قال الدكتور حمد بن عبد العزيز الكوّارى، إن جائزة الشيخ حمد للترجمة والتفاهم الدّولى ليست "مجرّد حدث عابر فى سماء الثقافة العربيّة بقدر ما هى انتصارٌ آخر للشخصيّة العربيّة التى لا ترى فى هويّتها القوميّة انغلاقاً على الذّات رغم ما تعانيه من عداءٍ معلنٍ ومُبطّن فى الخطاب الثقافى الغربى".
وأضاف، فى ندوة أقيمت بالتعاون مع المركز القطرى للصحافة فى الدوحة تحت عنوان "عقد من الإنجاز" احتفاءً بجائزة الشيخ حمد للترجمة والتفاهم الدولى، أن الاستمرار فى هذا المشروع/ المبادرة "من أبرز تجليات ديناميكيّة الشخصيّة العربيّة المعاصرة، وأحد عوامل تجدّدها، لا سيما وهى تجعلُ من اللّغة العربيّة لغةً مُحاورة للغات العالم".
وتابع الكوّارى فى مداخلته التى حملت عنوان "الترجمة بوصلةُ الاستئناف الحضارى" قائلاً: "عندما نتحدّث عن (الاستئناف الحضارى) فإنّنا نقرُّ بوجود مقوّمات لهذا الاستئناف، وهى مقوّمات موضوعيّة، وإن كانت متشابكة مع ما هو ذاتي، فلو لم يكن الشيخ حمد بن خليفة مؤمنًا بدور الترجمة في إحداث التغيير الثقافي وبناء علاقات دوليّة متجدّدة وندّية مع العالم، لَما كانت الترجمة جزءاً من هذه المقوّمات. فالعامل الذّاتي مهمّ في أيّ مشروع حضاري... ولا معنى للمشاريع التي تولدُ دونَ رغبة ذاتية في إنمائها، وكلّما كانَت للمشاريع إرادة ذاتيّة تتحلّى بالإيمان العميق برسالتها فإنّها تثبتُ في تُربة الواقع وتينعُ وتكبرُ مثل شجرة وارفة للمعرفة".
وأكد أن ما تُقدّمة الجائزة للثقافة العربيّة "القدرة على بناء الجسور وليسَ بناء الجدران"، وأن الترجمة تاريخياً "من لبناتِ هذه الجسور التي عرفتها الحضارات القديمة، وتَعهّدتها الحضارة العربيّة الإسلاميّة في أزهى فتراتها"، مشيراً إلى أن هذه الحضارة "شهدت أبدع لحظاتها حين تحوّلت الترجمة إلى رهان مهم من رهانات الدّولة العباسيّة"، وأن المسلمين في الأندلس اهتمّوا "بترجمة الكتب والمؤلّفات العربيّة إلى اللّغة اللاّتينيّة والقشتاليّة حتّى عُدّت الأندلس مركزاً من مراكز الترجمة".
وأوضح الكوّاري: "في هذه السياقات الحضاريّة المختلفة ظلّ (بيت الحكمة) مثلَ المرجعيّة في الذاكرة الجماعيّة للمثقفين العرب، حتّى إّننا اخترنا في عام 2010 رمز (بيت الحكمة) في بغداد في أوج الخلافة العباسية، ليكون موضوع حفل (الدوحة عاصمة للثقافة العربية)، ومنذ ذلك الوقت كان الحلم المشروع لاستئناف حركة الترجمة العربيّة في صميم فكر ووجدان الشيخ حمد بن خليفة، لهذا لا نستطيع ونحن نستذكرُ المحطّات المضيئة للترجمة في تاريخنا ألّا نصنّف هذه الجائزة ضمن حلقات هذا التاريخ".
وبيّن الكوّاري أنّ من الإنصاف وضع جائزة الشيخ حمد للترجمة في صدارة المشروع الثقافي العربي، "بعيدًا عن حالة التأزّم التي يعشها جزء من النخب الثقافيّة العربيّة التي انجرّ بعضها إلى تبخيس الذّات وإشاعة اليأس من إحداث التحولات بدل زرع الأمل"، مضيفاً: "هكذا تعطينا الجائزة باستمرار وتيرتها ونجاحها من نسخة إلى أخرى على أمل إحداث نقلة نوعيّة في تفكيرنا الثقافي ورؤيتنا المتجدّدة للثقافات الأخرى كلّما قامت الجائزة بتوسيع دائرة اللغات التي يترجَم منها وإليها".
ورأى الكوّاري في تغطية 37 لغة حول العالم على مدار عشر سنوات من عمر الجائزة، توسيعاً لنطاق التفاعل الثقافي، لأنّ التّواصل بين الثقافات "يتجاوز المعرفة اللغويّة"، فاللغة بحسب تعبيره "ليست غير جزء من قمّة جبل الجليد المغمور"، والترجمة ليست "مجرّد امتلاك للغة أخرى ونقل ما تعبّر عنه من معارف الآخرين"، فقد "يكونُ ذلك بُعداً من أبعادها، لكنّه ليسَ رسالتها العريقة".
ووصف الكوّاري المترجمين بـ "الأبطال المجهولين"، مضيفاً أن بطولتهم "لا تقل عن بطولة الجنود في الميدان"، لذلك "تسعى الجائزة لتكريمهم وتقدير دورهم في التعارف بين الشعوب ونقل المعرفة بين الحضارات، ومد قنوات التواصل بين الأمم".. كما أعادت الجائزة "المكانة الاعتباريّة" للمترجم ووفّرت له البيئة الإبداعيّة التي تدفعه نحو المساهمة في المشروع الحضاري.
وبيّن أن الجائزة أصبحت "حاضنة للمترجمين وداعمة لهم"، وأن المترجمين "أصبحوا لها سفراء في كلّ مكان في العالم"، فمثّلت الجائزة بذلك "سياقًا ثقافياً عربياً جديداً للمترجمين المتمسّكين بالتزامهم التاريخي لأجل نقل المعارف للأجيال بأمانة ومسؤولية".
وأوضح الكوّاري أن الجائزة تؤكد مكانة اللغة العربية وتأثيرها كلغة حية متطورة قادرة على التفاعل مع تحديات العصر والمساهمة في التطور الفكري والعلمي في القرن الحادي والعشرين، وأنه لا يُمكن الحديث عن استئناف حضاري دونَ تأكيد حضور اللغة العربيّة وتجديدها، وأنّ الجائزة تُساهم في هذا التجدّد الذي تعيشه اللغة العربيّة وهيَ تنقلُ آداب وعلوم الأمم الأخرى، وبذلك "تكون لغتنا معاصرة لأحوال معاشنا، ومعبّرة عن ذلك التفاعل الدّائم مع منتجات الحضارة الإنسانيّة... فهي ليست لغة الماضي المجيد فحسب، بل هي لغة الحاضر والمستقبل وتحمل في طياتها قدرةً لا متناهية على الإبداع والتجديد".
وأكّد الكواري قدرة الجائزة على أن تكون "شعاع ضوءٍ في درب الثقافة العربيّة التي باتت في أمسّ الحاجة إلى الوعي بشروط نهضتها"، وأن الترجمة هي "القنديل المنير لمستقبل حضارتنا، بما تضخّه من معارف معاصرة في عروق ثقافتنا فتتجدّد وتتقدّم".
بدورها، قالت الدكتورة حنان الفياض، الناطق الرسمي والمستشار الإعلامي للجائزة، إن هذه المبادرة التي أطلقتها دولة قطر في عام 2015، هدفت إلى تحقيق الدعم الموجه والمستدام لعملية الترجمة بين اللغة العربية وأكبر عدد ممكن من اللغات العالمية، ومكافأة ودعم جهود الأفراد والمؤسسات التي تعمل على تقريب وجهات النظر وتبديد المغالطات والرؤى النمطية الخاطئة بين الشعوب، مشيرة إلى أن الجائزة بعد سنوات قليلة من انطلاقها، أصبحت "أهم وأكبر جائزة ترجمة في العالم من اللغة العربية وإليها، من حيث القدر والتأثير والقيمة".
وأوضحت حنان الفياض أن الجائزة تسعى إلى تكريم المترجمين وتقدير دورهم في تمتين أواصر التفاهم بين أمم العالم وشعوبه، كما ترمي إلى الحفاظ على اللغة العربية كجسر تواصل بين الثقافات العربية وباقي ثقافات العالم، ودعم عملية الترجمة والارتقاء بها كأداة فعالة للمثاقفة بين الشعوب.
ولفتت حنان الفياض إلى أن للجائزة مجلس أمناء ولجان تحكيم دولية مستقلة وطواقم تنفيذ حرفية، موضحة أن فئة "الكتب المفردة" تختص بالترجمات الفردية المميزة، سواء من اللغة العربية أو إليها، وذلك ضمن اللغات الرئيسة المختارة في هذه الفئة كل دورة، أما "فئة الإنجاز" فتختص بتكريم الجهود طويلة الأمد المبذولة من قِبل الأفراد والمؤسسات في مجال الترجمة من اللغة العربية أو إليها، وأن الجائزة لهذه الفئة تُمنَح بناء على مجموعة أعمال تم إنجازها في مجال الترجمة من اللغة العربية أو إليها ساهمت في إثراء التواصل الثقافي والمعرفي.
واستعرضت حنان الفياض من خلال عرضٍ مرئيّ حمل عنوان "من العربية إلى البشرية"، الزيارات والجولات التي قام بها الفريق الإعلامي للجائزة في دول العالم ومنها: الهند، وباكستان، وزنجبار، ونيجيريا، وكازخستان، وبلغاريا، وهنغاريا، وفرنسا، وإسبانيا، وروسيا، وبريطانيا، وألمانيا، والمكسيك، والكويت، وعُمان، والأردن، ومصر، والمغرب، والصومال. كما استعرضت الندوات التي عقدتها الجائزة سواء الحضورية منها أو تلك التي عن بُعد، وكذلك الأخبار التي تناولت الجائزة ومسيرتها وإنجازاتها بلغاتٍ عدة في أبرز الصحف العالمية، وكذلك أهم المقابلات التلفزيونية التي كُرست للتعريف بالجائزة وفئاتها واللغات المستهدفة فيها سنوياً.
وبينت حنان الفياض أن الجائزة عبر عشر سنوات تلقّت مشاركات من 48 بلداً، شملت 37 لغة رئيسية وفرعية اختير عدد منها مرتين، وهي: الإنجليزية (ثابتة كل سنة)، والتركية، والإسبانية، والفرنسية، والألمانية، والروسية، والفارسية، والصينية، والإيطالية، وباهاسا أندونيسيا، والباشتو، والهولندية، والبلغارية، والبلوشية، والأوردو، والماليالامية، والبنغالية، والأمهرية، والكازاخية، والصومالية، والتترية، واليابانية، والبرتغالية، والسويدية، والرومانية، والسندية، والهنغارية، والملايو، والبوسنية، والكورية، واليونانية الحديثة، والسواحلية، ويورُبا، والأوزبكية، والهاوسا، والفيتنامية، بالإضافة إلى العربية التي استهدفت الجائزة على مدار دوراتها تكريم جهود الترجمة إليها.
وأوضحت حنان الفياض أن عدد الفائزين بالجائزة منذ انطلاقتها بلغ 214 فائزاً من الأفراد والمؤسسات المعروفة بخدمة اللغة العربية وترجمة الثقافات العالمية، وأن عدد المؤسسات الفائزة بالجائزة بلغ 27، بينما بلغ عدد الفائزين الأفراد 187؛ توزعوا على 157 من الذكور و30 من الإناث.
وبيّنت حنان الفياض قيمة تنوع اللغات المطروحة في كل دورة، وأشارت إلى المهنية والشفافية التي تتمتع بها لجان الجائزة؛ مما أكسب الجائزة التي يبلغ مجموع جوائزها مليوني دولار أمريكي مصداقية عالية في الأوساط الثقافية العالمية.