تعد قصيدة «لا تكذبى» للشاعر الكبير كامل الشناوى من قصائد الشعر العربى، التى تعبر عن مأساة حقيقية لكاتبها، وفقا لشهادة بعض أصدقائه ومنهم الكاتب الصحفى مصطفى أمين، حسبما يذكر فى مقاله «من قتل كامل الشناوى؟»، المنشور بجريدة «أخبار اليوم» عدد 21 ديسمبر، مثل هذا اليوم، 1985، الذى ضمه لكتابه «شخصيات لا تنسى» قال مصطفى أمين فى مقاله: إن بطلة القصيدة شخصية حقيقية، واتهمها بالتسبب فى قتل كامل الشناوى، ورغم أن «أمين» لم يفصح عن اسمها فى مقاله، إلا أن المطربة الكبيرة نجاة الصغيرة رفعت دعوى قضائية تتهمه فيها بأنه يقصدها ويسب فى حقها، ووفقا لجريدة الأخبار يوم 6 مايو 1986، قالت نجاة فى دعواها: إن الصورة المرسومة مع المقال للفنان سيد عبدالفتاح هى لوجهها رغم إخفاء عينيها، وأكدت «الأخبار» أن نجاة حضرت بنفسها للمحكمة للتدليل على أن الصورة المرسومة تطابق وجهها.
فشلت كل محاولات الصلح بين نجاة ومصطفى أمين، التى قادها الموسيقار محمد عبدالوهاب وآخرون، وأخيرا رفضت المحكمة الدعوى لإنكار دفاع مصطفى أمين أنها هى المقصودة، فماذا حمل هذا المقال؟ يكشف «أمين» فى مقاله بدايات تعارفه وارتباطه بصداقة تاريخية عميقة مع كامل الشناوى، ويعدد سماته الشخصية الفريدة التى جعلته استثنائيا فى تاريخنا، يذكر: «كانت أعظم هواياته احتضانه المواهب الجديدة ودفعها إلى الأمام، وسمعت منه اسم عبدالحليم حافظ لأول مرة فى حياتى، وكرره أمامى مائة مرة، ولما عرفت عبدالحليم جيدا، وجدت أن كاملا صادقا فى وصفه، وكذلك كان الأمر مع الموسيقار بليغ حمدى.
يذكر «أمين» أن غدة الحب فى قلب «الشناوى» كانت تفرز باستمرار، وكان ذواقا فى الحب غريبا، دميما لا يختار إلا ملكات الجمال، وضخم الجثة يصر أن تكون معبودته دقيقة صغيرة قصيرة، ويضيف: «عشت معه حبه الكبير الأخير الذى أبكاه وأضناه وحطمه وقتله فى آخر الأمر، وكتب عنه قصيدة «لا تكذبى» فى غرفة مكتبى بشقتى بالزمالك، وهى قصيدة حقيقية ليس فيها مبالغة أو خيال، حتى إن الموسيقار محمد عبدالوهاب سماها «إنى ضبطتكما معا».
يضيف مصطفى أمين: «كان كامل ينظمها وهو يبكى، وبعد أن انتهى، قال: إنه يريد أن يقرأ القصيدة على المطربة بالتليفون، وكان تليفونى بسماعتين، أمسك هو سماعة وأنا وأحمد رجب فى غرفة أخرى، وكان رأى أحمد رجب ورأيى أن هذا منظر تاريخى يجب أن نحضره، وبدأ كامل يلقى القصيدة بصوت منتحب خافت، تتخلله الزفرات والعبرات والتنهدات، وكانت المطربة الكبيرة صامتة لا تقول شيئا ولا تعلق، وبعد أن انتهى، قالت المطربة: «كويسة قوى، تنفع أغنية، لازم أغنيها»، وانتهت المحادثة ورأينا كامل الشناوى أمامنا جثة بلا حراك»، بعد ذلك، كتب الشناوى إليها يلعنها ويقول: «فى استطاعتى الآن فقط أن أصارحك بحقيقة قصتى معك، لقد خدعتينى وخدعتك، ظللت سنوات أتوهم أنك تحبينى، فجريت وراءك بقلبى الأبله ومشاعرى الحمقاء»، ويضيف «أمين» أن كامل الشناوى سمع أن المطربة الكبيرة عندما علمت بعذابه، قالت لأصدقائها: «مسكين كامل الشناوى، لقد دمرته الغيرة»، فكتب «كامل» إليها: «صدقينى إذا قلت لك إننى لست مسكينا، ربما كنت كذلك أو أننى استسلمت للوهم الذى علقنى بك، ولكننى قاومت ورفضت وجعلت من كبريائى حصنا يحمينى منك ومن قلبى»، يقول مصطفى أمين: إن لعنة الحب الفاشل استمرت تطارد كامل الشناوى وتعذبه، وكان يعتقد أن الهجر قتله، ولا يبقى إلا موعد تشييع الجنازة، وكان يجلس يكتب كل يوم عن عذاب، وكان يخيل إلى أنه كان يكتب كل يوم نعيه، وفوجئت به يتردد على المقابر، ولم تكن هذه عادته، وسألته ماذا حدث، فابتسم ابتسامة حزينة، وقال: أريد أن أتعود على الجو الذى سأبقى فيه إلى الأبد.
مات كامل الشناوى فى 30 نوفمبر 1965، وقابل مصطفى أمين المطربة، مضيفا: «قلت لها إننى كرهتها طول حياتى منذ قصيدة «لا تكذبى إنى رأيتكما معا»، قالت إننى لم أحبه، هو الذى كان يحبنى، إننى كنت أحبه كصديق فقط، وطلب منى أن يتزوجنى فرفضت لأننا نختلف فى كل شىء، أنا رقيقة وهو ضخم، أنا صغيرة وهو عجوز، قلت لها: إن أصدقاءه يعتقدون أنك قتلته، قالت: لا إنه هو الذى انتحر، سألتها: تقصدين أنه انتحر حبا، قالت: بل انتحر غيرة، ولم أصدقها طبعا»، رغم الدراما الهائلة التى يضفيها مصطفى أمين على هذه القصة، فإن الكاتب الناقد الفنى طارق الشناوى، ابن شقيق كامل الشناوى، دائم النفى لها، وفى برنامج «معكم» للإعلامية منى الشاذلى فى مايو 2024، قال: «قصيدة لا تكذبى خيال شاعر ولم يحدث شىء مع نجاة الصغيرة، وعندما أقامت الأخيرة دعوى قضائية وقف عمى مأمون معها».