رسالة عيد الميلاد للروم الأرثوذكس: المسيح يدعونا لجعل السلام شأننا الشخصى

الخميس، 26 ديسمبر 2024 02:44 م
رسالة عيد الميلاد للروم الأرثوذكس: المسيح يدعونا لجعل السلام شأننا الشخصى ثيودروس الثانى بطريرك الإسكندرية وسائر أفريقيا للروم الأرثوذكس
كتب: محمد الأحمدي

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

نشرت الصفحة الرسمية للأنبا نيقولا أنطونيو، مطران طنطا والغربية للروم الأرثوذكس، ومتحدث الكنيسة الرسمى، ووكيلها للشؤون العربية، رسالة عيد الميلاد 2024 للبابا والبطريرك ثيودروس الثاني، بابا وبطريرك الإسكندرية وسائر أفريقيا.

وجاء فى رسالة عيد الميلاد المجيد: " أبنائى الأعزاء والمباركين، إن اليوم المهيب والمبهج لميلاد المسيح، يملأنا فرحًا ويحمل لنا رسالة السلام التي لا تقدر بثمن، التي رنمتها الملائكة في مزود بيت لحم الإلهي: "المجد لله في الأعالي وعلى الأرض السلام وعلى الأرض السلام،  وفي الناس والمسرة" (لوقا 2: 14). هذا اليوم، الذي فيه يتخذ ابن الله وكلمته جسدًا بشريًا ويدخل إلى العالم والتاريخ بصفته الله-الإنسان، هو يوم البهاء المقدس والخلاص.

وتابع البطريرك فى عظته: إنه اليوم الذى يلقى نور السلام الحقيقى فى قلوبنا، وهذا السلام ليس مجرد حالة خارجية أو هدنة مؤقتة، بل هو الإعلان الأعمق لحضور الله الخلاصي في العالم. "والكلمة صار جسداً وحل بيننا ورأينا مجده مجداً كما لوحيد من الآب مملوءاً نعمة وحقاً" (يوحنا 1: 1-18). من خلال التجسد، لا يكشف الله عن نفسه كخالق ومخلص فحسب، بل يدعونا إلى علاقة أعمق من الشركة والمشاركة فى حياته ذاتها.

والإنسان بعد أن يتطهر ويتجدد بالنعمة المخلصة، يصبح شريكًا في الطبيعة الإلهية ويسير نحو ملكوته الأبدى، وهكذا فإن ميلاد المسيح ليس حدثاً تاريخياً فحسب، بل هو أيضاً تحدي دائم للإنسان ليعيش ملء علاقته مع الله الآب والابن والروح القدس.

وتابع: إن السلام، بحسب كلمة إنجيلنا الحقة، يسير جنبًا إلى جنب مع العدالة وهو أساس شركة الإنسان مع الله ومع أخيه الإنسان. "لأن ملكوت الله ليس أكلاً وشربًا، بل هو بر وسلام وفرح في الروح القدس" (رومية 14: 17). إنها عطية النعمة الإلهية المقدمة للعالم من خلال تجسد ابن الله وكلمته.

ويعلن رسول الأمم بولس: "لأنه سلامنا" (أفسس 2: 14)، مؤكدًا أن السلام ليس أمرًا مجردًا، بل هو مسيحنا نفسه. إن السلام الذي يقدمه المسيح هو ثمرة المحبة والمصالحة، التي توحد العالمين وتشفي جراح البشرية. "لأنه هو سلامنا، الذي جعل الاثنين واحدا، ونقض حائط السياج المتوسط" (أفسس 2: 14).

ولكن السلام ليس أمرا مفروغا منه! إنها مهمة مستمرة وعمل فذ، يتطلب نضالًا يوميًا وتضحية شخصية ويقظة روحية. لكن سلام الله مقدم لكل واحد منا. يمكننا أن نتمتع به باستمرار ودون انقطاع: "تعالوا وانظروا"، كما يقول المسيح، "ذوقوا وانظروا ما أطيب الرب" (مز 33: 9).

السلام الحقيقي لا يقتصر على تجنب الصراعات أو التوقيع على اتفاقيات خارجية. إنه أولاً وقبل كل شىء استعادة علاقتنا مع الله وعندما نرى الآخرين كصور الله، عندها فقط يمكننا أن نتعايش بانسجام، ولهذا السبب عزز المسيح نفسه مفهوم السلام، ليس فقط كغفران خطايا أو هدنة خارجية، بل كسلام روحى يأتى من حضوره وخلاصه.

ويدعونا المسيح بتعليمه ومثاله إلى تنمية المحبة والغفران والحوار، ويدعونا لاختيار المقاومة اللاعنفية كموقف للحياة وحل خلافاتنا بطريقة تبنى الوحدة والمصالحة الكنيسة، كجسد المسيح، لديها الرسالة الإلهية لحمل رسالة السلام إلى كل ركن من أركان العالم. اليوم، خاصة، حيث تتزايد الصراعات وعدم المساواة، كنيستنا مدعوة لتكون منارة الرجاء والمحبة والمصالحة.

وذكر البطريرك فى رسالة عيد الميلاد: إننا نعيش فى زمن ملىء بالتوترات، حيث تهيمن أحيانًا الحروب والصراعات واللامبالاة تجاه كرامة الإنسان وحياة الإنسان نفسها، وكثيراً ما يسىء العالم الحديث فهم السلام، فينظر إليه باعتباره اتفاقاً خارجياً أو تفكيراً بالتمنى، علاوة على ذلك، فإنه غالبا ما يقدمها كأداة للتنفيذ، وقوة طاغية في أيدي الأقوياء فى هذا العالم، الذين يحاولون فرض إرادتهم من خلال إخضاع الضعفاء. وهذا الفهم المشوه يقوض جوهر السلام، ويجرده من عمقه الروحي، ويجعله وسيلة للسيطرة بدل الوحدة.

لكن سلام المسيح شىء أعمق فإنه السلام الذي ينبع من اتحاد الإنسان بالله. وليس الأمر مجرد غياب الصراع أو التسوية، بل المصالحة الداخلية بين الإنسان وخالقه، والتي بدورها تؤدي إلى المصالحة مع الآخرين ومع الخليقة كلها. هذا السلام هو أساس العدالة والحرية الحقيقية، سلام لا يهيمن بل يرفع، لا يفرق بل يوحد، ويتيح إمكانية مجتمع المحبة والحقيقة.

واليوم، يعاني عالمنا من صراعات مروعة وغير مقدسة، وبالإضافة إلى الحرب في الشرق الأوسط وأوكرانيا، فإن نيران الحرب مشتعلة أيضاً فى أفريقيا، ويعاني السودان من أعمال عدائية لا هوادة فيها، في حين لا تزال أفريقيا الوسطى والكونغو ومالي، فضلا عن بلدان الساحل الأخرى والصومال، تتعرض لاختبار الحرب الأهلية، مما يؤدي إلى نزوح الملايين من البشر وتدمير المجتمعات وحرمان أجيال من الأطفال من مستقبلهم.

وتعزز هذه الصراعات الإرهاب وإثارة الخوف والأصولية الدينية، وتلقي بالناس في هاوية الرعب وتسبب شعورا أكبر بالتهديد لسكان العالم، وفي الوقت نفسه الذي يتم فيه إنفاق مبالغ ضخمة من المال على المعدات الحربية والعمليات العسكرية وإعادة بناء مدن بأكملها متفق عليها مسبقاً، يموت الأخ الأفريقى كل يوم من أجل طبق من الطعام وكوب من الماء النظيف أو من أجل حبة الكينين ضد الملاريا القاتلة، لم يطور أي شيء لمواطنه قيمة عالمية، مما يدل على التناقض المأساوي في عالمنا. 

وقال فى عالمنا الحديث، الذي تمكن اليوم من الدراسة العلمية للكرة السماوية العميقة بلا حدود، لكنه لم يتمكن من التناغم مع الأوتار الدقيقة لروح أخيه الإنسان، أو أى من "جيرانه"، الذي يتلاشى عاجزًا تمامًا في عام 2024.

وتابع: هذه الصراعات لا تهم الشعوب المعنية فحسب، بل تهمنا أيضًا، لأنها تكشف عن عدم المساواة العالمية وعدم مبالاتنا بالتفويض الإلهي للمحبة والعدالة. وُلِد المسيح، "رئيس السلام" (إشعياء 9: 6)، ووُلد في المذود من أجل خلاصنا، ويدعونا إلى جعل السلام شأننا الشخصى، عندما نختبر السلام داخل أنفسنا، فإنه ينتشر إلى من حولنا، ويغير المجتمعات وينتقل من القلب إلى القلب، مما يخلق سلسلة من الحب والمصالحة.

وهذا السلام ليس مجرد تجربة فردية، بل هو عملية جماعية توحد الناس في هدف مشترك: بناء عالم من العدالة والسلام والأخوة الحقيقية. عندما تفيض قلوبنا بسلام المسيح، ينتعش المجتمع كله ويولد من جديد. فهو يبتعد عن قوى الكراهية والعنف المظلمة، ويمهد في الوقت نفسه الطريق أمام التعايش السلمي الحقيقي.
يبدأ السلام في قلوبنا! وبدون السلام الداخلي لا يمكن أن يكون هناك سلام خارجى، لذلك دعونا نتأمل في مدى إخلاصنا في اختبار سلام مسيحنا وكم ننقله إلى العالم من حولنا. ويحثنا الرسول بولس: "اتبعوا السلام مع الجميع، والقداسة التي بدونها لن يرى أحد الرب" (عب 12: 14).

واختتم رسالته: لا يقتصر سلام المسيح على المناسبات الاحتفالية أو لحظات الارتقاء الروحي، بل يدعو كل مسيحي إلى جعله أسلوب حياة دائمًا، وإنها دعوة دائمة للعيش بإيمان ومحبة وتواضع، جاعلين من كل يوم من أيامنا شهادة حية للنور الإلهي الأبدي. بهذه الطريقة، يصبح سلام المسيح تيارًا مستمرًا للحياة، يجدد عالمنا ويغير العلاقات البشرية، ويحمل الرجاء والبركة في كل عصر وفي كل مناسبة. الآن العالم كله، كوكبنا، يحتاج إلى السلام! السلام في المقام الأول، لمواصلة الحفاظ على الحياة نفسها!







مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة