صمدت أطلال المدينة المقدسة بالوادى الجديد، عبر قرون الزمن لتحكى قصة الفرار الكبير لرهبان القبط من بطش الرومان منذ القرن الثاني الميلادي إلى القرن السابع الميلادي، بما يزيد عن 1800 سنة لتحتفظ بحوالى 263 مقبرة مقدسة لرجال الدين والرهبان وذويهم من أقباط مصر الذين هربوا الاضطهاد الروماني للمسيحية، واستقروا في الصحراء وعاشوا فى مدينة سكنية متكاملة تم الكشف عن بقاياها فى عين الخراب وعيد دركية وعين سعف والتي كانت المساكن الرئيسية للأقباط الذين انشأوا بجانبها كنيسة ومعبد ومدافن على هيئة مقابر فريدة فى تصميماتها ومحتفظة برسوماتها التى استقطبت باحثى العمارة القبطية وفن الرسم والتصوير.
وتقع تلك المدينة المقدسة شمال مدينة الخارجة بحوالى ثلاثة كيلومترات بمنطقة عرفت باسم البجوات، وهي فى نطق أهل الواحات لكلمة “قبوات” جمع “قبو” نسبة لأن كل مقابر المدينة تعلوها قباب مبنية من الطوب اللبن، وتعتبر الوحيدة فى مصر والعالم بهذا النمط فى البناء وتتمثل أهميتها البالغة في أنها ترجع لأوائل العصر المسيحي، واكثرها مزخرف من الخارج وقبابها مزينة بمناظر مختلفة من قصص التوراه بالإضافة إلى الرسومات القبطية ، و تتميز بألوانها الزاهية المرسومة بطريقة الفريسكو وهي خلط الألوان بالماء للرسم والتلوين بها.
وتضم المدينة المقدسة عدد من المزارات منها "مزار السلام"، الذي يحتوى على رمز السلام مصور بقبة المزار، وهذا المزار هو أكثر المزارات شهرة لدى دارسي الفن ويطلق عليه لدى الباحثين الأوربيين اسم "المقبرة البيزنطية"، ويحتوى على نقوش القصص المقتبسة من كتاب العهد القديم، وكذلك مزار الخروج والذي يضم قبة مزينة بشريطين يضمان مناظر من العهد القديم أشهرها مناظر لقصة الخروج والذي سمي المزار بها، حيث يقود النبي موسى بني اسرائيل عبر صحراء سيناء بينما يطارده جيش فرعون. بالإضافة لقصص كل من آدم وحواء وفلك النبي نوح والنبي دانيال في جب الأسود والنبي يونس والحوت ومناظر أخرى من العهد القديم.
وتمتاز تلك المقابر بانتشار صور وايقونات تجسد قصة آدم وحواء بعد طردهما من الجنة عاريان ويمسح كل منهما دموعه بيد، ويخفي سوءته باليد الأخرى، و تصوير يعبر عن قصة وذبح ابنه وفداء الله له بكبش من السماء، و لوحة عن قصة سفينة نوح عليه السلام، ولوحة عن النبي دانيال والأسود حيث يقف و تحيط برأسه هالة وصور أسدان على يمينه ويساره وتوجد فوق المنظر حروف اسمه، ولوحة لعدة طيور منها الطاووس والعنقاء كتعبير عن السلام.
كما تنتشر كتابات وخطوط سجلها زوار البجوات على جدران تلك المزارات أثناء مرورهم بها، عن اخبار الزمان واهمها وقوع زلزال مدمر فى القاهرة ، ويبلغ مجموعها حوالي63 مخربشة، أكثرها مكتوب باللغة العربية في القرون السادس والسابع والثامن عشر لحجاج المغرب الذين كانوا يستخدمون درب الأربعين للوصول إلى الأراضي المقدسة فى مكة المكرمة ناحية ميناء عيذاب المطل على البحر الأحمر، وكانوا يكتبون داخل المزارات التى كسيت جيدا بالملاط أسمائهم حتى تخلد ذكراهم أو أبياتا شعرية أغلبها يعبر عن الموت وقليل منها غزل أومدح أو هجاء لأحد الأشخاص، كما كتبت بعض المخربشات باليونانية والقبطية.
البجوات إحدى أهم المعالم الأثرية بالوادى الجديد
المقابر تضم 263 مقبرة دينية
جانب من رسومات مقابر البجوات
جدران المقابر مبنية بالطوب اللبن
رسومات احد الاقبية بمقابر البجوات
كنيسة نادرة ضمن المقابر بالبجوات
مخربشات المقابر الأثرية
مخربشة تحكى خبر زلزال القاهرة
مزار الخروج بمقابر البجوات
مقابر البجوات تحكى قصة هروب القديسين