سيرة حسن الصباح كما قدمها الأدب العالمى.. شيطان يتاجر بمفاتيح الجنة

الأحد، 18 فبراير 2024 11:00 م
سيرة حسن الصباح كما قدمها الأدب العالمى.. شيطان يتاجر بمفاتيح الجنة الحشاشين
كتب - رامى سعيد

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
فوق صخرة على ارتفاع 6 آلاف قدم، وقع اختيار حسن الصباح على قلعة تقف وحيدة لتكون مركز حكمه.. وقد ظلت لمائة وستة وستين عامًا مقرًا لأخطر طائفة عرفها التاريخ، ستُعرف لاحقا باسم الحشاشين.
 
أواخر القرن التاسع الميلادى كانت بلاد المسلمين مرتعا للدعوات الباطنية من قرامطة وإسماعيلية، وغيرهم ممن يبشرون بظهور المهدى المنتظر، وسياسيا فقدت الخلافة العباسية معظم سلطانها ونفوذها على البلاد المجاورة، بعدما سطع نجم الدولة السلجوقية واستولت على إيران وأفغانستان ووسط آسيا، لتتأسس فرقة الحشاشين وقتها كيانا مناهضا للامبراطورية الناشئة، بسلسلة طويلة من الاغتيالات والمطاردات اللانهائية بإيعاز من مُؤسسها.
 
فى روايته «سمرقند» يشير الأديب اللبنانى أمين معلوف إلى أن بداية حسن الصباح كانت مع لقائه الأول بعالم الفلك والرياضيات الشهير عمر الخيام، فشاءت المصادفات ألا يجد الخيام غرفة شاغرة فى مدينة قاشان، ليحل ضيفًا على غرفة «الصباح» وكان طالبا مغمورا.
 
بعد فترة من الحوار، سيشعر «الخيام» أن الصباح ليس شخصًا عاديًا سيقول له: إن كنت قد سعيت إلى التأثير فى؛ فعلىّ الاعتراف بأنك نجحت فمن أنت إذن؟ سيرد عليه الصباح: قلت لك اسمى، ولكنه لا يوقظ فى نفسك شيئا، إنى حسن الصباح من قم، ولست أدعى مجدًا غير أننى أتممت فى السابعة عشرة قراءة جميع ما يخص علوم الدين والفلسفة والتاريخ والنجوم.
 
تأثير «الصباح» فى نفس عمر الخيام جعله يُسارع بترشيحه لمنصب «صاحب الخبر» لدى نظام الملك، إذ طلب الوزير منه أن يترأس المنصب قائلا: «أعلم أنك كتوم قليل الميل للكلام، وأنك حكيم وعادل ومنصف وأهل لتمييز الصواب من الخطأ، وأود أن أضع بين يديك أصعب المهمات»، فما كان من الخيام أن رفض المنصب ورشح صديقه قائلا: «أستطيع إنساك رفضى بأن أقدم إليك رجلا التقيته منذ بعض الوقت، إنه شديد الفطنة وعلمه غزير، ومهارته تخلب الألباب، ويُخيل إلى أنه منذور لمنصب صاحب الخبر، وأنا على ثقة بأن اقتراحك يُسعده، وقد اعترف لى بأنه قدم من الرى إلى أصفهان على أمل وطيد فى أن يُوظَّف إلى جانبك».
 
تساءل نظام الملك: شيعى إمامى؟ ثم أردف: هذا لا يزعجنى، رغم كونى مناهضًا لجميع الهرطقات والانحرافات، إن بعض خير أعوانى من شيعة على، وخير جنودى من الأرمن، وخَزَنتى من اليهود، ومع هذا لا أضن عليهم بثقتى وحمايتى، إن الوحيدين الذين أحذرهم هم الإسماعيليون. لم يكن نظام الملك يعلم فى بداية الأمر أن حسن الصباح إسماعيلى مناهض لنظام الحكم الذى يخدمه، سيتمكن من إقناع الوزير به، وسينجح بعد قليل فى إقامة شبكة من العملاء والتجار والدراويش والحجاج المزيفين، يردون الامبراطورية السلجوقية غير غافلين عن سماع ما يجرى فى أى قصر أو بيت أو ركن من السوق، فكل المؤامرات والشائعات والنمائم كانت تصله ويُحبطها بطريقة سرية.
 
الآلة الرهيبة التى صنعها الصباح ستنال استحسان نظام الملك، سيفتخر بها عند السلطان ملكشاه، الذى سيحاول الصباح استمالته وتأليبه على الوزير؛ لتنفيذ مخططه الكبير فى تقويض الإمبراطورية؛ إلا أن الوزير الماكر العجوز سرعان ما يتمكن من ضرب مخططه أمام الملك. يكشف معلوف فى روايته أن الصباح كان يحاول النفاذ إلى ملكشاه من نقطة ضعفه، فقد كان يعرف مدى شُحّ الملك، فلم ينفك يحدثه عن نفقات الوزير، ويلفت نظره لأثوابه وأزياء مقربيه، وفى أحد أيام السبت استيقظ السلطان ظهرًا يشكو من صداع مؤلم، ومزاجه قتال، وأخرجه عن طوره أن يعلم من شبكة الصباح أن ستين ألف دينار ذهبى جرى توزيعها على العسكر من حراس الوزير الأرمن، يطلب الملك تقريرا ويقول الوزير باحتياجه لسنتين، ويتطوع الصباح بإنجازه فى 40 يوما.
 
بعد المدة سأل الملك، فقال حسن: وفيت بوعدى، والبيان موجود، والتفت لمساعده فتقدم منه مسرعا وفج الشريط الجلدى، وناوله الرزمة، فبدأ قراءاتها، ولم تكن الصفحات الأولى كما جرت العادة سوى عبارات شكر وتقريظ، غير أنه عندما عاد للوضع المالى انفرجت شفتاه وانطبقتا وساد صمت، وقال: مولاى إنى لا أجد البقية، لقد رتبت أوراقى بالتتابع، ولا بد أن الورقة التى أبحث عنها سقطت، فتدخل نظام الملك بنبرة تنضح بالشهامة طالبا الانتقال لمدينة أخرى، وتكرر الأمر، وحينها شعر الملك بالخداع فأمر بالقبض على الصباح وإعدامه.
 
يقول معلوف: تكلم عمر للمرة الأولى فى الاجتماع فقال، فليعف مولانا، قد يكون حسن الصباح ارتكب أخطاء وأذنب جراء تفانيه واندفاعه، وينبغى أن يُطرد، غير أنه لم يرتكب أى ذنب خطير بحقك. قال الملك لتُسمل عيناه إذن، أى «تُفقع»، وتدخل عمر ثانية: لا تُنزل يا مولاى مثل هذا العقاب بشابٍ يُمكن أن يسلو إقالته بالقراء والكتابة، وحينئذ قال ملكشاه: من أجلك يا «خوجة» أقبل بالرجوع مرة أخرى عن قرارى، وحُكم على الصباح بالطرد.






مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة