طريق الحج الإسلامي عبر سيناء درب تاريخي أثاره خالدة حتى اليوم

الإثنين، 02 ديسمبر 2024 09:00 ص
طريق الحج الإسلامي عبر سيناء درب تاريخي أثاره خالدة حتى اليوم طريق الحج
شمال سيناء ـ محمد حسين

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

يُعد "طريق الحج " الذي يمتد عبر قلب شبه جزيرة سيناء من أهم المسارات التاريخية في العالم الإسلامي، فقد كان هذا الطريق شريانًا حيويًا يربط مصر بالأراضي المقدسة في الحجاز، ويسلكه الحجاج المصريون عبر العصور، وكان يشهد تدفق الحجاج المصريين والعرب إلى مكة المكرمة سنويًا لأداء مناسك الحج. يمتد هذا الطريق عبر مناطق جبلية وصحراوية في سيناء، وكان الحجاج يسلكونه في قوافل ضخمة، وتستمر رحلتهم عليه عبر ثلاث مراحل رئيسية، منذ العصور الإسلامية المبكرة حتى بداية الحرب العالمية الأولى. وعلى جانبيه، المعالم التاريخية، مثل "قلعة نخل" وأطلال آثار السلطان قنصوة الغوري، التي تُعد من أبرز آثار هذا الطريق.

تشير البيانات التاريخية انه مر طريق الحج عبر سيناء بتقسيمات واضحة تتماشى مع مراحل الرحلة الطويلة التي كان يقطعها الحجاج. كان الطريق مقسمًا إلى ثلاث مراحل رئيسية، ويقطع الحجاج في كل مرحلة مسافة محددة على مدار عشرة أيام، وهي المرحلة الأولى، وتبدأ من القاهرة حتى عجرود، وهي مسافة تبلغ 150 كيلو مترًا، والمرحلة الثانية تبدأ من عجرود حتى نخل، أيضًا بمسافة 150 كيلو مترًا، والمرحلة الثالثة  تبدأ من نخل وصولًا إلى عقبة أيلة، بمسافة تصل إلى 200 كيلو متر.

كانت هذه المراحل تقطعها قوافل الحجاج على ظهور الإبل، متجهين نحو مكة المكرمة عبر سيناء، في رحلة طويلة وشاقة ،يبدأ "طريق الحج المصري" من منطقة عجرود غرب السويس، حيث ينطلق الحجاج عبر الصحراء متجهين نحو مدخل صحراء التيه مرورًا بمناطق مثل النواطير ووادي القريض ودبة البغلة، ثم يصلون إلى منطقة نخل في شمال سيناء. من نخل، يتوجه الحجاج إلى خليج العقبة، مرورًا بميناء نويبع في جنوب سيناء، في اتجاه الأراضي السعودية عبر خليج العقبة ثم إلى مدينة أيلة الأردنية.

هذا الطريق كان لا يقتصر فقط على الحجاج المصريين، بل كان يشهد مرور قوافل حجاج من مختلف أنحاء العالم الإسلامي، بما في ذلك حجاج الأندلس، والمغرب الأقصى، والسودان، وحتى الحجاج من مناطق شمال إفريقيا. فطريق الحج عبر سيناء كان شريانًا حيويًا يمتد بين قارات ويؤدي إلى مكة المكرمة، عاصمة العالم الإسلامي  .

منذ العصور الإسلامية المبكرة، كان "طريق الحج" يحظى باهتمام الحكام والسلاطين الذين حرصوا على تيسير رحلات الحجاج وضمان أمنهم. وقد سلك هذا الطريق العديد من الشخصيات البارزة عبر العصور، مثل شجرة الدر في عام 648 هـ، التي قامت برحلة حج عبر الطريق في وقتٍ كانت فيه الأحداث السياسية متوترة في مصر. كما سلكه القائد العسكري السلطان بيبرس في عهد المماليك، بالإضافة إلى السلطان الناصر قلاوون في عام 719 هـ، اللذين قدما الكثير من الجهود لتطوير وتأمين الطريق. وكانت محطات الطريق مثل "قلعة نخل" ومناطق أخرى تزخر بالآثار التاريخية التي تحمل آثار هؤلاء الحكام.

ومع استمرار التدفق السنوي للحجاج، كانت كل قافلة تمر عبر هذا الطريق تحمل معها "المحمل المقدس" الذي كان يحتوي على كسوة الكعبة، التي كانت تُرسل سنويًا عبر الطريق ليتم تقديمها إلى الكعبة المشرفة في مكة. كان هذا "المحمل" يُعد حدثًا مهمًا في العالم الإسلامي، ويُعد من أبرز معالم طريق الحج.

وإذا كان "طريق الحج" قد شهد فترات من الاهتمام على مدار العصور الإسلامية المختلفة، فإن العصر المملوكي يُعدّ قمة ازدهار هذا الطريق. فقد بذل سلاطين المماليك جهودًا كبيرة لتطويره وحمايته، إذ كان السلطان الظاهر بيبرس، والسلطان المنصور سيف الدين قلاوون، والسلطان الناصر محمد بن قلاوون من أبرز السلاطين الذين أسهموا في تطوير هذا الطريق وتسهيل رحلات الحجاج. كما قام هؤلاء الحكام بتشييد العديد من المحطات والقلعات على طول الطريق، لتوفير الحماية للحجاج وتأمين مسيرتهم.

بالإضافة إلى ذلك، كان من أهم ما يميز هذه الفترة هو قيام السلطان قانصوة الغوري بنقش اسمه على الصخور الجبلية على جانبي الطريق، ما يعد من أبرز الآثار التاريخية التي تحفظ ذاكرة هذه الحقبة المملوكية، ويُعتبر هذا النقش شاهدًا على الاهتمام الذي حظي به هذا الطريق من قبل الحكام المماليك.

ورغم الأهمية التاريخية والطابع الروحي العظيم لطريق الحج عبر سيناء، إلا أن تدفق الحجاج عبره بدأ في التناقص بشكل ملحوظ مع بداية القرن العشرين، حيث تزايدت حدة الأزمات السياسية والصراعات العالمية. ومع ظهور وسائل النقل الحديثة، والتي اختصرت الزمن والمسافة بين مصر والأراضي المقدسة، تضاءل دور الطريق في نقل الحجاج عبر البر، حتى أصبح الطريق غير مُستخدم بشكل دوري كما كان في الماضي.

 










مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة