تعد مدينة نقراطيس أقد مستمرة يونانية قديمة في مصر حيث كانت بمثابة مركز الاتصال والتجارة بين الحضارتين اليونانية والمصرية، والتي تعنى القيادة البحرية باللغة اليونانية، وتعتبر مجطة تجارية كان لليونان حقوق تجارية حصرية فيها، وقد تم تأسيسها على يد تجار من ميليتس، وهي مدينة يونانية قديمة تقع على الساحل الغربي للأناضول، وسرعان ما استقر هناك اليونانيون من أجزاء أخرى من اليونان.
كانت نقراطيس نقطة اتصال وتبادل مهمة بين حضارات أفريقيا والشرق الأوسط وعالم البحر الأبيض المتوسط في فترة رئيسية من التاريخ ولعدة قرون، حيث كان للمدينة طابع هيليني شامل، مما يعني أنها لم يتم تأسيسها من قبل دولة مدينة يونانية واحدة، كما كانت المستعمرات اليونانية عادة، تم بناء الحرم الهيليني للمدينة من قبل ممثلي القبائل اليونانية الثلاث (الأيونيون، الدوريون، الإيوليون).
لوحة تظهر أبو الهول جالسًا تم العثور عليها في ناقراطيس
تاريخ مدينة ناقراطيس
تأسست المستوطنة اليونانية في عهد الأسرة المصرية السادسة والعشرين، وكانت قريبة من عاصمة الأسرة سايس، ويذكر هيرودوت في كتابه التاريخ أن أحمس الثاني أعطى ناقراطيس للمرتزقة اليونانيين في القرن السادس قبل الميلاد (570 قبل الميلاد)، ولكن هناك بعض الأدلة على أنها تأسست بالفعل في عهد إبسامتيك الأول.
وكان أماسيس جنرالًا متمردًا قاتل ضد الفرعون أبريس، قاد الفرعون جيشًا معظمه من المرتزقة اليونانيين الذين قاتلوا ببسالة لكنهم خسروا في النهاية، لذلك تولى أحمس السيطرة وأصبح فرعونًا.
وكتب هيرودوت: "كان أحمس منحازًا لليونانيين، ومن بين الخدمات الأخرى التي منحها لهم، أعطى لمن أحب أن يستقر في مصر مدينة ناقراطيس لإقامتهم"، وفي المقابل، سيحميه اليونانيون في حالة حدوث اضطرابات، خدم المرتزقة الفراعنة ومن ثم الحكام الفرس عندما كانت مصر تحت الحكم الفارسي.
وكان الرافد الكانوبي أحد الممرات المائية الرئيسية التي تربط وادي النيل بالبحر الأبيض المتوسط، ثم تطورت المستوطنة المبكرة إلى ميناء تجاري مزدحم وأصبحت مدينة تبادل المصريون البضائع مع اليونانيين ودول البحر الأبيض المتوسط الأخرى.
وسرعان ما أصبحت المستعمرة المكونة من التجار والمرتزقة اليونانيين مركزًا تجاريًا رئيسيًا لكل من اليونانيين والمصريين، حيث كان اليونانيون القدماء يرغبون دائمًا في الحصول على فرصة تجارية حصرية في مصر، وقد رأى المصريون القدماء أن ناقراطيس هي نقطة الوصل بين دلتا النيل وعالم البحر الأبيض المتوسط، كما أدى التعاون التجاري إلى إنشاء تحالف سياسي مع اليونان أيضًا، وكان ميناء ناقراطيس هو البحري الوحيد في مصر الذي كان لليونانيين الحق في استخدامه حتى الغزو الفارسي لمصر عام 525 قبل الميلاد.
سجل هيرودوت في كتابه اثنتي عشرة مدينة بحرية وتجارية يونانية كانت تابعة لناقراطيس، ومن بين هؤلاء الأيونيون من ساموس، وميليتوس، وخيوس، وتيوس، وفوكايا، وكلازوميناي، وكان هناك أيضًا الدوريون من رودس، وكنيدوس، وهاليكارناسوس، وفاسيليس، بالإضافة إلى الإيوليون من ميتيليني في ليسفوس، وشعب إيجينا، الجزيرة القريبة من أثينا.
ولم يقتصر التداول عبر نقراطيس على مصر واليونان، ووفقا لعلماء الآثار، امتدت التجارة إلى بلاد الشام وقبرص وبرقة وإيطاليا وفينيقيا.
ازدهرت نقراطيس خلال القرنين الخامس والرابع قبل الميلاد، وأدى ازدهارها إلى إغراء المزيد من اليونانيين بالهجرة إلى مصر على أمل أن يصبحوا أثرياء من خلال التجارة، فكان العديد من اليونانيين الذين وصلوا إلى المستعمرة من البحارة والتجار الذين بقوا لفترة قصيرة فقط، وهاجر آخرون إلى المدينة الساحلية وبقوا هناك بشكل دائم.
حافظ اليونانيون القدماء في المدينة المصرية على هويتهم الثقافية، لكنهم في الوقت نفسه تزاوجوا مع المصريين وأصبحوا مثقفين في المجتمع المصري، وتعايشت أجيال من اليونانيين مع الكاريين والفينيقيين والمصريين في ناقراطيس عندما غزا الإسكندر الأكبر مصر عام 332 قبل الميلاد.
استمر استخدام المدينة كميناء تجاري خلال عهد الأسرة البطلمية ثم في مصر الرومانية، وظلت مهمة في العصر البيزنطي كنقطة اتصال تجارية وثقافية بين اليونان ومصر على الأقل حتى القرن السابع الميلادي.
كانت نقراطيس مركزًا تجاريًا متعدد الأعراق لما يقرب من 1200 عام ولعبت دورًا مهمًا في تاريخ مصر واليونان وقبرص وفينيقيا وبلاد فارس وروما.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة