يبدو التاريخ السورى القديم ملئ بالحكايات والأساطير، إذ عرفت حضارة بلاد ما بين النهرين وجود حضارات قديمة، وشهدت واحدة من أولى حضارات التاريخ، وكانت المركز والموطن والمنطلق في العديد من الحضارات التي أعطت للعالم وللغرب خاصة الكثير من الفن والحضارة، أساطير مثل بداية الخلق، والغيب والقدر، والجن والعفاريت، والغِيلان والسحالي، و"النداهات"، وسكان العالم السفلي، ولعل الملاحظ في تلك القصص هو وجود أساسًا أسطوريا وفولكلوريا عقائديا ولاهوتيا مشتركًا لأغلب الشعوب العربية، منذ أكثر من ألفي عام ق.م، سواء فيما بين النهرين أو في الجزيرة العربية والشام ولبنان وفلسطين. ومن الأساطير الشهيرة في التاريخ السوري:
أسطورة أوروبا
قد ذكر القصة الشاعر الإسكندري موسيخوس قبل 1800 عام، وتقول الأسطورة إن ملك سوري فينيقي إسمه أجينور، من "صيدا" (صيدون) الواقعة وسط صدر "البحر المتوسط" كان يحكم فينيقيا، والده بوسيدون إله البحار وأمه ليبيا، والتي أعطت إسمها لقارة إفريقيا، فيما بعد، ولملك "صور" "أوجينور" (أوشنار) أولاد ثلاثة هم: "فينيقوس، وقدموس، وكيليكوس"، (وهي أسماء ثلاث مناطق سورية)، وفتاة رائعة الجمال واحدة اسمها "أوروبا"، وفي دمها روح إلهية.
ووفقا لـ "معجم الأساطير اليونانية" فأن "أوروبا" كانت ترغب في اكتشاف أرض جديدة، وهكذا بدأت رحلتها نحو القارة العجوز، لتكشف عن أرض أو قارة لم يكن يطلق عليها اسم من قبل، فسميت "أوروبا" تكريماً لها، وتكمل الأسطورة عن تلك الأميرة التي انتقلت من بلادها بصورة الإلهة المكتملة، إلى عالم لم يكن معروفاً، وتزوجت وأنجبت من زوجها "زيوس" أولاداً حكم كل منهم مدينة بعد ذلك.
وحمل الإغريق هذه العقيدة دائماً بأن سوريا هي موطن إسم أوروبا ومهدها وإليها ترنو أنظارهم وعندما جاؤوا مع الإسكندر المقدوني إلى سوريا في القرن الثالث قبل الميلاد، كان لسورية الكثير من القداسة في نفوسهم، فأنشأوا مدينة أطلقوا عليها مدينة أوربا، وهي التي يطلق عليها اليوم الصالحية، أو صالحية الفرات، في دير الزور شرق سوريا.
أسطورة أدبا
تروي الأسطورة قصة أدَبا/آدابا، الإنسان العاقل الحكيم الذي كان يُقيم في مدينة إريدو، مدينة إيا إله الحكمة، إله المياه الذي علَّم الإنسان علوم الحياة؛ لكن بخطأٍ من إيا ومن طاعةٍ عمياء من أدَبا مما أدى إلى فقد الإنسان الحياة الخالدة التي أراد أن يمنحها له الإله آنو إله السماء.
وقد ذكر في الأسطورة بأن أدبا الإنسان الذي خلقه الإله ليحكم جنس البشر كان ملكا على مدينة إريدو وفي إحدى الأيام تسببت الريح بوقوع أدبا من قاربه إلى أعماق البحر، الأمر الذي جعله يلعن الريح التي أوقعته مما تسبب بتوقف هبوبها الأمر الذي أثار فيما بعد غضب الإله آنو وجعله يقرر قتل أدبا ولكن أدبا وبمساعدة من إيا استطاع أن يدخل إلى حرم الإله آنو الأمر الذي حال دون قتل آنو لأدبا ونتيجة لنصيحة كان قد قدمها له الإله إيا رفض أدبا تناول الطعام الذي قدمه له إياه الإله آنو ظنا منه بأن هذا الطعام هو طعام الموت ومفوتا بذلك على نفسه فرصة الخلود إذ أن الطعام المقدم كان طعام الحياة الأبدية.
أسطورة بيت الآلهة
يقول "فراس سواح" فى كتابه "يبدو أن بناء البيت للآلهة هو أمر ضرورى بعد ارتفاع شأنه وعلو مقامه، وبعد البيت يأتى بناء مدينة الآلهة أيضا. فهذا مردوخ إله بابل، يبنى له الآلهة بيتا يناطح برجه المدرج عنان السماء، بعد انتهائه من فعل الخلق. وحول الهيكل المقدس يبنى الآلهة أيضا مدينة بابل، وها هو "بعل" إله سوريا، يطالب ببناء بيت له بعد أن تغلب على المياه الأولى ممثلة بالإله "يم" وعلى قوى الشر والقحط الممثلة بالإله "موت" فيكون له ما أراد.
ويذهب فراس سواح إلى أن "إله اليهود" قلد ذلك فطالب ببناء بيت له بعد أن تعب من التجوال فى خيمة بنى إسرائيل، فنقرأ فى سفر صموئيل الثانى من العهد القديم 7: 3 و"فى تلك الليلة كان كلام الرب إلى ناثان قائلا. اذهب وقل لعبدى داود، هكذا قال الرب، أنت تبنى لى بيتا لسكناى. لأننى لم أسكن فى بيت منذ أصعدت بنى إسرائيل من مصر، بل كنت أسير فى خيمة".
أسطورة الطوفان
وُجِدَت الأسطورة السومرية منقوشةً على رقيمٍ فخاريٍّ مكسور وكثير التشوُّه، ولكن الأسطر القليلة الباقية من النص كافية لاطلاعنا على الخطوط العامة للقصة؛ فقد رأى الملك الكاهن المدعو زيوسودرا في إحدى الليالي حُلمًا سمع فيه صوت أحد الآلهة يُكلِّمه من وراء جدار، ويُعْلِمُه عن قرار مجمع الآلهة بإفناء الحياة على الأرض. عند هذه النقطة يتشوَّه الرقيم. ومن المرجَّح أن الجزء المفقود من النص يتحدث عن تعليمات الإله بخصوص قيام زيوسودرا ببناء سفينةٍ عملاقةٍ يحمل فيها عددًا من البشر، إضافة إلى أزواج من كل أصناف الحيوانات. وعندما يتَّضح النص للقراءة مرة ثانية نجد وصفًا مُكثفًا لاندياح الطوفان وتراجعه: «هبَّت العواصف كلها دفعةً واحدةً، ومعها انداحت سيول الطوفان فوق الأرض، وغمرتها لسبعة أيامٍ وسبع ليال، ودفعت العواصف المركب العملاق فوق المياه المتعاظمة. ثم ظهر إله الشمس أوتو ناشرًا ضياءه في السماء والأرض. فتح زيوسودرا كوة في المركب تاركًا أشعة أوتو تسقط منه. ثم خرَّ ساجدًا أمام أوتو ونحر ثورًا وقدَّم ذبيحةً من غنم".
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة