الحضارة المصرية القديمة حافلة بكم كبير من الأسرار لأنها كانت تتعامل مع كل ما يحيط بها وما يشكلها من إنسان أو نبات أو حيوان، كل يوم هناك دراسات وأبحاث تكشف جوانب من تلك الحضارة العظيمة، ومن ذلك ما يتعلق بفرس النهر ومكانته في الحضارة المصرية القديمة؟
ويقول كتاب "العبادة الحيوانية بين الدفن والرمزية فى مصر وبلاد الشام والعراق.. فى عصور ما قبل التاريخ" لـ زينب عبد التواب رياض:
كان فرس النهر من الحيوانات التي كان المصري القديم يعتمد على صيدها بكثرة منذ العصر الحجري الحديث — مرمدة بني سلامة — وفي عصرِ ما قبل وبداية الأسرات. ولوحظ انتشارُ بقايا فرس النهر في النصف الشمالي من مصر أكثرَ من نصفها الجنوبي، نظرًا لكثرة وجود مناطق المستنقعات بالدلتا عن مصر العليا، وبالرغم من ذلك فقد عُثر في بعض مناطق مصر العليا على بعض الهياكل العظمية لبعض الحيوانات، وكان فرس النهر من بينها، ومن ثَم فليس من المستبعَد أن يكون هذا الحيوان قد انتشر في مصر كلها، ثم اقتصر على منطقة الدلتا بسبب تغيُّر المناخ من ناحية، ومطاردة السكان له في الجنوب من ناحية أخرى.
ففي مرمدة ببني سلامة تكرَّر العثور على عظام فرس النهر وفي جبَّانة البداري، عُثر في المقبرة رقم ٥٧١٩ على دفنة كانت تغلِّفها الحيرة؛ إذ عُثر على طفل، وكان معه أجزاءٌ من عظام فرس النهر وقد زُوِّدت الدفنة ببعض المتاع الجنائزي.
وتكرَّر العثورُ على أجزاءٍ عظمية لفرس النهر في مختلف الجبَّانات المصرية إلا أنها لم تُصنَّف على أنها دفنات حيوانية، الشكل رقم ٧-٦٧. هذا، ومن المعروف أنَّ لفرس النهر دلالته الرمزية والدينية في العصور التاريخية بمصر القديمة؛ إذ كانت أنثى فرس النهر من أهم رموز الأمومة والخصوبة والحماية، بينما كان ذكر فرس النهر قد جسَّد القوة الفائقة، والصور المخيفة التي ترمز للشر، وكان ارتباطه بست قد ظهر منذ عصورِ ما قبل التاريخ، واعتُبر رمزًا من رموز الشر.