سعيد الشحات يكتب: ذات يوم 10 فبراير 1908.. وفاة مصطفى كامل بعد دقائق من وصيته لمحمد فريد قائلا: «تشجع يا فريد ليسهل علينا بلوغ الأمل»

السبت، 10 فبراير 2024 10:00 ص
سعيد الشحات يكتب: ذات يوم 10 فبراير 1908.. وفاة مصطفى كامل بعد دقائق من وصيته لمحمد فريد قائلا: «تشجع يا فريد ليسهل علينا بلوغ الأمل»

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
عاد مصطفى كامل فى شهر أكتوبر 1907 من رحلة إلى أوروبا للجهاد والاستشفاء، «فاستقبل كما لم يستقبل من قبل، حتى ضاقت محطة القاهرة على سعتها»، حسبما يؤكد فتحى رضوان فى كتابه «مصطفى كامل»، مضيفا: لما وصل، دوت الأصوات بهتافات لم تكن معروفة من قبل، «يحيا الرئيس، يحيا صاحب اللواء، يحيا الباشا»، ويؤكد: «كانت سنة الختام، ولذلك كان الفارس يعدو فيها بأقصى ما يستطيع، وكان لحن حياته يتصاعد ويشتد ويعلو، والشعلة تتقد وتتوهج قبل أن تنطفئ. إنها صحوة الموت، إنها نذير النهاية».
 
بعد عودته، ووفقا لطاهر الطناحى فى كتابه «الساعات الأخيرة»: «رأى أن يدعم حركته بتأليف الحزب الوطنى، وفى أول اجتماع مع أصدقائه وإخوانه شعر بشىء من التعب، ورأى الحاضرون علامات الضعف بادية عليه، فتحدثوا معه، كان الاجتماع فى أكتوبر 1907، وكان حديثه نبوءة لموته ».. يؤكد «الطناحى» أن «كامل» بدأ بقوله: «يخيل إلى أنى عما قريب سوف أفارقكم»، فقال إخوانه: «إلى أين؟.. لقد أجهدت نفسك فى الجهاد، وأنهكت جسمك فى السفر فى سبيل مصر مرارا، فاسترح فى بلدك»، رد: «سوف يستريح جسمى الراحة الكبرى، وكنت أود لو استراحت روحى ونفسى قبل الفراق».. سألوه: «ماذا تعنى يا باشا؟ رد: لن أعيش طويلا وسأموت قريبا، فلا تضيعوا الوقت، وأسرعوا فى العمل.. قالوا: سلمت يا مصطفى، لا تتشاءم، ودع عنك هذا الوهم، وسيمن الله عليك بالشفاء التام.. رد: ليس تشاؤما، وليس وهما، أشعر فى أعماق نفسى بقرب نهايتى».. يضيف «الطناحى»: «ارتاع إخوانه من هذا الحديث، وجمدت أبصارهم وجلسوا فى ذهول، والتفت إلى شقيقه على فهمى كامل، وقال: «تشجع يا على، وإذا مت فليحمل اللواء هذا الرجل النبيل»، وأشار إلى محمد فريد بك.
 
خطب فى مسرح زيزينيا بالإسكندرية أمام الآلاف رغم آلام المرض، وكانت بوصف فتحى رضوان: «خطبة الوداع.. أجمل وأطول خطبة، قال فيها أكثر الكلام الذى حفظه الناس وخلدوه وتغنوا به، ألقى الخطبة وهو مريض شاحب»، ووفقا لـ «الطناحى » جاء فيها: «لو تخطفنا الموت من هذه الدار واحدا واحدا، لكانت آخر كلماتنا لمن بعدنا كونوا أسعد حظا منا، وليبارك الله فيكم، ويجعل الفوز على أيديكم، ويخرج من الجماهير المئات والألوف بدل الآحاد للمطالبة بحقوق الوطن، والحرية والاستقلال المقدس.. بلادى بلادى.. لك حبى وفؤادى.. لك حياتى ووجودى.. لك دمى ونفسى.. لك عقلى ولسانى.. لك لبى وجنانى.. فأنت أنت الحياة ولا حياة إلا بك يا مصر»، ويذكر عبدالرحمن الرافعى فى كتابه «مصطفى كامل باعث الحركة الوطنية»: «لما حان موعد الجمعية التأسيسية للحزب الوطنى يوم 27 ديسمبر 1907، ترك سرير مرضه ونزل إلى ساحة دار اللواء، حيث اجتمعت الجمعية العمومية وألقى خطبته، ودهش السامعون لبلاغته وبراعة إلقائه مع ما كان باديا عليه من الضعف ».
 
يتبع «الطناحى» أيامه الأخيرة: «فى أوائل يناير 1908 شعر بتعب فى المعدة إلى جانب مرض «الأمعاء والكلى»، فنصحه الأطباء بالاعتكاف فى فراشه، وقبل وفاته بأيام دعا والدته، فجلست بجواره، وأخذ يحدثها عن آماله، ويشكو إليها ما ألم به من أسقام، فصارت تطمئنه، وتهون عليه مصابه، فدمعت عيناه ثم أجهش بالبكاء، والتفت إلى أمه، وقال: «لست أبكى على الحياة، وإنما على مصر المسكينة، آه لو عشت عشرين سنة أخرى، لمت هانئ البال، مطمئنا على بلادى أنها ستصبح مستقلة.. نعم، وأنا واثق أنها ستكون سيدة العالم فى يوم من الأيام»، وهنا دخلت شقيقته الصغرى نفيسة، وشقيقه على فهمى، فدعاهما للجلوس ثم أمسك بيد شقيقته، وقال: «كنت أتمنى أن أعيش طويلا، وأراك عروسا فى منزل زوجك»، والتفت إلى شقيقه على فهمى وقال: «ستتعب كثيرا يا أخى من أجل مصر، ولكن لا تحزن».
 
يضيف «الطناحى »: «فى يوم 8 فبراير زاره الخديو عباس الثانى، وفى اليوم التالى زاره بعض أصدقائه، ومنهم أمير الشعراء أحمد شوقى، فجلس يحادثهم وشعر بآلام شديدة، وأسرع الدكتور صادق رمضان بإسعافه، وسأله: «هل هناك أمل؟ فرد الطبيب: نعم.. لا حياة مع اليأس، ولا يأس مع الحياة، فهز «مصطفى » رأسه قائلا: «بل إنى أذوب الآن وعما قريب أموت»، ثم التفت إلى صديقه أمير الشعراء، وقال له فى ابتسامة حزينة: «سوف ترثينى يا شوقى، نعم، أليس كذلك»، فسكت شوقى ودمعت عيناه، وفى ذلك يقول بعد وفاة صديقه: «ولقد نظرتك والردى بك محدق/ والداء ملء معالم الجثمان/ يبغى ويطغى والطبيب مضلل/ قنط، وساعات الرحيل دوان».
 
يؤكد «الطناحى»: «صباح الاثنين 10 فبراير،مثل هذا اليوم 1908، دخل عليه شقيقه على فهمى وزميله محمد فريد، وبعض صحبه، فسألوه عن صحته، فطمأنهم، وجلس يحادثهم ثم لم يقو على الحديث طويلا، ولاحظوا تغيرا فى لونه، وجمودا فى عينيه، وشرودا فى فكره، فاستولى عليهم الجزع، وسألوه عن ألمه، فقال: «لا شىء، لا تخافوا»، ثم اتجه إلى فريد، وقال:«تشجع يا فريد، واستمر فى عملك بحكمة، ليسهل علينا بلوغ الأمل، وصمت بعد هذه العبارة، وكاد يغيب عن الوجود، ثم تنبه قليلا وقال: «مسكينة يا مصر».. وكانت آخر كلماته، واستولى عليه تشنج لم يفق منه».
 
فى اليوم التالى نشرت جريدة اللواء: «توفى إلى رحمة الله مديرنا العزيز مصطفى كامل باشا، رئيس الحزب الوطنى المصرى، فى تمام الساعة الرابعة من بعد ظهر أمس، لقد أصيب مديرنا بإغماء فى الصباح أقلق بالنا، وحوالى الظهر لاح لنا أنه تحسن قليلا فاستأنفنا أعمالنا، وكنا قطعناها فأنهيناها، ولكن سرعان ما انتكس وخارت قواه تدريجيا، ولفظ أنفاسه الأخيرة عندما كانت تدق الساعة الرابعة».. وفى اليوم التالى كانت جنازته المهيبة.






مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة