ربما تلقي الزيارة التي أجراها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى القاهرة، الكثير من الزخم، على العلاقات الثنائية بين البلدين، وتأثيرها الإيجابي على الأوضاع الإقليمية، في ظل حساسية اللحظة، التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط، على خلفية المستجدات في قطاع غزة، واتساع دائرة الصراع إلى لبنان وسوريا واليمن، بالإضافة إلى الأوضاع في ليبيا، ناهيك عن الأزمة في السودان، وهي الملفات التي تبدو بحاجة ملحة إلى تعزيز التعاون بين كافة القوى الإقليمية المؤثرة، والتنسيق فيما بينها، لاحتوائها في أقرب وقت ممكن، وذلك لحماية الإقليم من السقوط مجددا في مستنقع الفوضى الذي قد يأكل الأخضر واليابس، خاصة وأنه ما زال لم يتعاف بشكل كامل من آثار حقبة "الربيع العربي".
إلا أن نتائج زيارة أردوغان للقاهرة، والتى تتسم بتاريخيتها، تتجاوز فى جوهرها الأوضاع الإقليمية، والتي وإن بدت متأزمة، على خلفية الأزمات السالفة الذكر، نحو آفاق أرحب للمستقبل، على أساس تنموي، مما يساهم بقدر كبير في تحقيق التوازن، خاصة وأن الاستقرار لا يمكن أن يتحقق فقط عبر حلول سياسية، وإنما يتطلب في الجانب الآخر من المعادلة، إطار مستدام من التنمية الاقتصادية، يمكن من خلالها مجابهة تحديات هيكلية، تتجسد في أوضاع اقتصادية صعبة، ربما جاءت، في جزء منها نتيجة للفوضى وما نجم عنها، بينما تحمل الأوضاع العالمية الوزر الأكبر، خاصة مع التوترات الجيوسياسية، والتي ضربت قطاعات اقتصادية حيوية، وعلى رأسها النفط والغذاء، وهو ما ساهم في موجات عاتية من التضخم، والغلاء، باتت الشغل الشاغل لدول الكوكب بأسره.
وبين الأزمات الإقليمية في غزة والسودان والعراق واليمن وليبيا، من جانب، الأوضاع التنموية، نجد أن ثمة مقاربات يمكن تحقيقها، حال النجاح في اتخاذ خطوات جدية من شأنها التغلب على المعوقات الاقتصادية، حيث ستساهم بصورة كبيرة في تحقيق أحد أهم أبعاد الاستقرار الإقليمي، من خلال المسار التنموي، بينما في الوقت نفسه، ستفتح الباب أمام تعزيز الصمود الإقليمي في صورته الجمعية، في مواجهة التحديات التي تشهدها المنطقة، خاصة مع محاولات استهدافها مجددا، عبر النهج القائم على إعادة تدوير الفوضى بها، وهو ما بدا في مختلف مراحل الأزمة التي شهدها قطاع غزة منذ أكثر من 4 أشهر، من خلال الدعوات المشبوهة التي أطلقها الاحتلال الإسرائيلي، وعلى رأسها التهجير، وما تشكله مثل هذه الدعوة، من عبء على كاهل الدول في المنطقة، والتي تعاني أساسا من أوضاع اقتصادية صعبة، بالطبع إلى جانب كونها محاولة صريحة لتصفية القضية الفلسطينية.
يعد التعاون الاقتصادي بين مصر وتركيا، بذرة مهمة لتحقيق ما يمكننا تسميته بـ"التحالف التنموي"، والقابل للاتساع، سواء على النطاق الإقليمي، أو ربما يتجاوزه جغرافيا، في ظل علاقات قوية تربط البلدين، بحكم موقعهما الجغرافي، وهو ما يبدو في عمق أنقرة الآسيوي، والعمق الإفريقي للقاهرة، بينما يرتبطان معا بأوروبا، عبر دائرتهما المتوسطية، وهو ما يعزز قدرتهما على اقتحام الأسواق في العديد من مناطق العالم.
فبحسب بيان لوزارة التجارة والصناعة، فإن الغرفة التجارية الصناعية في مدينة بورصا التركية أكدت سعيها لإنشاء منطقة صناعية في مصر على غرار المنطقة الصناعية القائمة في بورصا والمتخصصة في مجالات المنسوجات والسيارات والألومنيوم والآلات والمعدات والتكنولوجيات المتقدمة، وهو ما يساهم في تحويل هذه المنطقة إلى محور للتصدير من مصر لأسواق أوروبا والولايات المتحدة والخليج وأسواق شمال إفريقيا.
وفي السياق نفسه، تسعى الدولتان للعمل معا على تعزيز التبادل التجاري، عبر النهوض به إلى 20 مليار دولار، خلال 5 سنوات قادمة، بينما سوف يتم بحث استخدام العملات المحلية، مما يساهم في تقليل الضغط على الدولار، وهو ما يمثل امتدادا للرؤية المصرية القائمة في هذا الإطار، وهو ما بدا في الانضمام لتكتل بريكس، والذي يعتمد النهج نفسه.
فمن جانبه، أشار السفير التركي لدى القاهرة صالح موتلو شين في تصريحات سابقة أدلى بها فى أكتوبر الماضي إلى استعداد 5 شركات تركية كبرى لضخ استثمارات في قطاع المنسوجات، مؤكدا أن الفترة المقبلة ستشهد المزيد من التعاون بين مصر وتركيا في قطاع الملابس والمنسوجات في ظل وجود اتفاق تجاري بين البلدين يسهل من عمليات التبادل في المنتجات والمواد الخام ، خاصة وأن تركيا تمتلك الجودة العالية و التكنولوجيا المتقدمة في هذا القطاع، في حين تتمتع مصر بمصادر الطاقة المتعددة والخدمات المختلفة للأزمة لتشغيل المصانع، فضلاً عن التطورات اللوجستية التي شهدتها في عهد الرئيس السيسي من تطوير للبنية التحتية للموانئ والطرق والسكك الحديدية مما يشجع الشركات التركية على ضخ استثمارات جديدة.
وفي الواقع يبدو البعد التنموي محورا رئيسيا في الرؤية المصرية، لتحقيق الاستقرار، وهو الأمر الذي انتهجته أولا في الداخل، عبر تحقيق طفرة تنموية تجسدت في العديد من المشاريع العملاقة التي شهدتها البلاد، والتي لعبت الدور الرئيسي في جذب الأتراك للاستثمار بها، بينما يمتد الأمر في إدارة علاقاتها الإقليمية عبر تعزيز التعاون الاقتصادي مع العديد من دول العالم، بدءً من الشراكة الثلاثية مع اليونان وقبرص، في مجال الغاز، مرورا بتعزيز الشراكة الاقتصادية مع دول الخليج، وحتى أفريقيا عبر تصدير تجربتها التنموية، وتقديم خبراتها في بناء المشروعات في العديد من دول القارة.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة