يترقب العالم مرافعة مصرية شفهية للتاريخ، أمام محكمة العدل الدولية يوم الأربعاء المقبل، حيث ستشارك فى الرأى الاستشارى الذى طلبته الجمعية العامة للأمم المتحدة من محكمة العدل حول السياسات والممارسات الإسرائيلية فى الأراضى الفلسطينية المحتلة منذ عام 1967، وقدمت مصر مذكرة للمحكمة.
الخطوة المصرية، تنطوى على رسائل غير مباشر من الدولة المصرية، فى مقدمتها، انتقال القاهرة من "الدور الانسانى تجاه غزة" التى قامت ولاتزال تقوم به تجاه الفلسطينيين، من خلال ادخال المساعدات الانسانية عبر معبر رفح وعلاج الفلسطينيين فى المستشفيات المصرية وغيره.. إلى "الدور السياسي" والذى يشمل كافة التحركات الدبلوماسية منذ بداية العدوان الإسرائيلى فى اكتوبر 2023 وجهود التهدئة، إلى "الدور القانونى" لنصرة القضية الفلسطينية وإنصاف آلاف الشهداء الفلسطينيين وردع مخطط التهجير الذى لاتزال تسعى تل أبيب لتمريره بقوة السلاح.
وتشمل المذكرة المصرية تأكيد عدم شرعية الاحتلال الإسرائيلي الذى دام أكثر من 75 عاما بالمخالفة لمبادئ القانون الدولى الانسانى، وكذلك سياسات ضم الأراضى وهدم المنازل وطرد وترحيل وتهجير الفلسطينيين، بالمخالفة للقواعد الآمرة للقانون الدولى العام، ومنها حق تقرير المصير للشعب الفلسطيني وحظر الاستيلاء على الأراضى من خلال استعمال القوة المسلحة. كما تتضمن المذكرة رفض سياسات الاضطهاد والتمييز العنصرى وغيرها من الممارسات الإسرائيلية، التى تنتهك بشكل صارخ مبادئ القانون الدولى الانسانى والقانون الدولى لحقوق الانسان.
الرسائل الاخرى التى تبعث بها القاهرة للمحتل الغاصب، هى ضرورة محاسبة إسرائيل على جرائمها وردع مخطط التهجير والابادة، وفى أكثر من مناسبة أكد سامح شكرى وزير الخارجية، "إن هناك آليات لمحاسبة إسرائيل على الجرائم التى ارتكبتها فى قطاع غزة"، وفى المحافل الدولية شدد القاهرة على أن استقرار وتنمية المنطقة ككل يتطلب فرض مسار سياسى يسمح بتسوية القضية الفلسطينية من خلال إنهاء الاحتلال، ونظام الفصل العنصرى الإسرائيلى "الأبارتهايد" الممارس بحق الفلسطينيين بجميع أماكن تواجدهم، وتمكين الشعب الفلسطينى من تقرير مصيره على أرضه واستغلال موارده الطبيعية، وتطوير اقتصاده الوطنى وإحداث التنمية.
وأكدت القاهرة أيضا فى اكثر من مناسبة على ضرورة تفعيل أدوات المحاسبة والمساءلة الدولية لإسرائيل، ولن يتحقق هذا إلا بقيام المجتمع الدولى بتحمل مسئولياته القانونية والأخلاقية والتدخل الفاعل لإنهاء ورفع الحصار المفروض على قطاع غزة، والضغط على سلطات الاحتلال لإجبارها على احترام مبادئ القانون الدولى لحقوق الإنسان والقانون الدولى الإنساني.
الرسائل الأخيرة التى تنطوى عليها مراقعة مصر المرتقبة الأربعاء المقبل هى تأكيد شمولية رؤية "حل الدولتين" المصرية والتى حازت بتأييد دولى لكن لايزال يرفض الاحتلال تنفيذها، ومنذ بدء الأزمة أعلنت القاهرة رؤية شاملة لوقف الصراع العربى – الإسرائيلى، المتمثلة فى خارطة طريق تستهدف إنهاء المأساة الإنسانية الحالية، وإحياء مسار السلام، من خلال عدة محاور، تبدأ بالتدفق الكامل والآمن، والسريع والمستدام، للمساعدات الإنسانية لأهل غزة، ثم التفاوض حول التهدئة ووقف إطلاق النار، ثم البدء العاجل، فى مفاوضاتٍ لإحياء عملية السلام، وصولًا لأعمال "حل الدولتين"، وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة، التى تعيش جنبًا إلى جنب، مع إسرائيل، على أساس مقررات الشرعية الدولى، مع العمل بجدية على تدعيم السلطة الوطنية الفلسطينية الشرعية، للاضطلاع بمهامها، بشكل كامل، فى الأراضى الفلسطينية".
أما المرافعة الشفهية المصرية تتضمن تأكيد اختصاص محكمة العدل الدولية بنظر الرأى الاستشارى، باعتبار الجمعية العامة للأمم المتحدة أحد الأجهزة المخولة وفقا لميثاق المنظمة بطلب رأى استشارى من المحكمة، ونظرا لان الأمر يتناول الأبعاد القانونية لـ المستوطنات الإسرائيلية غير المشروعة فى الأراضى الفلسطينية المحتلة، المخالفة لمبادئ القانون الدولى وقرارات الشرعية الدولية.
وتتضمن فضح الجرائم الإسرائيلية منذ 1967، والتى تعد جرائم لا تسقط بالتقادم، وتضاف لسجل إسرائيل الملطخ بالدماء فى قتل وتهجير وتجويع وإبادة ملايين الفلسطينيين، ويوجد إجماع فى الفقه القانونى الدولى على أن الأراضى التى احتلتها إسرائيل سنة 1967 هى أراض محتلة، وأن الاستيطان فيها غير شرعى بموجب الأعراف والمواثيق الدولية المعنية بحقوق الإنسان والقانون الدولى الإنساني. ويرجع الخبراء، بصورة خاصة، إلى اتفاقية لاهاى واتفاقية جنيف الرابعة، اللتين نصتا على عدم قانونية الاستيطان، أى نزعتا الشرعية عن نقل السكان إلى الإقليم المحتل والاستيلاء بالقوة على الأملاك الخاصة فيه، إلاّ فيما يتعلق بتبريرات أمنية بموجب القانون الدولى.