دفنات الحمير في الحضارة المصرية.. هل اعتبرها الفراعنة حيوانات شريرة؟

الإثنين، 02 ديسمبر 2024 06:00 م
دفنات الحمير في الحضارة المصرية.. هل اعتبرها الفراعنة حيوانات شريرة؟ الحضارة المصرية القديمة
أحمد إبراهيم الشريف

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

الحضارة المصرية القديمة لم تكشف عن كل أسرارها بعد، كل يوم  هناك دراسات وأبحاث تكشف جوانب من تلك الحضارة العظيمة، ومن ذلك ما يتعلق بالدفن، فلم تقتصر دفناتهم على الإنسان فقط، بل كان للحيوان نصيب، ومن ذلك دفن الحمير، فما السبب في ذلك؟

يقول كتاب "العبادة الحيوانية بين الدفن والرمزية في مصر وبلاد الشام والعراق: في عصور ما قبل التاريخ" لـ زينب عبد التواب رياض:

دفنات الحمير

عُرفت الحمير في مصر منذ أقدم العصور، وكانت من ذلك النوع المعروف باسم Equus Asinus، وقد عُثر على عظام هذا النوع من الحمير في طبقاتٍ موستيرية بالصحراء الغربية.

وقد تم استئناس الحِمار منذ القِدَم، واستُخدم كحيوان لحمل الأثقال — ولم يكن يُعتمد عليه كمصدر للغذاء — وثبَت وجوده واستئناسه في مصر من خلالِ كثرة ما عُثر عليه من بقايا عظمية في مواقع عدة، ترجع لعصرِ ما قبل الأسرات، لا سيما ما جاء بالقرب من أرمنت، ويُؤرَّخ بنقادة الأولى والثانية.

ولقد اعتُبر الحِمار دابةَ النقل الأولى في مصر القديمة، وظل كذلك حتى شاركه الجمل هذا الدور، فلقد لعِب الحمار دورًا مهمًّا في ربط المجتمعات منذ أقدم العصور التاريخية، ومن ثمَّ فقد كان للحمار دوره ومكانته في الحضارة المصرية القديمة، سواء في الحياة اليومية، أو فيما يتعلَّق بمعتقدات العالم الآخر، وتأكَّد ذلك من خلالِ ما عُثر عليه من دفنات له في العديد من الجبَّانات، لا سيما طرخان، وحلوان، وأبو صير.

ومن الجدير بالذكر أنَّ دفنات الحمير اختلفت عن دفنات باقي الحيوانات الأخرى، من حيث الالتزام في أغلب الأحيان بالأوضاع الثلاثية في الدفن — أي دفن ثلاثة حمير معًا في مقبرة واحدة — ولم يشذَّ عن ذلك إلا دفنات حمير هيراكونبوليس، ووادي دجلة. ودفنات الحمير العشر بأبيدوس.

وعن دفنات الحمير التي عُثر عليها، والتي أُرِّخت بعصرِ ما قبل الأسرات، الدفنة رقم ٢ بهيراكونبوليس التي عُثر فيها على بقايا عظمية لاثنين من الحمير تبيَّن من دراستها أنها حمير بالغة النمو، وهي قريبة في الحجم من حمير المعادي المستأنسة وحمير أبو صير التي ترجع لعصر الأسرة الأولى والدفنة رقم ٦ بجبَّانة هيراكونبوليس أيضًا، التي عُثر فيها على بقايا عظمية لحمار، كان قد دُفن مع كلب — أي إنها دفنة مزدوجة لكلب وحمار — مما يؤكِّد على وجود ومعرفة الحمار في تلك الفترة، ليس فقط دنيويًّا، بل وعقائديًّا.

إذ ربما كان لتلك الدفنة غرضٌ سحري معيَّن، يتعلَّق بطقسة الصيد، لا سيما وأن الكلب كان من أهم الحيوانات المستخدَمة في الصيد، والحمار كان وسيلةً هامَّةً للانتقال من مكان إلى مكان، فهما إذن يُكمل بعضهما البعض.

وفي جبَّانة أبو صير عُثر على دفنة حيوانية لثلاثة من الحمير كانت قد دُفنت بالقرب من المصطبة الملَكية رقم ٤، بطول الجانب الجنوبي منها، في دفنةٍ فرعية تُؤرَّخ بعصر الأسرة الأولى، وكان وضْعُ الدفنة لافتًا للنظر؛ إذ كانت الحمير الثلاثة قد دُفِّنت الواحد تلو الآخر في صف واحد، في وضعِ الوقوف، وكأنهم على أهبة الاستعداد للتحرك، ولم تكن راقدةً كما هو مفترَض في أيٍّ من الدفنات الحيوانية الأخرى.

وعن أعمار هذه الحمير الثلاثة، فقد ذكر كلٌّ من Dreisch وBoessneck أنَّ أعمار الحمير الثلاثة قد اختلفت وتفاوتت من واحد إلى الآخر، ورغم تفاوت مراحلها العمرية، وصِغر سنِّ أوسطها، إلا أنَّ هياكلها العظمية جاءت بالغةَ النمو، وقويةً وضخمةَ البنية، تقارب في شكل هياكلها أجسامَ الخيول، مما دعا البعض إلى الظنِّ بأنَّ هذه الدفنة هي لثلاثة من الحمير البرية الضخمة غير المستأنسة، وأنها لم تكن دفنةً مقصودة، وإنما هي فخٌّ وقعت به تلك الحمير البرية على حدِّ وصفهم، إلا أنَّ دراسة تلك الهياكل ودراسة وضعية الدفن، تثبت أنَّ الهياكل العظمية كانت لحميرٍ مستأنسة وأنها دُفنت عن قصد.  

الغرض من دفن الحمير

اختلفت الآراء حول تفسير الغرض من دفنات الحمير، فكان هناك التفسير الديني والتفسير الدنيوي.

أولًا: التفسير الديني

(1) بناءً على ما جاء في أوضاع الدفن، واتجاه رءوس الحمير إلى الشرق، أو الشمال الشرقي اتَّجه البعض إلى محاولةِ ربطها بالعقيدة الشمسية، وجعلها بمثابة حيواناتٍ مقدَّسة ترمز للشمس، لا سيما وأنَّ دفنة الحمير الثلاثة بجبَّانة أبو صير، جاءت إلى الجنوب من المصطبة الملَكية على غِرار مراكب الشمس التي عُثر عليها جنوب الأهرامات في عصر الدولة القديمة، واعتبار أنَّ الحمير من الحيوانات المرتبطة بالشمس — كما جاء في الفصل الأربعين من كتاب الموتى — وعليه يمكن افتراضُ أنَّ الحمير أيضًا كان لها دور مرتبط بالبعث ونقل الموتى إلى العالم الآخر باعتبارها من حيوانات النقل في الدنيا، واتخاذها وظيفةً مشابهة لوظيفة مراكب الشمس ونقلها للمتوفَّى في العالم الآخر.

(2) هذا بخلاف ما تشير إليه العقيدة الأوزيرية في العصور التاريخية، التي تُعَدُّ أبو صير مقرًّا لها؛ إذ توضح أنَّ الحمير كانت من الحيوانات الشريرة التي ارتبطت منذ عصر الدولة الوسطى بالإله ست. وفي نصوص الأهرام جاء ذكر الحمار بأنه حيوان غير صديق … وبالتالي يمكن تصوُّر القتل العمد للحمير الثلاثة، كأنه بمثابة قتلٍ وطردٍ للأرواح الشريرة وإبعادها عن المقبرة، وأنَّ اختيار العدد «ثلاثة» دون سواه، إنما هو إشارةٌ إلى الكثرة العددية لدى المصري القديم. ويمكن قبولُ كلا الرأيين لو اعتبرنا أنَّ الحمار من الحيوانات التي كان لها دورٌ مزدوج في الفكر المصري القديم (جانب الخير والشر معًا).

ثانيًا: التفسير الدنيوي

كانت الحمير من حيوانات الخدمة اليومية، ولربما أراد الإنسان أن تصحبه في عالمه الآخر كما كانت تصحبه في دنياه، فقام بدفنها معه، أو إلى جوار مقبرته كي ينتفع بخدمتها له في حياته الأخرى باعتبارها وسيلةً للنقل أيضًا في الحياة الأخرى. هذا بخلاف كونها من الحيوانات الدالة على رقي المستوى الاجتماعي وثراء صاحبها، ومن ثمَّ فدفنها مع صاحبها إنما هو تفخيمٌ لمقبرته، ودليل على رقي مستواه الاجتماعي، وإن كان هذا الفكر سائدًا في بلاد الشام والعراق أكثرَ منه في مصر. وقد تكون هذه الدفنات نوعًا من الأضاحي الحيوانية الخاصة لمنفعة صاحب المقبرة.

 







مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة