منذ بداية ظهور الإسلام، وهو يتَّسِم بالسماحة والرُقِيّ، ففى البحث فى آيات القرآن الكريم، ستجد آيات تتحدث عن المساواة بين الرجل والمرأة فى الأجر، كقوله تعالى فى سورة النساء: "ومَن يعملْ من الصالحات من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فأولئك يدخلون الجنة..."، وهناك آيات أخرى تتحدث عن النساء الصالحات، كقوله تعالى في سورة التحريم: "وضرب الله مثلاً للذين آمنوا امرأة فرعون إذ قالت ربِ ابنِ لي عندك بيتًا في الجنة...".
وقد ساوى الله بينهم في الرزق، قال تعالى في سورة النساء: "ولا تتمنَّوْا ما فضَّل الله به بعضكم على بعض، للرجل نصيب مِمّا اكتسبوا وللنساء نصيب مِمّا اكتسبْن..." وفي السُنّة، سنجد أنَّ الرسول صلى الله عليه وسلم، أوصى بالنساء خيرًا.
قال صلى الله عليه وسلم: "استوصوا بالنساء خيرًا"، كما شجَّع الإسلام على عمل المرأة، ووضع لهنَّ الشروط، التي تُساعِدها في ذلك، فهل لك أن تتخيَّل عزيزي القارئ، أنَّ المرأة كانت تُداوي جرحى المسلمين في الغزوات؟، وهذا ما سنعرضه في هذا التقرير.
كانت رفيدة الأسلمية -رضي الله عنها- من أوائل الممرضات والطبيبات في صدر الإسلام، ولدت في المدينة المنورة، وهي ابنة سعد الأسلميِّ الخزرجيِّ، أمهر طبيب في المدينة، وقد ورثت منه ابنته الطب، وشغُفت لتعلمها واكتساب المعرفة فيها، وهي من المبايعين للرسول صلى الله عليه وسلم، بعد هجرته إلى المدينة.
بعد غزوة بدر، عاد المسلمون فرحين بانتصارهم الأول على كفار قريش، لكنهم كانوا يُعانون من بعض الجراح، التي احتاجت للعلاج والرعاية، فتطوعت رفيدة لمعالجة المصابين من الصحابة، ونصبت خيمة في المسجد، لرعاية ومواساة الجرحى، الذين لا أهل لهم ولا مأوى، وبقيت معهم حتى كتب الله لهم الشفاء.
وفي أُحُد، ظهرت من جديد لتُداوي الجرحى وتعاون في إسعافهم، واستمرت تشارك في جميع الغزوات، وترافق الجنود بخيمتها وأدواتها الطبية، بل إنها كانت تقتحم المعركة ببسالة، لتنتشل الجرحى، وتعمل على إسعافهم، حتى لقّبها الرسول صلى الله عليه وسلم بالفدائية ولم تكتفِ بنفسها في هذا العمل، بل كوَّنت فريقًا من الفتيات والسيدات، ودربتهنَّ على التمريض، وكُنَّ يعاونَّها على إسعاف الجرحى وفي غزوة الخدنق، استعان بها الرسول صلى الله عليه وسلم، لعلاج سعد بن معاذ.
بعد إصابته بسهم في ذراعه، وبعد محاولات من إيقاف النزيف بكل الطرق، لجأت رفيدة إلى كيِّ الجرح.. أما في خيبر، فقد أبلَت رفيدة وفريقها بلاءً حسنًا،لذا أهداهنّ الرسول صلى الله عليه وسلم قلادة شرف، زادتهنَّ فخرًا بما يفعلن، فاحتفظن بها، وكُنَّ يوصين بدفنها معهن في قبوررهنّ وفي كلِّ الغزوات التي شاركت فيها، كان الرسول يفرض لها من الغنائم، كما يُفرض للرجال أما في السلِم، فقد كانت تُواسي المرضى والمعاقين، وتسهر على راحتهم وقد أنفقت ثروتها لعلاج أهل المدينة، في السلم والحرب.