من داخل سوق الأنتيكات العريق، حيث تلتقي الروح المصرية بالماضي العتيق، يروي أحد التجار ذوي الخبرة الطويلة قصة شغفه بالأشياء القديمة، ويستعرض كيفية تحويل الأنتيكات إلى قطع تحمل في طياتها ذاكرة تاريخية وثقافية.
يبدأ حديثه قائلاً: "كلما أمسكت بتلك الأنتيكات، شعرت براحة نفسية وكأنني أعيش في زمن آخر، هي أشبه بالذهب، فلا تقدر قيمتها إلا من يفهم قيمتها الحقيقية، مصر مليئة بالكنوز من كل حتة، وبالذات من البيوت القديمة التي كانت تزينها هذه القطع".
ويرتبط اسم هذا السوق بالكثير من الذكريات والقصص، ومنها قصة الفنانة الراحلة فاتن حمامة التي كانت تأتي إلى هنا لتشتري قطع الأنتيكات القديمة. "كانت فاتن حمامة تقدر هذه الأشياء، وتعرف كيف تختار منها ما يعكس جمال عصرها".
قيمة تاريخية وروحية للأنتيكات
لا يمكن أن تخطئ عين من يقدر الجمال في القطع القديمة، مثلما يقول التاجر: "الأنتيكات ليست مجرد أدوات أو قطع أثاث، إنها تحمل تاريخاً عريقاً وقيمة معنوية وروحية. إذا كنت تشتري شيئاً قديماً، لا تقلق أبداً على قيمته المالية، لأن كل يوم يمر عليه، يزداد قيمة".
ويتطرق إلى نقطة مهمة، وهي العناية بهذه القطع، حيث ينصح بعدم تلميع الأنتيكات بشكل مفرط: "التلميع الزائد يفقد القطع جزءاً من قيمتها التاريخية. التراب الذي يتراكم عليها ليس سوى طبقة من تاريخها، وهو ما يعطيها هويتها الخاصة".
كما يذكر أن الأنتيكات تزداد قيمة مع مرور الزمن، فحتى إذا تكسرت إحدى القطع، فإن قيمتها تظل في ارتفاع مستمر: "القطع التي عمرها 70 سنة أو أكثر ستظل صامدة وتحافظ على قيمتها، والعكس يحدث مع القطع الحديثة التي تتعرض للتلف بسرعة".
من الزبائن إلى الأعمال الفنية
واستعرض التاجر بعض المواقف المثيرة التي مر بها خلال سنوات عمله في هذا المجال، حيث قال: "أغرب زبون جاء إلي كان يبحث عن ريشة محبرة مخصصة للمأذون، مصنوعة من ريش الطاووس، كما شاركت بعض من القطع التي أمتلكها في ديكورات مسلسلات رمضان الشهيرة، مثل مسلسل 'مقالب قادرة'، الذي شارك فيه ياسر جلال ومحمد رمضان".
وتابع: "أحد الأمور التي تجعلني فخوراً حقاً هي أن الزبائن الذين يشترون هذه القطع يتفهمون قيمتها ويحتفظون بها كما هي. البعض يفضل عرضها في منازلهم، بينما آخرون يشترونها كقطع فنية تجسد التراث المصري العريق".
الأنتيكات من زمن الحروب والملاحم
ومن بين القطع التي يمتلكها التاجر، هناك بعض القطع النادرة التي تروي قصة مصر في فترات زمنية هامة، مثل خوذات الغطس القديمة، والمكاحل، والأقفال، ومفاتيح الكعبة، والهلال الذي يعود لزمن الحروب العثمانية والفاطمية. كل قطعة تحمل في طياتها قصة مصرية عميقة، مما يجعلها ذات قيمة معنوية وذهنية تفوق قيمتها المادية بكثير.
نصيحة أخيرة للمحافظة على التراث
في ختام حديثه، يوجه التاجر نصيحة هامة لمحبي الأنتيكات والمقتنيات القديمة: "لا تهملي هذه القطع، ولا تسمحي لها بالضياع. هذه الأشياء لا تضيع إذا تم الاعتناء بها بشكل صحيح، بل على العكس، هي تحافظ على نفسها بمرور الوقت".
إن سوق الأنتيكات في مصر هو مكان يتلاقى فيه التاريخ مع الجمال، وتظل القطع القديمة شاهداً على حقب زمنية مختلفة، تظل تلهم الأجيال القادمة وتعيد لهم جزءاً من هوية مصر الثقافية العريقة.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة