"الحب فى الأرض بعض من تخيلنا إن لم نجده عليها لاخترعناه".. هذه ليست مجرد كلمات لنزار قبانى، ولكنها حقيقة على مر العقود المختلفة، فالبحث عن الحب مسعى كبير عبر الزمن، فهى المشاعر التى يريدها كل إنسان ويحتاج إلى وجودها وقد يسعى لخلقها بنفسه لو لم تحدث له، ويعتمد العثور على الحب فى العصر الحديث إلى حد كبير على تطبيقات مثل Tinder وBumble، وغيرهما من مواقع التواصل الاجتماعى مثل فيس بوك وإنستجرام، بينما كان الحب فى السابق له طرق أخرى للبحث.
الحب فى عصر الورق
وهنا نرصد معكم مهمة الحب فى عصر الصحف الورقية والعالم التقليدى قبل ظهور التكنولوجيا وتطورها إلى حد الذكاء الاصطناعى كما نرى الآن، فقد سبقت الصحيفة المحلية فكرة التعبير عن الحب والبحث عن شريك حياة، الإنترنت عبر الحبر والورق، فكان هناك مقالات وقصائد عاشقة وأعمدة للقلوب الوحيدة وكذلك إعلانات للتعارف، وذلك عبر الصحف العربية والأجنبية، فكانت سمة عالمية اتجه لها الجميع.
وعن قصاصات صحفية من أرشيف على الإنترنت، يضم أكثر من 300 مليون صفحة من الصحف التاريخية، يديره موقع الأنساب Ancestry، قالت لورا هاوس، خبيرة تاريخ العائلة بالموقع، لصحيفة ديلى ميل البريطانية: إن عملية العثور على الحب تتطور دائما، وكان أسلافنا فى حيرة من أمرهم قبل عالم اليوم من الاتصالات عبر الإنترنت وتطبيقات التعارف.
تظهر إحدى القصاصات المأخوذة من طبعة لعام 1936 من جريدة برمنجهام المسائية، أن مراسل الصحيفة كان عليه أن يقوم بدور الخاطبة، حيث كانت القصة، التى تحمل عنوان «امرأة من ميدلاند تبحث عن زوج»، تتحدث ببساطة عن سيدة وحيدة تبلغ من العمر 38 عاما، وتبحث عن زوج يبلغ من العمر حوالى 50 أو 60 عاما.
لقد كشفت عن مميزاتها بأنها حنونة وواسعة الأفق، فى محاولة لمنح نفسها أفضل الفرص للعثور على رجلها، وتتمتع الأنثى التى لم يذكر اسمها أيضا بروح الدعابة الجيدة ومنزل خاص بها فى منتجع صغير على شاطئ البحر.
الحب فى عصر الورق
وتضيف أنها «ليست منقبا عن الذهب»، ما يعنى أنها لا تحتاج إلى رجل يتمتع بثروة كبيرة، لأن لديها وسائل خاصة بها، ومع ذلك، فهى تريد رجلا ذا مكانة وتعليم جيدين، وفى نهاية المقال مكتوب «نحث القراء الذكور على التواصل لتسجيل اهتمامهم».
أيضا هناك قصيدة نشرت فى جريدة هانويل جازيت وبرينتفورد أوبسيرفر عام 1920، تعبر عن الأمل فى العثور على شريك آخر. وكتب ب. ل. ك. هندرسون: «قلب آخر ينبض، داخل روح أخرى تسكن التنهيدة، والأمل يشتاق بشدة إلى لقاء آخر، حيث يولد حب آخر الذى لن يموت».
وبعد مرور 30 عاما، وفى 28 يوليو 1950، نشرت صحيفة ريفيل الشعبية تقريرا عن حدث غير تقليدى يهدف إلى مساعدة الأفراد على التواصل بشكل جماعى، وجاء فى مقال بالصحيفة: «يتم استئجار القطارات والحافلات والطائرات لجلب 2000 قلب وحيد من جميع أنحاء العالم إلى مدينة وايتلى باى الساحلية الصغيرة فى نورثمبريا لحضور أكثر المؤتمرات غير التقليدية التى تم تنظيمها على الإطلاق».
وأضاف المقال: «سيصل 1000 من الذكور و1000 من النساء العوانس والأرامل، الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و80 عاما، إلى خليج وايتلى لقضاء عطلة نهاية الأسبوع للقاء والزواج كمندوبين فى مؤتمر القلوب الوحيدة».
الحب فى عصر الورق
حدث التقدم سريعا بعد مرور 30 عاما، وأصبح العثور على الشريك المناسب أسهل كثيرا، فبحلول الثمانينيات، كانت الصحف تستضيف إعلانات مبوبة للتعارف عبر الهاتف، التى غالبا ما تتضمن الاتصال برقم هاتفى وتوجيهه إلى عامل الهاتف، يقوم المشغل بحذف بعض المعلومات الشخصية ومطابقتها مع شخص آخر، على الرغم من أنها كانت عملية شاقة مقارنة بسهولة تطبيقات اليوم.
فيما ظهر أمر مماثل فى الصحف العربية، فرأينا قصاصات لإعلانات للتعارف انتشرت عبر مستخدمى وسائل التواصل الاجتماعى الحالية، معلقين على شكل التعارف والحب قبل ظهور الإنترنت، ولكن لم يكن هناك دور للمشغل الذى يطابق المعلومات، فما كان من الشخص الذى يريد التعارف غير أن ينشر صورته مع اسمه وعنوانه وهاتفه، وتتواصل معه من تريد من الفتيات، ويصاحب ذلك هواياته وما يحب أن يقم به فى حياته الطبيعية لتقديم نبذة عن شخصيته وليس مظهره فقط.
وأفسحت هذه الطريقة للتعارف فى الدول الأجنبية والعربية المجال إلى حد كبير للتعارف عبر الإنترنت فى التسعينيات، حيث أصبح الوصول إلى الإنترنت متاحا إلى حد كبير من منازل الناس.
ويعود تاريخ المواعدة عبر الإنترنت كما نعرفها إلى عام 1995، عندما تم إطلاق موقع Match، وهو أول موقع للتعارف عبر الإنترنت معترف به على نطاق واسع.
الحب فى عصر الورق
فيما انتشرت بعد ذلك عدة تطبيقات أخرى، ولعل تطبيق Bumble أكثرها شهرة، وقد تم إطلاقه فى عام 2014، ويهدف إلى منح النساء اليد العليا من خلال السماح للإناث فقط بإرسال الرسالة الأولى، أما عن الطريقة التى يستخدمها التطبيق، فهى بالسماح بتحميل ملف تعريف وصورة وكذلك الدردشة مع الأشخاص عبر الإنترنت، وكان الهدف من التطبيق هو السماح للأشخاص الذين يبحثون عن الحب بالالتقاء.
أيضا هناك تطبيق Tinder الذى تم إطلاقه فى 2012، وكان أول منصة للتعارف تعتمد على تقنية «التمرير السريع»، وبعد إطلاقته الأولى تزايد استخدامه، وبحلول مارس 2014 كان هناك مليار مطابقة بين الأشخاص يوميا فى جميع أنحاء العالم.
يمكن عرض الحسابات أمام المستخدم والمطابقة فقط بالضغط على «ماتش» أى مطابقة، أو وضع علامة إيموجى القلب على الصورة بحسب كل تطبيق.
الحب فى عصر الورق
لم تكن بداية هذه التطبيقات سهلة على المجتمع، فالانتقال من الصحف الورقية للمواقع الإلكترونية فى التسعينيات لم يكن سلسا، بل ارتبطت مواقع التعارف عبر الإنترنت بوصمة عار مرتبطة بفكرة المواعدة، وقد وجدت دراسة استقصائية أجريت عام 2014 أن 84 % من مستخدمى تطبيقات التعارف كانوا يستخدمون خدمات المواعدة عبر الإنترنت للبحث عن علاقة رومانسية، وليس لأغراض أخرى مثل علاقة عابرة أو مجرد المواعدة، فيما بدأ هذا الاعتقاد يتبدد مع مرور الوقت، حيث إن ملايين الزيجات الآن أصبحت تتم بين أزواج التقوا عبر الإنترنت.
ووفقا لأحدث الإحصائيات التى نشرها موقع cloudwards عن تطبيقات التعارف على الإنترنت، عن دراسة عالمية أجريت فى 2022، فكان 42 % من المستخدمين يتطلعون إلى الزواج عن طريق استخدام هذه المواقع، وعندما نأخذ فى الاعتبار عدد الأشخاص الذين ينظرون إلى تطبيقات المواعدة عبر الإنترنت، كما يطلق عليها باعتبارها نوعا من التطبيقات «غير الجادة»، فإن هذه إحصائية مثيرة، كما أن 13 % من المستخدمين تزوجوا بالفعل من خلال مقابلة شخص ما على تطبيق المواعدة.