عقد الجامع الأزهر الشريف اليوم الأحد، حلقة جديدة من ملتقى الطفل، والذي يأتي تحت عنوان: "الطفل الخلوق - النظيف - الفصيح"، وذلك في إطار مواصلة الجامع الأزهر والرواق الأزهري، جهودهما في توعية النشء بالآداب الإسلامية والأخلاقيات السليمة النابعة من صحيح الدين، وحاضر في الملتقى الشيخ إمام علي، الباحث بوحدة شئون الأروقة بالجامع الأزهر الشريف، والدكتور محمود أبو العلا، الباحث بوحدة العلوم الشرعية والعربية بالجامع الأزهر الشريف.
فى البداية قال الشيخ إمام إننا نعيش هذا الزمان المتسارعة أحداثه، والكثيرة حوادثه، والمتعددة أخباره، والمتكررة ابتلاءاته، والمرء منا يحتاج إلى ضبط سلوكه، وعدم التسرع والعجلة عند التعامل مع من حوله في مثل هذه الظروف والأحوال. فالمعلومات والحقائق والأخبار تتغير وتتبدل كل وقت وآخر، خاصة ونحن في زمن الفضائيات والإنترنت والصحف والإذاعات، ووسائل الإتصال والهاتف النقال، فالخبر أو الحادثة تنتشر إلى العالم في لحظات معدودة.
وتابع: ومما لا شك فيه أن هذه الأخبار والمعلومات والحوادث تؤثر في نفسية الإنسان سلباً أو إيجاباً، وعليه يحتاج إلى التأني وعدم العجلة والتسرع في تلقي هذه الأمور، إلى جانب أننا بشر ونتعامل مع من حولنا في البيت والشارع والسوق والوظيفة بسلوكياتهم المختلفة، وأخلاقهم المتنوعة، ونفسياتهم الغير متشابهة، بل وظروفهم الغير مستقرة. نحتاج إلى جانب التأني وعدم التسرع في اتخاذ القرارات إلى خلق الحلم والتسامح، وتوجيه السلوكيات.
وعرف الباحث الحلم بأنه هو ضبط النفس عند الغضب، وكفها عن مقابلة الإساءة بمثلها وإلزام هذه النفس حال غضبها بحكم الشرع، وتغليب المصلحة، ابتغاءاً للأجر والمثوبة من الله في الدنيا والآخرة؛ قال تعالى: (وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ).
وأوضح أن الحليم اسم من أسماء الله، وصفة الحلم من صفاته، فكم من الأخطاء والمعاصي والزلات ونكران النعم يرتكبها أبن آدم، ومع ذلك نجد رباً غفوراً حليماً منعماً؛ يتجاوز عن السيئات، ويقبل التوبة ويزيد في الحسنات، ويترك الفرصة تلو الفرصة لعباده، ولا يعاجلهم بالعقوبة؛ كما قال سبحانه: (وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِمْ مَا تَرَكَ عَلَيْهَا مِنْ دَابَّةٍ وَلَكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ). وقال تعالى: (وَلَوْ يُعَجِّلُ اللَّهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجَالَهُمْ بِالْخَيْرِ لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ فَنَذَرُ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ.
وبيّن الشيخ ما ورد في السنة النبوية الشريفة عن صفة الحلم فقال: عن عبد الرحمن بن جبير -رضي الله عنه- قال: أتى النبي ﷺ شيخ كبير هرم، سقط حاجباه على عينيه، وهو مدعم على عصا -أي: متكئًا على عصا-، حتى قام بين يدي النبي ﷺ فقال: أرأيت رجلاً عمل الذنوب كلها، لم يترك داجة ولا حاجة إلا أتاها، لو قسمت خطيئته على أهل الأرض لأوبقَتْهم -لأهلكَتْهم- أَلَهُ من توبة؟ فقال ﷺ: "هل أسلمت؟" قال: أشهد أن لا إله إلا الله، وأنك رسول الله، قال: "تفعل الخيرات، وتترك السيئات، فيجعلهن الله لك كلهن خيرات" قال: وغدراتي وفجراتي يا رسول الله؟ قال: "نعم، وغدراتك وفجراتك" فقال: الله أكبر، الله أكبر، ثم ادعم على عصاه، فلم يزل يردِّد: الله أكبر، حتى توارى عن الأنظار. وحلم المولى -سبحانه- ليس بعدم علمه بما يعمل عباده، بل هو العليم الحليم الذي يعلم خائنة الأعين وما تخفى الصدور؛ يقول تعالى: (وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَلِيمًا). ويقول تعالى: (وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ).
وأوضح الشيخ إمام أن الحلم خلق الأنبياء وصفة للمؤمنين والأتقياء، وهو سمة وسلوك للعظماء أمر الله به، وحث رسول الله ﷺ عليه؛ فقال سبحانه: (خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ). وقال تعالى عن عباده: (وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ). وقال الحسن -رضي الله عنه-: "المؤمن حليم لا يجهل وإن جهل الناس عليه، وتلا قوله تعالى: (وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا). وقيل لقيس بن عاصم: "ما الحلم؟ قال: أن تصل من قطعك، وتعطي من حرَمك، وتعفو عمن ظلمك".
وأردف قائلاً: الحلم وسيلة للفوز برضا الله وجنته، فقد قال النبي ﷺ: "من كظم غيظًا وهو قادر على أن يُنْفِذَهْ، دعاه الله -عز وجل- على رءوس الخلائق يوم القيامة، يخيره من الحور العين ما شاء". والحلم دليل على رباطة الجأش، وشجاعة النفس، ودماثة الخلق، ولا يعني الضعف والهوان كما يتصوره كثير من الناس؛ يقول رسول الله ﷺ في الحديث الصحيح الذي رواه البخاري ومسلم عن أبي هريرة -رضي الله عنه-: "ليس الشديد بالصرعة إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب". وقال علي بن أبي طالب -رضي الله عنه-: "ليس الخير أن يكثر مالك وولدك، ولكن الخير أن يكثر علمك ويعظم حلمك.
ومن جانبه تناول الدكتور محمود أبو العلا، الباحث بوحدة العلوم الشرعية والعربية بالجامع الأزهر الشريف، شرح علامات الترقيم، حيث قام بتعريفها وبين حالات إعرابها ومواضعها، ودلل على ذلك بالأمثلة التوضيحية.
وفي نهاية الملتقى، اختتم الباحثان حديثهما بالإجابة عن بعض الأسئلة حول الموضوع، وأثناء الشرح استخدم الباحثان بعض الشرائح التوضيحية، معتمدَيْن على أسلوب المناقشة والتحاور مع الأطفال، تشجيعاً لهم على المشاركة.
يذكر أن ملتقى " الطفل الخلوق والنظيف والفصيح" يعقد يوم السبت من كل أسبوع بالجامع الأزهر، ويتم تنفيذه في بعض المحافظات ، وذلك لتربية النشء على أسس صحيحة، وفهم عميق لأخلاقيات ديننا الحنيف.