة في حالات معينة، وضمان حق أقارب المحكوم عليه في زيارته قبل التنفيذ، فضلا عن أن التشريع الجديد قدم حماية إضافية للمرأة والطفل بما يتماشى مع الشريعة الإسلامية والاتفاقيات الدولية.
وتأتي هذه الجهود كجزء من الاستراتيجية الشاملة للدولة لتعزيز سيادة القانون وضمان توفير الحماية القانونية الكاملة للأفراد، مع مراعاة التزاماتها الدولية في مجال حقوق الإنسان.
وفي هذا الصدد، نستعرض أهم الإصلاحات والمعالجات التي يتضمنها مشروع القانون الجديد، والتي رصدها تقرير اللجنة البرلمانية المشتركة من الشؤون الدستورية والتشريعية، ومكتب لجنة حقوق الإنسان، في ضوء التعقيب القانوني الكامل علي توصيات وملاحظات التقرير الدورى الخامس الصادر عن اللجنة المعنية بحقوق الإنسان بالأمم المتحدة أبريل (2023) :
1 - التوصية: مراجعة واستكمال الإطار القانوني لحماية المبلغين عن المخالفات بما يضمن الوصول للمعلومات.
التعقيب : ضمن مشروع قانون الإجراءات الجنائية الجديد حماية المبلغين والشهود؛ حيث وضع لأول مره في النظام القانوني المصري وتنفيذا لأحكام الدستور المصري تنظيما متكاملا لحماية الشهود والمبلغين والمتهمين والمجني عليهم.
2 - التوصية : ضمان وجود ضمانات كافية، في القانون وفي الممارسة العملية، لضمان الاستقلال الكامل للمحامين وسلامتهم، وضمان قدرتهم على القيام بواجباتهم دون أي مضايقة أو تدخل لا مبرر له ودون خوف من الملاحقة الجنائية التعسفية والإدانة أو غيرها من التدابير الانتقامية وذلك بما يتماشى مع المبادئ الأساسية بشأن دور المحامين.
التعقيب : من أبرز التعديلات التي وافقت عليها لجنة الشئون الدستورية والتشريعية بمجلس النواب هو ضرورة مراعاة أحكام قانون المحاماة بما يحفظ حقوق المحامين ويضمن سريان الضمانات الإجرائية الواردة فيه أثناء سير الجلسات، وذلك وفقا للمواد 49 ، 50، 50 مكررًا من قانون المحاماة الصادر بالقانون رقم 17 لسنة 1983.
كما قبلت اللجنة التشريعية بعض التعديلات المقترحة من نقابة المحامين والتي تستهدف تعزيز حقوق الدفاع وضمانات المحاكمة العادلة، وفي هذا الشأن تجدر الإشارة أن نقابة المحامين في بيان رسمي وجهت الشكر للجنة الشئون الدستورية والتشريعية لتبنيها تعديلات النقابة والتي تهدف جميعها لتوفير بيئة ملائمة حتى يتمكن المحامون من القيام بدورهم المنوط بهم دستوريًا.
3- التوصية: ضمان عدم احتجاز أي شخص دون المبادرة فورا إلى توجيه اتهامات جنائية إليه، وعرض جميع المحتجزين رهن المحاكمة على المحكمة دون إبطاء في جلسات محاكمة علنية تفي بالمتطلبات الأساسية للإجراءات القانونية الواجبة.
التعقيب :أوجبت المادة (40) من مشروع القانون على مأمور الضبط القضائي أن يبلغ فوراً المتهم المضبوط بسبب تقييد حريته، وبالتهم المنسوبة إليه، وأن يسمع أقواله، وأن يحيطه بحقوقه كتابة، وأن يمكنه من الاتصال بذويه وبمحاميه. وإذا لم يأت المتهم بما ينفي التهمه عنه، يرسله مأمور الضبط القضائي خلال أربع وعشرين ساعة من وقت تقييد حريته إلى سلطة التحقيق المختصة.
4- التوصية : ضمان عدم فرض عقوبة الإعدام على نحو ينتهك أحكام العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية وضمان الإخطار المسبق للسجناء المحكوم عليهم بالإعدام وعائلاتهم ومحاميهم بتاريخ تنفيذ الحكم.
التعقيب : أحدث مشروع قانون الإجراءات الجنائية تطورا غير مسبوق على التنظيم القانوني لعقوبة الإعدام في سبيل تعزيز مفاهيم وضمانات حقوق الإنسان واهم ما تضمنه المشروع في هذا الإطار هو تفعيل ورعاية حقوق المرأة والطفل وذلك بتأجيل تنفيذ بعض العقوبات بما فيها عقوبة الإعدام على المرأة الحامل بما يتفق وأحكام الشريعة الإسلامية والاتفاقيات والمواثيق الدولية. كما أجاز المشروع لأقارب المحكوم عليه بالإعدام أن يقابلوه في اليوم السابق على اليوم المعين لتنفيذ الحكم وهو ما يضمن علمهم بتاريخ تنفيذ الحكم، وعلى إدارة مركز الإصلاح إخطارهم بذلك؛ كما ألزم المشروع جهات إنفاذ القانون أنه إذا كانت ديانة المحكوم عليه تفرض عليه الاعتراف أو غيره من الفروض الدينية قبل الموت، وجب إجراء التسهيلات اللازمة لتمكين أحد رجال الدين من مقابلته.
5- التوصية : توفير المساعدة القانونية دائما.
التعقيب : تبنى مشروع القانون لأول مرة رعاية خاصة للمتهمين والمحكوم عليهم من ذوى الهمم والقدرات الخاصة في مراحل التحقيق والمحاكمة وتنفيذ العقوبة؛ من خلال توفير المساعدات الفنية ووسائل الإتاحة اللازمة والمناسبة لهم تأكيدا على حقهم في الدفاع عن أنفسهم بالكيفية التي تراعى ظروفهم الشخصية.
6- التوصية : ضمان توافق ظروف الاحتجاز مع المعايير الدولية مثل قواعد الأمم المتحدة النموذجية الدنيا لمعاملة السجناء قواعد نيلسون مانديلا) وقواعد الأمم المتحدة لمعاملة السجينات والتدابير غير الاحتجازية للمجرمات قواعد بانكوك).
التعقيب: تبني مشروع قانون الإجراءات الجنائية تعزيز حقوق وحريات وضمانات المحكوم عليهم أثناء تنفيذ العقوبات داخل مراكز الإصلاح والتأهيل وأماكن الاحتجاز سواء بإخضاعها للإشراف القضائي أو كفالة تجهيزها وتهيئتها التهيئة المناسبة صحيا واجتماعيا وإلزام القائمين عليها باحترام جميع حقوق وحريات المحكوم عليهم والمحافظة على كرامتهم.
7- التوصية : ضمان وصول جميع المحتجزين الفوري والمنتظم إلى ممثليهم القانونيين وعائلاتهم، بغض النظر عن الجريمة التي اتهموا بها، وضمان حصولهم على أي مساعدة طبية قد يحتاجون إليها.
التعقيب : قام مشروع قانون الإجراءات الجنائية بتنفيذ الالتزامات الدستورية الواردة في المادتين ( 54 ، 55) من الدستور والتي تعزز من حق الدفاع وعلى الأخص: إلزام مأموري الضبط القضائي بتمكين المتهم من الاتصال بذويه ومحاميه مع كفالة الحق الدستوري المقرر للمتهم بتنبيهه إلى حقه في الصمت مع ضمان عدم تعرضه لأي ضغوط خلال مراحل التحقيق أو المحاكمة ، وتوفير وسائل المساعدة اللازمة لذوي الإعاقة لضمان مشاركتهم الفعالة في الدفاع عن أنفسهم وتمكينهم من ممارسة حقوقهم كاملة.
8- التوصية : مراجعة التشريعات لضمان عدم استخدام القوانين الجنائية لإسكات الصحفيين المستقلين والأصوات المعارضة، بما في ذلك عن طريق حجب المواقع الإلكترونية واحتجاز الصحفيين.
التعقيب : قبلت لجنة الشئون الدستورية والتشريعية طلب نقابة الصحفيين بحذف المادة 267 من مشروع قانون الإجراءات الجنائية والتي تتعلق بحظر نشر أخبار أو معلومات عن وقائع الجلسات دون تصريح وما تقرره من عقوبة الغرامة حال مخالفة ذلك، وهو ما يصب جميعه في تعزيز ضمانات حرية التعبير والنشر بما يتوافق مع أحكام الدستور والمواثيق الدولية.
9- التوصية ضمان احترام الآجال القانونية لمدة الاحتجاز السابق للمحاكمة، ووضع حد لممارسة "تدوير" المعتقلين التي تتم عن طريق حبسهم على ذمة قضايا جديدة بتهم مماثلة؛ ويساور اللجنة القلق إزاء ما أفيد عن اللجوء المنهجي والواسع النطاق إلى الاحتجاز المطول قبل المحاكمة في الدولة الطرف.
التعقيب : تبنى مشروع قانون الإجراءات الجنائية خطوات تشريعية متقدمة للغاية في سبيل تعزيز ضمانات حقوق الإنسان فيما يتعلق بالحبس الاحتياطي:
أولا : تبنى المشروع تقليص مدد الحبس الاحتياطي ووضع حد أقصى لها؛ حيث أكد مشروع القانون على ألا تتجاوز مدة الحبس الاحتياطي أربعة أشهر في الجنح بدلا من ستة ، واثنى عشر شهرًا في الجنايات بدلا من ثمانية عشر، وثمانية عشر شهرًا في القضايا المتعلقة بالسجن المؤبد أو الإعدام بدلًا من سنتين)، كما تم تحديد مدة حبس المتهمين في محكمة النقض لمدة لا تتجاوز سنتين، بعدما كانت غير محددة في القانون القائم.
ثانيًا: السماح بالتظلم من قرارات الحبس الاحتياطي بالطرق الإلكترونية، حيث تضمن مشروع القانون صياغات متكاملة للتظلم من جميع الأوامر بما فيها الأمر بالحبس الاحتياطي بالوسائل التقليدية والإلكترونية.
ثالثا: التقدم بطلبات التعويض بالطرق المعتادة لرفع الدعاوى عن كل يوم حبس احتياطي، وهو ما يعد تنفيذا للاستحقاق الدستوري المقرر في المادة ٥٤ من الدستور، والمطالبات المتعددة في مجال حقوق الإنسان بضرورة إقرار حالات للتعويض عن الحبس الاحتياطي.
رابعا ارتأت لجنة الشئون الدستورية والتشريعية أن تخفيض الحد الأقصى لمدد الحبس الاحتياطي، علاوة على استحداث حق المتهم في التعويض عن الحبس الاحتياطي في بعض الحالات، وكذا التوسع في تطبيق بدائل الحبس الاحتياطي يقلل إلى حد كبير من الانتقادات التي توجه بشأن حبس بعض المتهمين على ذمة قضايا متعددة، لاسيما أنه يتعين أن يتوافر بشأن كل قضية على حدة إحدى الحالات التي تبرر الحبس الاحتياطي، بالإضافة إلى أنه يتم استنزال تلك المدد من مدة العقوبة حال الحكم بالإدانة.