عادل السنهورى

زلات لسان وهفوات شيرين عبد الوهاب.. الفنان والمثقفون

الجمعة، 06 ديسمبر 2024 12:45 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

فى علم النفس تنسب زلات اللسان إلى مؤسس علم التحليل النفسى النمساوى الشهير سيجموند فرويد، وهو أول من فسرها بأن العقل الباطن يترجم أفكاره على الفور فى هيئة عبارات وألفاظ تفضح نيات الشخص السرية، وهو يسمى اختصارا أيضا "الاضطراب الكلامي".

الزلات ربما تعتبر أمرا عاديا للأشخاص العاديين ولكنها بالنسبة للسياسيين والمشاهير ورجال الدولة ورموز المجتمع خاصة من الفنانين تصبح قضية رأى عام..!

الناس فى مصر والعالم العربى منشغلة هذه الأيام بزلة لسان أو هفوة الفنانة الموهوبة شيرين عبد الوهاب على هامش حفل أقيم نهاية نوفمبر الكويت فى دولة الكويت الشقيقة، وأثارت جدلا واسعا بعد حديثها عن الملحن الراحل محمد رحيم وقولها للجمهور "محمد رحيم عمل لى أغنيات حلوة كتير، منها مشاعر وصبرى قليل والوتر الحساس، ممكن تقرأوا له الفاتحة كلنا عشان تبقى سيئة جارية".

نقابة المهن الموسيقية أصدرت بيانا على لسان النقيب الفنان مصطفى كامل، معتبرا ما حدث من شيرين عبد الوهاب هذه المرة لا يُعد إلا عبثاً واستهتاراً بكل القيم الدينية والمجتمعية والإنسانية والفنية.

هفوات وزلات لسان شيرين تكررت كثيرا فى السنوات الأخيرة وكان له تأثيرا سلبيا على شعبيتها وموقف جمهورها منها، وألحق بها الضرر على المستوى الفنى رغم موهبتها التى لا تناقش ولا يشكك فيها أحد. ففى مارس منذ 5 سنوات وفى حفلة البحرين تحدثت بكلام على المسرح أمام جمهورها هناك بأريحية، بعكس مصر، "إذ من الممكن أن تتعرض للسجن"، وفى حفل آخر بالمملكة العربية السعودية أساءت فيه إلى المصريات، مما أدى بقطاع ليس بالقليل من جمهورها إلى تدشين هاشتاج بعنوان "اخرسى يا شيرين"، إضافة إلى اتهامات متوالية بالإساءة إلى سمعة مصر، مما ترتب عليه التحقيق معها فى نقابة المهن الموسيقية، وإيقافها عن الغناء أكثر من مرة.

هفواتها الكثيرة أيضا تسببت فى أزمات فنية لها، مثل اتهاماتها المتعددة للموسيقار الراحل حسن أبو السعود، سواء فى حياته أو بعد مماته، فقد سخرت من وزنه الزائد، كما وصفت عمرو دياب بأنه فنان "راحت عليه"، أى أصبح كبيراً بالعمر وغير مؤثر فى الوسط الفني. وحذرت أحد حضور حفلاتها من الشرب من ماء النيل على غرار أغنيتها "ماشربتش من نيلها" تخوفا من إصابته بالبلهارسيا.

كما وصفت النساء اللاتى يرفضن الزواج فى سن مبكرة بـ"العوانس"، ومن ضمن كلماتها الارتجالية أيضا "أنا خسارة فى مصر"، وتحدثت عن دولة تونس بالقول إن ابنتها تخطئ بها، وتعتقد أنها تنطق "بقدونس".

الهفوات ترتب عليها التحقيق معها فى نقابة المهن الموسيقية وإيقافها عن الغناء أكثر من مرة حتى رأى بعض النقاد أنها استنزفت كثيراً من فرصها مع الجمهور، ولا تزال تواصل الظهور بالبرامج والإدلاء بتصريحات تسبب مشكلات كبيرة لها ولعائلتها.

عموما شيرين ليست وحدها فى تلك الهفوات وإن تكررت وكثرت زلات لسانها، فهناك هفوات أحمد الفيشاوى ومحمد رمضان وغادة عبد الرازق وأحمد سعد وسمية الخشاب وعمرو دياب نفسه، وهو الأمر الذى يجعلنا نطرح بعض الأسئلة، منها هل الفنانات والفنانون لا يدركون أنهم أصبحوا قدوة لملايين الناس المعجبة بهم وتستمع إليهم وكل كلمة وتصرف محسوب عليهم أو لهم؟، وهذه المواقف من فنانى الجيل الحالى وربما الجيل السابق إلا قليلا جدا منهم (محمد منير ومدحت صالح وعلى الحجار من هذا القليل)، تطرح مسألة مهمة للغاية وهى نوعية المحيطين بالنجوم من الأصحاب والأصدقاء الذين يربونه فكريا وسلوكيا.

السؤال المهم الآخر أيضا هو هل يقرأ فنانو الجيل الحالي؟ وما نوع هذه القراءة والاطلاع حتى تتشكل لديهم رؤى خاصة فى قضايا المجتمع المحيط بهم بما يؤثر إيجابيا بصقل الموهبة والشخصية الفنية لهم؟

فالفنان ليس مجرد صوت أو أداء تمثيلى فقط وإنما هو مؤسسة إنسانية فى حد ذاته من خلال تكوينه النفسى والفكرى والثقافى، ومن حيث طبيعة علاقاته خارج عمله الفنى، وهذه المؤسسة ملك لمعجبيه ومحبيه، وأضرب هنا مثلا بالزعيم الفنان المبدع عادل إمام، الذى ما زال يتربع على عرش السينما والدراما منذ أكثر من نصف قرن -أطال الله فى عمره- فقد تبناه كبار الأساتذة فى الفن والأدب وتربى فى وسطهم وعلى أيديهم، أمثال الراحل فؤاد المهندس وفطين عبدالوهاب والمفكر الكبير الراحل رجاء النقاش ثم امتدت علاقاته وصولا إلى الاستاذ الراحل محمد حسنين هيكل.. وما أعرفه عنه حبه ونهمه للقراءة فى شتى العلوم الإنسانية.. ولولا ذلك ما بقى واستمر عادل إمام الزعيم فنانا وإنسانا.

نجومنا وعمالقة الفن القدامى أيضا لم يكونوا مجرد أصوات تؤدى أو تغنى لحنا على المسرح فقط وانما كانوا مؤسسات ثقافية وإنسانية تتحرك على قدمين .. فيكفى أن نذكر فقط علاقة الموسيقار محمد عبدالوهاب بأمير الشعراء أحمد شوقي. أما أم كلثوم فالمؤرخون الموسيقيون وغيرهم يعتبرونها "ملكة الثقافة المصرية"، ويراها الملايين فى أنحاء العالم رمزا للثقافتين المصرية والعربية الحديثتين، وأطلقت عليها الباحثة الأمريكية فرجينيا دنيالسون "صوت الأمة"، وتوّجها محبوها بألقاب مثل "كوكب الشرق"، و"الست"، و"الهرم الرابع"، وسمّى الآباء بناتهم على اسمها. واستقبلها رؤساء وملوك فى رحلاتها الخارجية.

أما العندليب عبد الحليم حافظ فكما نشر عنه من خلال حواراته وعلاقاته فقد كان قارئا نهما ومثقفا مهتما أيضا بالقراءة فى الصباح والمساء ساعة أو ساعتين يوميا، كما عرف عنه أنه كان يمتلك حسا نقديا عاليا، يتحدث الأدباء عنه ويسهبون فى التعليق على إبداعه لكنه أيضا صاحب رأى ينم عن ثقافة تأسست من علاقته القوية بعمالقة الأدب فى عصره. وصاحب صداقات متنوعة ومتعددة فى الوسط الصحفى والفنى والسياسى.

كان حليم يمتلك مكتبة كبيرة داخل منزله بالزمالك، كان يفضل قراءة نجيب محفوظ ويوسف إدريس ويوسف السباعى ومصطفى محمود وأنيس منصور وتولستوى فى الأدب الروسي. اقترب من الكاتب محمد حسنين هيكل، يزوره فى مكتبه ويجلس إليه مستمعا يصغى ويتعلم.

استفاد عبد الحليم حافظ من صداقة نجوم الصحافة والثقافة فى زمنه، وتشرب أفكارهم فأخذ من إحسان عبد القدوس نبض العصر، وأحمد بهاء الدين أهداه كيفية التفكير ويهديه كتبا يتفاعل معها، أما فتحى غانم فقد أعطاه النصح المخلص، وحسن فؤاد أعطاه الأمل والتفاؤل.

حتى الفنان الجميل محمد رشدى والذى بزغ نجمه الفنى مع بداية ثورة يوليو، فقد التقطه المثقفون فى زمنه أمثال رجاء النقاش وإحسان عبد القدوس ومحمد جلال، كان يجرى إعداد رشدى من قبل مثقفى الستينيات، ليكون ممثلهم بعد أحداث الثورة. ربما كان ذلك نابعا من إيمانهم أنه الصوت الأفضل لتمثيل المصريين، والأنسب للمرحلة وما فيها من شعارات الثورة، الحرية والمساواة والعدل.

وفى لقاءاته الصحفية يتحدث عن تلك الفترة بشكل أكثر صراحة، ويذكر أسماء من قاموا بتوجيهه، كإحسان عبدالقدوس ورجاء النقاش، حيث أقنعوه أنه مطرب هذه المرحلة، متعللين بأن المرحلة جديدة سياسيا واجتماعيا وتحتاج لشكل أغنية جديد، حاول رشدى الانسياق لدوره المتخيَّل، وبدأ يقرأ روايات وكتب أدبية وثقافية، كى يواكب هذه المرحلة الجديدة التى لا يعلم عن أبعادها شيئا، غير محاولته مطاردة النجاح.

هكذا عاش هؤلاء حتى بعد مماتهم نجوما زاهرة متألقة.. وأصبحوا أيقونات فنية تعبر عن مجتمع اختلط فيه الفنان بالمثقف وبالقراءة والاطلاع والتكوين النفسى والمعرفي.. فتحول الى مؤسسة وليس فنانا فقط، يعرف قيمة الكلمة وقدر التصرف.

القضية ليس قضية هفوات أو زلات لسان، فهى قضية غاية فى الأهمية.. فالفنان له رسالة اجتماعية وفنية وأخلاقية إذا لم يحافظ على نفسه وعلى فنه وموهبته وصونها بالثقافة والمثقفين فسوف ينتهى سريعا وتنتهى سيرته مهما كانت موهبته.







مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة