انقسامات طالت شروخها أقرب الدوائر.. وتباين حاد أحال الاختلاف إلى خلاف، وتضارب الرؤى إلى عداء.. كان هذا هو انعكاس الحرب الإسرائيلية في قطاع غزة علي الداخل الإسرائيلي، فما بين أصوات معارضة لإدارة بنيامين نتنياهو، وتحذيرات من تداعيات تفوق تقديرات تل أبيب، كانت تحذيرات بني صهيون أوقع كثيراً من تلك التي تصدر من دوائر غربية أو منابر دولية، أو حتي من البيت الأبيض.
وبالتزامن مع حالة الشد والجذب بشأن العملية الإسرائيلية في رفح في الداخل الإسرائيلي، حذر اللواء المتقاعد اسحق بريك، رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو من انهيار السلام مع مصر، مؤكداً بحسب ما نشرته صحيفة جيروزاليم بوست من أن ذلك سيجعل من القاهرة "عدو غير قابل للإيقاف".
وتابع بريك تحذيراته قائلاً : "المصريون لديهم أقوي جيش في الشرق الأوسط اليوم .. 4 آلاف دبابة وألفي دبابة حديثة ومئات الطائرات الأكثر تقدماً وبحرية من الأفضل على الإطلاق.. لسنوات، كانوا يبنون الطرق السريعة المؤدية إلى سيناء ونحن الهدف، إنهم لا يبنون الجيش لأي مكان آخر".
وأضاف الجنرال الإسرائيلي: "اليوم هناك مشكلة كبيرة جدًا مع مصر. إنهم ليسوا مستعدين للقيام بذلك في مكاننا، كما أنهم لا يوافقون على أن نقوم بذلك من هذا الجانب من الممر، ويهددون بأنه إذا بدأنا في القيام بأشياء مختلفة من شأنها أن تؤدي إلى عبور أعداد كبيرة إلى سيناء، فإنهم سيوقفون السلام.
وتابع: "اتخاذ قرار واحد بإلغاء السلام يجعل من مصر دولة معادية، وليس لدينا حتى لواء للوقوف ضدها".
وتطرق بريك إلى ملف التهدئة ، قائلاً: "هناك تقارير تفيد بأن رئيس الموساد يقوم بصياغة الرد الإسرائيلي على مقترحات الوسطاء، رغم أنه من غير الواضح ما إذا كانت هناك استراتيجية متماسكة في ضوء رد حماس". وتساءل "كيف يمكننا التقدم هنا قبل أن نكون في حدث عسكري؟ .. قضية الرهائن حدث استراتيجي".
وأضاف: "نرى أن قدرة الجيش الإسرائيلي على ملاحقة حماس تتضاءل، وكذلك مستوى الأخطاء العملياتية. السؤال بعد اليوم مهم للغاية. كان هناك حلم هنا من وجهة نظر أولئك الذين أداروا الرهينة والمفقودين لكن الامر لم ينجح".
رداً على ذلك، قال بريك: "لا تزال حماس تشعر بأنها قوية للغاية. وهي مستعدة للتخلي عن المنازل والأشخاص الذين قتلوا، لكنها تشعر أنه من غير المرجح أن نسقطها. ولذلك، فهي تستخدم لغة ساخرة، ولا تريد أن تسقطها .. حكومة نتنياهو الآن تعمل للتوصل إلى اتفاق بشأن الرهائن في محاولة لشراء الوقت. لإضعاف قدراتهم يبدو أننا لا نقترب من ذلك. حماس ستستمر في الوجود".
التحذيرات الإسرائيلية المتتالية تزايدت حدتها في ظل ما ينشره الإعلام الإسرائيلي عن خلافات حادة داخل مجلس الحرب، وبالأخص بين نتنياهو ورئيس أركان جيش الاحتلال هيرتسي هاليفي بشأن العملية المرتقبة في رفح.
وقالت القناة 13 الإسرائيلية إن نتنياهو طلب من رئيس الأركان إعادة تجنيد أي ضباط احتياط تم تسريحهم، لصالح العملية العسكرية المرتقبة. ما عقب عليه رئيس الأركان بالقول: "سنعرف كيفية التعامل مع أي مهمة تسند إلينا.. ولكن هناك جوانب سياسية هنا يجب تنفيذها قبل العملية، وهي أمور لا يمكن لأحد التعامل معها سوى المستوى السياسي. نحن بحاجة إلى أن نقرر ما يجب فعله مع 1.3 مليون من سكان غزة الموجودين في رفح، وكذلك تنسيق القضية على المستوى السياسي مع المصريين".
تحذيرات الجنرال بريك وما كشفته القناة 13 من حالة ارتباك في الداخل الإسرائيلي، لم يكن وليد اللحظة، فقبل أيام، وجه ايهود أولمرت رئيس وزراء إسرائيل السابق اتهامات لنتنياهو بإطالة أمد الهجوم على غزة دون داع وعرقلة الطريق إلى السلام بينما يُترك الرهائن المختطفون ليموتوا.
وقال أولمرت في تصريحات نشرتها صحيفة الاندبندنت البريطانية: "إن غطرسة نتنياهو وتلاعبه أدت إلى إخفاقات أمنية كارثية، مما سمح بهجوم حماس الذي أثار الصراع الحالي."، وحذر من ما وصفه بالمتطرفين اليمينيين الذين جلبهم نتنياهو الى الائتلاف الحاكم بإسرائيل وأضاف: "انهم يعيقون الحاجة للتسوية ولديهم خطط لتطهير الفلسطينيين من رؤيتهم لإسرائيل الكبرى".
وأضاف أولمرت: "إسرائيل تلقت دعماً هائلاً من الغرب، من ريشي سوناك في بريطانيا، ومن أولاف شولتز في ألمانيا، وإيمانويل ماكرون في فرنسا، وبالطبع من جو بايدن، الذي أعرفه جيداً"، وتسائل محذرا داعمي إسرائيل: "لقد واجهوا معارضة لهذا الدعم من بعض الناس في الداخل. إلى متى سيتمكنون من مواصلة هذا الدعم إذا لم تفتح هذه الحكومة الإسرائيلية حتى نافذة ضيقة لما قد يصبح في نهاية المطاف اتفاق سلام ينهي هذه الحرب؟
وتابع: "يجب أن يكون هناك وقف لإطلاق النار يتبعه كل الجهود الممكنة لإنقاذ الرهائن الذين ما زالوا محتجزين".
وطالب أولمرت بوقف إطلاق نار عاجل يتبعه كل الجهود الممكنة لإنقاذ الرهائن واعتبر الفشل في القيام بذلك ومواصلة المهمة العسكرية التي لم يعد من الممكن الدفاع عنها أثناء بقاء الرهائن في الأسر سيكون أمرا لا يغتفر على الإطلاق لن ينساه الإسرائيليين" .
وتحدث أهالي الأسرى عن خوفهم من أن يدفع ذويهم المحتجزين ثمن سعي رئيس الوزراء الإسرائيلي إلى تحقيق "النصر المطلق"، وقالت أدينا موشيه (72 عاما) للصحيفة البريطانية: "أنا خائفة وقلقة للغاية من أنه إذا واصلتم هذا الخط من تدمير حماس، فلن يكون هناك أي رهائن للإفراج عنهم. كل شيء بين يديك".
وقال أولمرت إن نتنياهو يحاول إخفاء فشل حكومته في منع مذبحة حماس من خلال الاستمرار في العمل العسكري الذي من الواضح أنه لا يمكن تحقيق أهدافه، وأضاف: "ربما كان هجوم حماس في 7 أكتوبر أكبر هزيمة عسكرية في تاريخ دولة إسرائيل .. تعرضت ثقة شعبنا، المدنيين، للخيانة. لقد تعرضوا للهجوم في منازلهم، ولساعات وساعات لم يكن هناك جيش لإنقاذهم. وكانت هذه هزيمة مدمرة لبلدنا"
وأضاف: "يحاول رئيس وزراء إسرائيل أن يعتقد أن هذا لم يحدث قط. يتحدث عن تدمير حماس وإزالتها من على وجه الأرض. وهذا أمر غير ممكن إنسانيًا، ولا يمكن تحقيقه .. وحتى عندما تنتهي الحرب، يبدو أن نتنياهو مصمم على اتباع سياسات من شأنها أن تلحق أضرارا جسيمة بإسرائيل".