للمرة الرابعة خلال عام واحد، تكشف الرئاسة الفرنسية الستار عن تشكيلة حكومتها الجديدة برئاسة فرنسوا بايرو، وسط مخاوف جديدة بعدم قدرتها على الصمود.
وأشار قصر الإليزيه، إلى أن الحكومة جاءت عقب مشاورات مكثفة بين رئيس الوزراء الجديد بايرو والرئيس ماكرون، موضحا أن أول اجتماع للحكومة سيعقد فى 3 يناير.
وأعلنت الرئاسة الفرنسية بقاء وزير الخارجية جان نويل بارو فى منصبه الذى كان يشغله فى الحكومة السابقة ووزير الجيوش سيباستيان ليكورنو الذى يتولى هذه الحقيبة منذ 2022.
كما تم تعيين إريك لومبارد وزيرا للاقتصاد والمال والسيادة الصناعية والرقمية، فيما احتفظت آنى جنيفارد بحقيبة الزراعة.
وتميزت الحكومة بعودة رئيسى الوزراء السابقين إليزابيت بورن ومانويل فالس ليتسلما على التوالى وزارة التعليم ووزارة أقاليم ما وراء البحار، فيما كلف وزير الداخلية السابق جيرالد دارمانان حقيبة العدل.
كما احتفظ برونو ريتايو بوزارة الداخلية رغم شخصيته المثيرة للجدل، وبرر ذلك بجهوده فى مكافحة الجريمة والاتجار بالمخدرات والهجرة، وخاصة فى أرخبيل مايوت الفرنسي.
وكان رئيس الوزراء الفرنسى الجديد الوسطى فرنسوا بايرو، كلف بتشكيل الحكومة فى 13 ديسمبر بعد حجب الثقة عن سلفه ميشال بارنييه بمبادرة من اليسار وأقصى اليمين بعد 3 أشهر فقط على تكليفه.
وجرت مكالمات هاتفية، بين بايرو وماكرون قبل لقاء فى الإليزيه مساء الإثنين، بحسب ما كشفت أوساط الرئيس الفرنسي.
وجاء الكشف عن تشكيلة الحكومة فى نهاية يوم حداد وطنى أعلنه ماكرون على ضحايا إعصار "شيدو" الذى ألحق دمارا واسعا بأرخبيل مايوت الفرنسى فى المحيط الهندي.
وشهدت فرنسا دقيقة صمت على ضحايا الإعصار المقدّر عددهم بنحو 35 قتيلا و2500 جريح.
فرنسا تعيش أزمة سياسية وسط برلمان منقسم
وتعيش فرنسا أزمة سياسية منذ أن دعا ماكرون إلى انتخابات تشريعية مبكرة فى الصيف أفضت إلى برلمان منقسم بين 3 كتل متخاصمة لا تملك أى منها أغلبية مطلقة.
ويستطيع رئيس الوزراء الفرنسى الجديد فرانسوا بايرو، الكاثوليكى المتدين، على الأقل أن يقضى عيد الميلاد وهو يعلم أن مهمة تشكيل حكومته قد انتهت.
ولكن روح العيد لن تدوم طويلا، ففى ظل الشلل السياسى الذى أصاب فرنسا، وقدرتها على التوحد فى التصويت على عزل إدارة ماكرون، كما فعلت مع الإدارة السابقة فى وقت سابق من هذا الشهر، يبدو الفريق الجديد هشا بنفس القدر.
ويشكل هذا مشكلة ضخمة للرئيس إيمانويل ماكرون، الذى سيظل فى منصبه حتى عام 2027 ولكنه أصبح أقل شعبية على نحو متزايد ويرأس دولة بدأت تبدو غير قابلة للحكم، كما أنه يشكل مصدر قلق للاتحاد الأوروبى، الذى أصبح ثانى أكبر اقتصاد فيه ــ والذى كان يقود الكتلة تقليديا إلى الأمام ــ فى حالة جمود فعلى.
حكومة بايرو تنتظر مهام صعبة
وتتمثل الصعوبة الرئيسية فى أن حكومة بايرو، التى أعلن عنها يوم الاثنين، تشبه إلى حد كبير حكومة سلفه ميشيل بارنييه، فهى تتألف فى الغالب من نواب من الوسط والمحافظين فى أدوار رئيسية، على الرغم من أن مجموع القوى المعارضة لها ــ أقصى اليمين بزعامة مارين لوبان وتحالف يسارى شامل يسمى الجبهة الشعبية الجديدة ــ يشكل أغلبية فى البرلمان.
وخسرت إدارة بارنييه تصويتًا بحجب الثقة بعد أقل من ثلاثة أشهر من تعيينها، وبناءً على ردود الفعل الأولية من زعماء المعارضة، لا يوجد ما يضمن استمرار الإدارة الفرنسية الجديدة لفترة أطول.
المعارضة تنتقد الحكومة الفرنسية الجديدة
ووصف أوليفييه فورى، زعيم الحزب الاشتراكى من يسار الوسط، الحكومة الجديدة بأنها "استفزازية"، حيث يتولى اليمين المتشدد السلطة تحت أعين اليمين المتطرف، وانتقد رئيس التجمع الوطنى اليمينى المتطرف، جوردان بارديلا، الحكومة الجديدة ووصفها بأنها سخيفة، قائلًا أن بايرو "شكل ائتلاف الفشل".
وتعيش فرنسا حالة لا تسهل على رئيس الحكومة الجديدة مهامه، فهناك حالة الانقسام الشديد التى تعيشها السياسة الفرنسية، فقد أدى قرار ماكرون العشوائى بالدعوة إلى انتخابات مبكرة فى الصيف إلى برلمان معلق يتألف من ثلاث كتل متساوية تقريبا تعارض بعضها البعض ــ الأمر الذى يجعل من المستحيل بناء أغلبية.
وهناك أيضا الحاجة إلى إقرار ميزانية طال انتظارها لعام 2025 على الرغم من هذا التشرذم، وتواجه فرنسا ضغوطا لخفض عجزها الهائل ــ الفارق بين ما تنفقه الحكومة وما تجنيه من عائدات ــ والذى بلغ هذا العام 6.2% من الناتج المحلى الإجمالى للبلاد، وهو ضعف المستوى المسموح به بموجب قواعد الاتحاد الأوروبي.
كما اختار بايرو لمنصب وزير الاقتصاد والمالية المصرفى إريك لومبارد، الذى عمل فى بنك بى أن بى باريبا وأدار شركة التأمين العملاقة جنرالى قبل ترشيحه لقيادة صندوق الودائع والإيداعات القوى، الذراع الاستثمارى للدولة الفرنسية. وسوف يعمل مع الوزيرة أميلى دو مونتشالين، من معسكر ماكرون، التى ستتولى مسؤولية الميزانية على وجه التحديد.
وأدى سقوط بارنييه إلى رفض ميزانيته لعام 2025، الأمر الذى ترك فرنسا بدون قانون للميزانية قبل أيام فقط من الموعد النهائى فى نهاية العام.
فيما أقرت الحكومة المنتهية ولايتها ميزانية مؤقتة، والتى تنقل فعليًا ميزانية 2024 إلى عام 2025 لمنع إغلاق على غرار الولايات المتحدة فى يناير، لكنها لا تفعل شيئًا لتقليص عجز فرنسا.
وتأتى الضغوط على بايرو لكبح جماح العجز الفرنسى من الأسواق المالية والمفوضية الأوروبية، وتخضع فرنسا لإجراءات عجز مفرط فى بروكسل بسبب الإنفاق الزائد عن الحد فى العام الماضى، وكانت خطط بارنييه لتوفير 60 مليار يورو سنويا من خلال زيادات ضريبية وخفض الإنفاق سببا فى طمأنة المفوضية، ولكنها أثارت انتقادات من أحزاب المعارضة وأدت إلى سقوطه.
ووعد بايرو بإجراء تصويت على الميزانية الجديدة بحلول منتصف فبراير، وللقيام بذلك سوف يحتاج إلى إيجاد وسيلة لخفض العجز فى فرنسا دون إثارة غضب أحزاب المعارضة.
ولقد أخذت الأسواق المالية بعين الاعتبار الفوضى السياسية فى فرنسا. ففى وقت سابق من هذا الشهر، وبعد ساعات من تعيين بايرو، خفضت وكالة موديز للتصنيف الائتمانى التصنيف الائتمانى لفرنسا، مشيرة إلى "التشرذم السياسي" وتوقعت أن يستمر عجز فرنسا فى النمو العام المقبل بدلًا من الانخفاض كما وعد بارنييه.
14 يناير أول اختبار حقيقى أمام رئيس الحكومة الجديد
وسوف يواجه بايرو أول اختبار رئيسى فى الرابع عشر من يناير، عندما يلقى خطابه السياسى الافتتاحى أمام الجمعية الوطنية، ورغم أن رؤساء الوزراء الفرنسيين غير ملزمين بالسعى إلى الحصول على تصويت الثقة، فقد تعهدت حركة فرنسا المتمردة اليسارية بتقديم اقتراح بسحب الثقة إذا لم يفعل بايرو ذلك.
ويحتاج الاقتراح إلى دعم من الحزب الاشتراكى من يسار الوسط والتجمع الوطنى حتى يتم تمريره، وأبدى الاشتراكيون فى البداية استعدادهم للتعاون من أجل الاستقرار ولكنهم انتقدوا بايرو منذ ذلك الحين لرفضه تقديم تنازلات بشأن مطالب أساسية مثل تعليق إصلاح نظام التقاعد غير الشعبى الذى تم تطبيقه العام الماضى والذى رفع سن التقاعد من 62 إلى 64 عامًا.
وأشار التجمع الوطنى، إلى أنه لن يسعى على الفور إلى الإطاحة بالحكومة، مفضلًا انتظار مناقشات الميزانية. ومع ذلك، قدم حزب لوبان وعودًا مماثلة لبارنييه قبل أن ينقلب عليه فى النهاية، حتى بعد تأمين التنازلات، ولكن لا يزال أمام بايرو خيارات أخرى، فهو يدافع منذ فترة طويلة عن التمثيل النسبى، وهو الإصلاح الذى يدعمه كل من التجمع الوطنى واليسار، كما أظهر حزبه، الحركة الديمقراطية، انفتاحا على فرض ضرائب غير متوقعة على الشركات الكبرى، وهو مطلب شعبى من جانب المعارضة.
ولكن حتى الآن، شابت فترة ولايته العديد من الأخطاء والجدل بدلًا من بناء الائتلافات، فقد أظهر استطلاع للرأى أجرته مؤسسة إيفوب، ونشر يوم الأحد أنه رئيس الوزراء الأقل شعبية فى هذه المرحلة، الأمر الذى لم يمنح المعارضة أى سبب لدعمه.
وخاض رئيس الوزراء الجديد، زعيم حزب "موديم" الوسطى المتحالف مع حزب الرئيس ماكرون، مهمته فى ظل تدنى شعبيته إلى مستويات قياسية، بعدما أعرب 66% من أشخاص استطلعت آراءهم "ايفوب-لو جورنال دو ديمانش" عن استيائهم منه.
وسخرت رئيسة كتلة "فرنسا الأبية" (اليسار الراديكالي) فى البرلمان ماتيلد بانو على منصة إكس من حكومة مليئة بأشخاص تم رفضهم فى صناديق الاقتراع وساهموا فى انحدار بلدنا، مدعومة من مارين لوبان والتجمع الوطنى داعية من جديد إلى حجب الثقة عن الحكومة واستقالة ماكرون".