حذر الدكتور سلامة جمعة داود، رئيس جامعة الأزهر، من مخاطر الذكاء الاصطناعي، وأن تكون يومًا ما معولًا في هدم الأمم عن طريق إماتة العقل وتغييبه مما يؤدي لتراجع القيم والأخلاق وضياع الهوية، مشيرًا إلى أن الذكاء الاصطناعي هو طفرة في الذكاء البشري وهو من صنع الإنسان؛ جاء ذلك خلال كلمته في افتتاح المؤتمر الدولي العاشر لكلية التربية للبنين بالقاهرة تحت عنوان: (الذكاء الاصطناعي ومنظومة التربية الطموحات والمخاطر) برعاية فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف.
وبيَّن رئيس الجامعة أن الذكاء الاصطناعي له إيجابياته وسلبياته، وعدَّ من إيجابياته: استثمار الذكاء الاصطناعي وقت جائحة كورونا من خلال الروبوتات في تقديم الخدمات الطبية للمرضى المصابين بكورونا في الوقت الذي كان الإنسان يتخوف أن يصافح أقرب الناس إليه.
كما بيَّن أن هذا المؤتمر هو الثاني الذي يشهده عن الذكاء الاصطناعي بعد أن أصبح رئيسًا للجامعة، وكان المؤتمر الأول لكلية الهندسة في فبراير الماضي 2024 بعنوان: التطبيقات الهندسية الحديثة والذكاء الاصطناعي.
ووجه رئيس الجامعة العلاقات العلمية والثقافية بالجامعة بجمع حصاد العام للمؤتمرات العلمية بجامعة الأزهر في كتاب يُنْشَرُ باللغتين العربية والإنجليزية، ويكون متضمنًا عناوين هذه المؤتمرات، وأهمَّ البحوث التي ألقيت فيها، وأهمَّ النتائج والتوصيات التي انتهت إليها، لافتًا أن طموحه يفوق جمع مؤتمرات عام واحد فقط بل لا بد من جمع وحصر كل مؤتمرات جامعة الأزهر منذ إنشائها وحتى اليوم؛ لتكون عملًا موسوعيًّا يتضمن إعداد قاعدة بيانات (ورقية - ورقمية) متضمنة موضوعات هذه المؤتمرات ومحاورها والبحوث العلمية التي ألقيت فيها والنتائج والتوصيات التي انتهت إليها، وما أهدته للعالم في شتى التخصصات المعرفية من حصاد الفكر وثمار العقل؛ ليكون عملًا موسوعيًّا.
وقال رئيس الجامعة: إن ما يدفعنا إلى البدء في هذا المشروع الطموح أن مؤتمرنا اليوم يضم (١٢٣) بحثًا علميًّا مُحَكَّما، والعبرة ليست بكثرة عدد البحوث ولكن بقيمتها العلمية.
وأشار إلى أن كلَّ ابتكار فيها يَبْنِي لَبِنَةً جديدة في صرح المعرفة؛ لأنه مما ينفع الناس ويمكث في الأرض؛ مصداقًا لقوله تعالى: ﴿فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً ۖ وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ ۚ كَذَٰلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ﴾، وقال الرسول صلى الله عليه وسلم: «إِذَا مَاتَ الْإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلَاثٍ: صَدَقَةٌ جَارِيَةٌ، وَعِلْمٌ يُنْتَفَعُ بِهِ، وَوَلَدٌ صَالِحٌ يَدْعُو لَهُ».
لافتًا إلى أن الذكاء الاصطناعي طفرة في الذكاء البشري في مجال علوم الحاسب الآلي يقوم على تغذية هذا العقل الصناعي بكميات كبيرة من المعلومات والبيانات والإحصائيات؛ للاستفادة منها في حل المشكلات واتخاذ القرارات.
مشيرًا إلى أن الحديث عن الذكاء الاصطناعي في العالم بدأ منذ عام 1950م، ولا يزال البحث مستمرًّا إلى يومنا هذا، حتى توصل الإنسان في ضوئه إلى صناعة طائرات دون طيارين، وصناعة إنسان آليّ يتدخل في تفجير الألغام وإزالتها، وكان له دور بارز في جائحة كورونا حين كان الاقتراب من المصاب بها أو الميت خطرًا عظيمًا، ولا تزال العقول تكتشف جديدًا كل يوم.
وأوضح رئيس الجامعة أنه قضي ليلته البارحة مع ملخصات بحوث هذا المؤتمر وقد وجد فيها تنوعًا وغزارة وحفاوة بهذا الذكاء الاصطناعي الجديد، وطموحات وثابة، وآمالًا عريضة، ومخاوف ومحاذير تتوجس خيفة من مخاطر هذا الذكاء، ورأى ما فيها من الدعوة إلى وضع الضوابط التي تكبح جماحه وتقيد التعامل معه والسباحة في بحره المحيط بما يضمن الأمانة العلمية والنزاهة من ناحية، كما يضمن الحفاظَ على الخصوصيات وحمايةَ الأفراد والأسر والمجتمعات من مخاطره من ناحية أخرى.
وأشار رئيس الجامعة إلى أهم المحاذير والمخاطر التي يحملها الذكاء الاصطناعي؛ ومنها:
أولًا: استخدامه في التجسس على الآخرين والإضرار بهم وهتك الحرمات والخصوصيات التي تتلعق بالأفراد والأسر والجماعات وتهدد أمن الفرد والأسرة والمجتمع.
ثانيًا: ما يترتب على كثرة الاعتماد عليه والعكوف أمام منجزاته من الوقوع في براثن الإدمان الإلكتروني الذي لا يقل خطرًا عن إدمان المخدرات وبخاصة في مراحل الطفولة والشباب، وفي هذا المؤتمر بحث جيد عن الاستخدام المفرط للتطبيقات الإلكترونية وعلاقته باضرابات النوم والتسويف الأكاديمي لدى طلاب الجامعة. ولا ريب في أننا نشكو اليوم من آفات وسائل التواصل الاجتماعي التي أصبحت بحق وسائل للتقاطع الاجتماعي والتفاخر الاجتماعي، ووسائل لضياع الوقت والعمر في كثير مما لا يفيد، وهلُمَّ جرَّا، وأصبح إثمها أكبر من نفعها، وأصبح خطرها على الأطفال والشباب أكبر من أن يحاط بوصفه، ولم يسلم من آثامها وموبقاتها الصغير ولا الكبير، وفي الذكاء الاصطناعي مخاطر مثلُ ذلك أو يزيد.
ثالثًا: ما يترتب على منجزات الذكاء الاصطناعي بتوفيره الملايين من المعلومات وحله كثيرًا من المشكلات من إخلادِ عدد غير قليل من الباحثين إليه واستسلامهم له وإلقائهم عصا البحث والنظر، وأن يتكىء كل منهم على أريكته اكتفاء بهذا العقل الصناعي الذي انبهرت به العقول، وأعطته توكيلًا عامًّا في كل أمورها، ونامت وستراحت وأخلدت إلى الأرض، ورضيت بالتبعية الذليلة لهذا الذكاء الاصطناعي، ولو لم يكن في هذا المنجز إلا هذا لكان كافيًا في وجوب توخي الحذر في التعامل معه والإخلاد إليه.
وحذر رئيس الجامعة من أن يكون يكون الذكاء الاصطناعي يومًا ما خمرًا تُسْكِرُ العقول وتُذْهِبُ عنها وعيَها ويقظتها وحريتها في التفكير والبحث والنظر والتدبر، وهذه أم الخبائث في حياة العقل البشري فيكون مكفوفًا عن الوعي واليقظة والتفكير والبحث والنظر والتدبر؛ ويقيني أن المعرفة الحقيقية هي التي تهتدي إليها العقول بكدها وكدحها ونورها، وهي الولائد التي تستهل صارخة من أرحام الأفكار وقوى العقول، ومن ذاقها يرفض أن يعيش ذليلًا تابعًا لأي ذكاء إلا ذكاءَ عقله هو، وذكاءَ قلبه هو، ونورَ فطنته هو، ورحيقَ فكره هو، فيبيتَ مسرورًا بما أنجز، كالًّا من عمل يده، وكدحِ عقله، وقدحِ زنادِ فكره؛ يستبشر بقول المعصوم صلى الله عليه وسلم : «من بات كالًّا من عمل يده بات مغفورًا له» وقوله صلى الله عليه وسلم : «مَا أَكَلَ أَحَدٌ طَعَامًا قَطُّ خَيْرًا مِنْ أَنْ يَأْكُلَ مِنْ عَمَلِ يَدِهِ، وَإِنَّ نَبِيَّ اللَّهِ دَاوُدَ عَلَيْهِ السَّلَامُ كَانَ يَأْكُلُ مِنْ عَمَلِ يَدِه».
وأكد رئيس الجامعة أن أكبر معول في هدم الأمم هو إماتة العقل وتغيبه واهماله وتنويمه، مشددًا علي أنه لا تزال الأمم بخير ما أيقظت عقولها وأيقظت ضمائرها وأيقظت شبابها وشيبها وصغارها وكبارها، وجعلت يقظة العقل شعارها ودثارها.
وقد أمَّلَ كثير من الباحثين في هذه الثورة المعرفية في عصر المعلومات أن تحقق هذه الثورة العدالة والحرية في العالم، وإشاعة المساواة والعدل في ربوعه، كما تنبأ بعضهم أن تكون هذه المعلومات متاحة للجميع كالماء والهواء لا تقبل الاحتكار، وتنبأ بعضهم عكس ذلك وهو أن تصبح المعلومات سلعة يتنافس العالم على احتكارها وتدخل الدول في حرب من أجل السيطرة على المعلومات كما حاربت في الماضي من أجل السيطرة على المستعمرات، انظر حولك وحاول أن تعرف الحقائق التي آلت إليها هذه التنؤات والآمال العريضة، ثم ارجع البصر كرتين لترى ما يحدث في غزة منذ عام؛ لترى رائحة الموت تملأ أرضها وجوها وبرها وبحرها وسماءها وهواءها، لترى الظلم الذي حطم كل المعلومات ولم يبق معه للذكاء الاصطناعي ولا لغيره من منجزات الحضارة الغربية قيمة؛ لأنه لا قيمة لشيء من ذلك ما لم يحقق العدل ويمحو الظلم ؛ إننا نتكلم والرصاص الحي يخترق القلوب، والمتفجرات تفجر الأشلاء والضحايا وتمزقهم تمزيقًا، ما يقرب من خمسين ألف شهيد، أحياء عند ربهم يرزقون، منهم أكثر من عشرة آلاف طفل دون العاشرة من العمر، ومثلهم أو أكثر من النساء.
واختتم رئيس الجامعة كلمته
بأن أعلن أن جامعة الأزهر تعمل على إنشاء كلية مستقلة للذكاء الاصطناعي؛ ليكون لها مشاركة فاعلة وإسهامًا في هذا التخصص المهم الذي فرض نفسه على الدنيا كلها، والعمل على تأسيس مركز الأزهر العالمي للذكاء الاصطناعي، لتكون رسالته حفظ القرآن الكريم والحديث الشريف والتراث الإسلامي من عوادي التبديل والتحريف.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة