بلغ الإمام أبو حامد الغزالي مبلغا عظيما تجلى في مؤلفاته التي ذاع صيتها وامتد شهرتها، وفى ذكرى وفاة الإمام نتوقف مع ما ذكره زكي مبارك بالتفصيل عن أثر مؤلفاته.
ويقول زكى مبارك في كتاب الأخلاق عند الغزالي، "مما يدل على مبلغ تأثير الغزالي في الحياة الإسلامية عناية الناس بمؤلفاته وفتاواه"، فإنا نجد مثلًا كتابه الوجيز في الفقه وضع له نحو سبعين شرحًا كما قال الزبيدي، وقد قيل: لو كان الغزالي نبيًّا لكان معجزته الوجيز! وممن شرح هذا الكتاب الفخر الرازي وأبو الثناء محمود بن أبي بكر الأرموي والعماد أبو حماد بن يونس الأريلي وأبو الفتوح العجلي، وأبو القاسم عبد الكريم بن محمد القزويني الرافعي، وقد اختصر النووي من شرح الرافعي كتابًا سماه الروضة، وأخرج أحاديثه ابن الملقن في سبع مجلدات، سماه البدر المنير، ثم اختصره في أربع مجلدات وسماه الخلاصة، ثم لخص جزءًا، وسماه المنتقى. ولخصه أيضًا الحافظ ابن حجر، وشرح الوجيز أيضًا البدر الزركشي، والبدر بن جماعة، والشهاب البوصيري، والجلال السيوطي.
ونجد أيضًا كتابه «الوسيط» في الفقه، شرحه تلميذه محمد بن يحيى النيسابوري شرحًا سماه «المحيط» في ستة عشر مجلدًا، وشرحه نجم الدين أحمد بن علي بن الرفعة في ستين مجلدًا وسماه «المطلب» وشرحه النجم القمولي وسماه «البحر المحيط»، وشرحه عدد غير هؤلاء ذكرهم الزبيدي.
ونجد كذلك كتابه «المستصفى» في الأصول موضع عناية العلماء، فقد اختصره أبو العباس أحمد بن محمد الأشبيلي المتوفى سنة 651 هجرية، وشرحه أبو علي الحسن بن عبد العزيز الفهري المتوفى سنة 776 هجرية..
ونجد كتابه «تهافت الفلاسفة» قد أحدث رجة عنيفة بين فلاسفة المسلمين، فقام ابن رشد المتوفى سنة 595 هجرية، وألف كتابًا في نقده، ومقام ابن رشد في عالم الفلسفة غير مجهول. ثم جاء خوجه زاده المتوفى سنة 893 هجرية، وألف كتابًا في التحكيم بين الغزالي وابن رشد بإشارة السلطان محمد الفاتح العثماني. ووضع علاء الدين بن علي الطوسي كتابًا في المحاكمة بين الغزالي وابن رشد سماه «الذخيرة» ومنه نسخة بدار الكتب المصرية.
ونجد كتابه «قواعد العقائد» شرحه ركن الدين الاستراباذي ومحمد أمين بن صدر الدين الشرواني.
ونجد العلماء عنوا بتحقيق نسبة (المضنون به على غير أهله) إلى الغزالي. وممن بحث ذلك السبكي وصاحب «تحفة الإرشاد» وصنف أبو بكر محمد بن عبد الله المالقي المتوفى سنة 750هجرية، كتابًا في رده، وهذا مظهر لعناية العلماء بنفي ما دس عليه.. وليست عناية العلماء بفتاواه بأقل من عنايتهم بكتبه، فقد جمعها غير واحد، بل رأينا من كتبه دروسه التي كان يعظ بها الناس في بغداد، ورأيناهم يحفظون ما نقل عنه من القصائد المتفرقة.