بحيرة "تنجانيقا"عالم مليء بالحكايات الأسطورية، تحويه تلك البحيرة التى تعد ثانى أكبر بحيرة للمياه العذبة فى العالم، والثانى من حيث العمق بعد بحيرة "بايكال" فى سيبيريا، حيث تحوى 17% من احتياطى المياه العذبة فى المعمورة، وتضم أكثر النظم البيئية تنوعا.
لفتت البحيرة الأنظار إليها وتناقلت وسائل الإعلام اسمها فى 5 ديسمبر 2005، حين ضرب زلزال عنيف بقوة 7.5 درجة بمقياس ريختر منطقة بالقرب من الشاطئ الشرقى لتنجانيقا. الزلزال ألحق اضرارا لاسيما بالمقاطعات الشرقية للكونغو الديمقراطية، وكان محسوسا أيضا فى العديد من الدول المجاورة.
هذا الزلزال العنيف تسبب فى انهيار عشرات المنازل ومقتل العديد من الأطفال تحت أنقاضها، ومع ذلك لم تكن الخسائر البشرية والمادية كبيرة، فوفق حديث أندريه كيكو من مجلس جنوب إفريقيا للجيوفيزياء "يمكن أن يتسبب زلزال بهذا الحجم فى أضرار جسيمة، ولكن ما نوعية البنية التحتية الموجودة فى تلك المنطقة، ببساطة لا يوجد شيء ينهار"!
تعيش حول بحيرة تنجانيقا تقريبا جميع أنواع الحيوانات فى أفريقيا، وشواطئها تتميز بمناظرها الخلابة وبحياة برية غنية. فى نفس الوقت، البحيرة تعد جبلية، وتقع على ارتفاع 800 متر تقريبا فوق مستوى سطح البحر.
من اللافت أيضا أن بحيرة تنجانيقا توجد بها العديد من الجزر الكبيرة منها واحدة تسمى "كافالا"، وقد شيدت عليها منارة. العواصف أيضا شائعة فى بحيرة تنجانيقا ويصل ارتفاع الأمواج إلى 5 أمتار.
هذه البحيرة تعد أطول خزان طبيعى للمياه العذبة على ظهر الأرض، ويبلغ طولها 676 كيلومترا. طول هذه البحيرة يزيد بأربعين كيلو مترا عن طول أعمق بحيرة فى الأرض وهى بيكال الواقعة فى روسيا والتى يصل قاعها إلى 1642 مترا.
وتتميز تنجانيقا بنظام بيئى فريد، حيث تعيش فى مياهها أندر الأسماك، إلا أن الحياة البحرية لا توجد فى جميع أرجاء هذه البحيرة التى يصل عمقها إلى حوالى كيلو متر ونصف.
الحياة فى تنجانيقا توجد فقط فى الطبقات القريبة من سطح المياه، وهى غائبة عمليا عن الأعماق التى تزيد عن 90 مترا، وهذا يعنى أن الحياة فى البحيرة تجرى فقط فى أقل من عشرة بالمائة من مساحتها المائية.
السبب فى ذلك أن الأكسجين يندر على عمق يزيد عن 100 متر، وهو يختفى بشكل تام على عمق 200 متر، ما يجعل من هذه الأعماق منطقة ميتة مشبعة بكبريتيد الهيدروجين.
الحمم البركانية فى هذا الصدع الضخم غطت منذ ملايين السنين قاع البحيرة، ولهذا السبب يقول الخبراء، لا تختلف درجة الحرارة كثيرا هناك عن السطح، وهذه البحيرة الاستوائية تتميز أيضا بشفافيتها، ولذلك يكون القاع مرئيا بوضوح حتى على عمق 20 مترا.
وحوش وسحالى
ترددت منذ القرن التاسع عشر العديد من الروايات عن مشاهدات لحيوانات أسطورية غامضة فى البحيرة. أولها صدرت عن أحد المبشرين فى عام 1893. روى الرجل أنه رأى ثعبانا بحريا يبلغ طوله 30 قدما مرتين، الأولى ظهر فيها سابحا فى البحيرة والثانية نائما على الشاطئ.
فى مرة أخرى روى ضابط بريطانى كان يعمل فى شرطة جنوب إفريقيا أنه رأى فى عام 1907 حيوانا برمائيا بأنياب فى جنوب بحيرة تنجانيقا.
لاحقا فى عام 1928 تحدثت تقارير ألمانية عن رؤية سحلية ضخمة على سطح بحيرة تنجانيقا ظن من رآها فى البداية أنها جزيرة إلى أن تحركت فجأة وغاصت.
بعض العلماء يعتقدون أن هذه الروايات مجرد تخيلات وأن البحيرة دُرست بقدر كاف ولا يوجد بها أى وحوش، فى حين رأى آخرون أن بحيرة تنجانيقا لا تزال غامضة ولم تدرس بما يكفى لأسباب موضوعية تتعلق بالأوضاع الأمنية فى هذه المنطقة على مدى العقود الماضية، ما قد يعنى أن البحيرة ربما لا تزال تحتفظ بالكثير من الأسرار التى تنتظر من يكشف عنها.
اكتشاف البحيرة
تعود رحلة اكتشاف هذه البحيرة إلى عام 1858 عندما حاول المستكشفان البريطانيان السير ريتشارد بيرتون وجون هاننغ سبيك الوصول إلى منابع النيل فى رحلة انطلقت من شرق أفريقيا، فوصلا إلى جيجى على الساحل الشرقى لبحيرة تنجانيقا ثم عادا، وفى العام 1871 عثر السير هنرى مورتون ستانلى على أحد أفراد جماعة تنصيرية مفقودا هناك هو الدكتور ديفد ليفنجستون.
وفى عام 1875 سافر المغامر الألمانى كارل بيترس إلى أفريقيا، ونجح فى عقد معاهدة مع السكان المحليين لإنشاء مستعمرة ألمانية، وما أن عاد إلى بلاده حتى أعلن بسمارك أن هذه الأراضى الأفريقية تابعة لألمانيا، ومنح التفويض لبيترس لإنشاء شركة شرق أفريقيا الألمانية.
عزز الألمان مواقعهم فى تنزانيا، إلا أن الأهالى لم يكفوا عن المقاومة، وكتب زعيم عشيرة الياو رسالة إلى الغازى الألمانى يقول فيها "لا أجد سببا واحدا لأن أطيعك، أفضل الموت على ذلك، لن آتى إليك، ولو أنك قوى بما فيه الكفاية تعالى إلي"، فوجه الألمان نحوهم الفيالق العسكرية المزودة بالبنادق الثقيلة، واتبعوا سياسة الأرض المحروقة وأبادوا القرى وحرقوا الغابات وارتكبوا المذابح.
وخلال الحرب العالمية الأولى وقع الشقاق بين الحلفاء القدامى، ولم تذق ألمانيا طعم الهزيمة فى أوروبا فقط، بل دفعت الثمن فى أفريقيا وفقدت جميع مستعمراتها، بما فيها بحيرة تنجانيقا التى كانت مسرحا لاثنين من المعارك الشهيرة أثناء الحرب، وقد أطلقت بريطانيا على هذه المنطقة الممتدة فى الداخل اسم "تنجانيقا" وبدأت مرحلة أخرى من الاستعمار لم تنته إلا بعد الحرب العالمية الثانية وبداية حركة التحرر الوطنى فى العالم الثالث.