من فجر التاريخ، كانت دمشق كعبة المثقّفين والشعراء العرب ومحطّ رحالهم، ولما لا وهى الجميلة الساحرة، العريقة أجمل بلدان العالم القديم والحديث، الأرض المزهرة كما سموها قديمًا، المدينة التى عرفها العالم كلّه بمدينة الياسمين نسبة لعطرها الذي فاح أرجاء العالم.
دمشق وأن عانت، لكنها تظل ريحانة الدّنيا التي تغنّى بها العربيّ والأعجمي، هى العربية، عروبة التاريخ والثقافة والطموح والمواقف، عروبة التفاعل مع الشعوب، والتكامل مع الحضارات، وصدق من قال قديماً "الحبّ يبدأ من دمشق فأعلنت عبدوا الجمال و ذوّبوه وذابوا فالدّهر يبدأ من دمشق وعندما تبقى اللّغات وتحفظ الأنساب" كانت دوماً الوجه الجميل بخضرة غوطتها، وقلوب أبنائها البررة، وهم يصنعون مواكب الزمن المتدفق عطاءً وحيويةً وحكمة، في هذه السطور، لا يسعنا سوى تذكر كيف تغني الشعراء العرب قديما وحديثا بأولى عواصم الإسلام الكبرى:
الشاعر البحتري استرسل في وصف دمشق وجمالها، قائلا:
أما دمشق فقد أبدت محاسنها
وقد وفى لك مطريها بما وعدا
قل للإمام الذي عمت فواضله
شرقاً وغرباً فما نحصي لها عددا
الله ولاك عن علم خلافته
والله أعطاك ما لم يعطه أحدا
يمسي السحاب على أجبالها فرقا
ويصبح النبت في صحرائها بددا
كأنما القيظ ولى بعد جيئته
أو الربيع دنا من بعد ما بعدا
الشاعر العباسي أبو تمام فأسهب في وصف دمشق قائلاً:
لولا حدائقها وأني لا أرى
عرشاً هناك ظننتها بلقيسا
وأرى الزمان غدا عليك بوجهه
جذلان بساماً وكان عبوسا
قد بوركت تلك البطون وقد سمت
تلك الظهور وقدست تقديسا
ووصفها الشاعر لسان الدين بن الخطيب بأنها قطعة من الجنة، قائلا:
بلد تحف به الرياض كأنه
وجه جميل والرياض عذاره
وكأنما واديه معصم غادة
ومن الجسور المحكمات سواره
وقال الشاعر خير الدين الزركلي مفتخراً في قصيدة "أنا من دمشق":
قالت أمن بطحاء مكة جارنا؟
قلت: الهناء لمن دعوت بجارك
أنا من دمشق وقد ولدت بغيرها
وسكنت أخرى والحنين لدارك
أما الشاعر نزار قباني، فكتب عن دمشق الجميلة:
فرشت فوق ثراك الطاهر الهدبا
فيا دمشق لماذا نبدأ العتبا؟
حبيبتي أنت فاستلقي كأغنية
على ذراعي ولا تستوضحي السببا
يا شام إن جراحي لا ضفاف لها
فمسّحي عن جبيني الحزن والتعبا