من له مثل أولياتى.. سهير القلماوى.. أول صوت نسائى إذاعى.. أول حاصلة على الدكتوراه.. الفتاة الأولى الحاصلة على كارنيه الصحافة.. طه حسين عين لها حراسة لحمايتها من تجمهر المعترضين على التحاق الفتيات بالجامعة

الأحد، 25 فبراير 2024 09:00 م
من له مثل أولياتى.. سهير القلماوى.. أول صوت نسائى إذاعى.. أول حاصلة على الدكتوراه.. الفتاة الأولى الحاصلة على كارنيه الصحافة.. طه حسين عين لها حراسة لحمايتها من تجمهر المعترضين على التحاق الفتيات بالجامعة سهير القلماوى
زينب عبداللاه

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

تنوعت مؤلفاتها بين مجالات المعرفة والسياسة والنقد الأدبى.. وحصلت على جائزة الدولة التقديرية فى الآداب
 

فى هذه المساحة نقدم سيرة النساء الأوليات اللاتى حملن مشاعل النور وسط الظلام، من فتحن أبوابا مغلقة لم يكن مسموحا لبنات جنسهن أن يطرقنها، وخضن معارك مع الجهل والظلم، ليمهدن لبنات حواء طرق العلم والعمل والنجاح والإبداع فى زمن كان تعليم الفتاة أمرا خارجا عن المألوف مخالفا للعادات والتقاليد، متعارضا مع النظرة السائدة للمرأة ودورها فى الحياة الذى كان مقتصرا على الزواج وخدمة الرجل وتربية الأبناء ورعاية شؤون المنزل، من شققن طرق العلم، واقتحمن مجالات العمل ورسمن مسارات جديدة لأجيال قادمة، هذه المساحة نكشف فيها مسيرة كفاح الأوليات فى كل المجالات.

سهير القلماوى (1)

لم تكن سهير الطفلة التى ولدت عام 1911 لأب يعمل طبيب جراح وأم تعرف أكثر من لغة وأسرة محبة للعلم سابقة لعصرها، تدرك أن البيت الذى نشأت فيه أكثر رحابة وتحررا من المجتمع حوله، وأن ما تربت عليه فى هذا البيت وتلك الأسرة من مساواة وعدل بين البنت والولد لن يتوافر لها خارجه حتى وهى على أعتاب الجامعة التى تلقت فيها أول صدمات حياتها وحالت دون تحقيق حلمها بأن تكون طبيبة مثل والدها، لا لسبب إلا لكونها أنثى.
 
 «كنت أعيش فى أسرة تتمتع بالكثير من التحرر وفى نفس الوقت تحافظ على القيم والأخلاق لأبعد حدود، لم يكن هناك فرق فى عائلتى بين الرجل والمرأة، ولم يكن جدى يزوج بناته قبل سن 20 سنة، وكانت أسرتى تتميز بتقدم كبير فى التفكير، والدى طبيب جراح ووالدتى تعرف لغات، والبيئة التى عشت فيها شجعتنى أكمل تعليمى بعد الثانوية العامة، كان حبى وارتباطى بوالدى كبيرا، أفرح حين أناوله أدوات الجراحة، وأجتهد بكل ما فيّ وسعى لأكون طبيبة مثله، وكان تفوقى فى العلوم والرياضة يثير إعجاب مدرساتى.. هكذا تحدتث الدكتورة سهير القلماوى أول فتاة تلتحق بكلية الآداب وتتخرج من قسم اللغة العربية وإحدى أوائل الفتيات اللاتى التحقن بالجامعة وأول معيدة وحاصلة على الماجيستير والدكتوراه فى الآداب خلال برنامج «نساء ناجحات» الذى كان يعرض بالقناة الثانية بالتليفزيون المصرى.
 

اقرأ أيضا..

من الطب لدراسة اللغة العربية.. قضت سهير طفولتها وصباها من سن 6 حتى 17 سنة تدرس فى كلية البنات الأمريكية، يبدأ يومها الدراسى من السابعة صباحا وحتى الرابعة مساء لا تتحدث إلا باللغة الإنجليزية، وطوال هذه السنوات لا تفكر سوى أن تنهى دراستها الثانوية لتلتحق بكلية الطب، فى وقت لم تكن الفتيات يلتحقن بالجامعة، دون أن تعرف أنه غير مسموح لبنات جنسها دراسة الطب حتى اصطدمت بذلك حين تقدمت بأوراقها للجامعة عام 1929.
 
 
تحدثت القلماوى عن هذه الصدمة بالتفصيل فى كتاب «طه حسين كما يعرفه كتاب عصره» الصادر عن دار الهلال، حيث كتبت تحت عنوان: «أستاذى طه حسين» تقول: «أسبوع فاصل فى حياتى ما زلت أذكر أحداثه وأستعيد الإحساسات التى مرت بى فيه، كان ذلك الأسبوع فى شهر سبتمبر عام 1929، وكنت قد قدمت أوراقى لمجلس كلية العلوم فى الجامعة المصرية كما كانت تسمى آنذاك، وكلما سألت عما تم فى شأنها يقال لى إن العميد الأستاذ بانجهام لم يعد من إجازته ليفصل فى أمرها، وفى أوائل الأسبوع المشهود علمت بوصول عميد كلية العلوم الذى كان سيقبلنى فى السنة الأولى أو الإعدادية لكلية الطب أولا يقبلنى، كان بيده فيما كنت أتصور أن يفتح أمامى أبواب مستقبل ظلت أحلامه تداعبنى منذ استطعت أن أتطلع إلى المستقبل حالمة مؤملة، ولكن الأستاذ الانجليزى سامحه الله عاد وقرر عدم قبولى فى الكلية، واستنجدت بناظرة مدرستى الثانوية وطلبت من العميد موعداً وكانت مقابلة تاريخية فى حياتى».
عرضت سهير على عميد الكلية الإنجليزى أن يعقد لها امتحانا وإذا لم تنجح بثمانين فى المائة على الأقل لا يقبلها، فرفض، فطرحت عليه أن يقبلها تحت التجربة فإذا لم تنجح بنفس النسبة آخر العام يمكنه أن يفصلها، وهو ما رد عليه العميد بأنه ليس فى القوانين ما يسمح له بذلك، وفى نهاية المقابلة أكد أنه يمكن فقط استقبالها فى معامل الكلية كباحثة حرة.
 

واقرأ أيضا..

 
 
واقترحت ناظرة المدرسة على سهير المصدومة السفر للخارج لدراسة الطب ولكنها أكدت أن والدها لن يسمح لها بالسفر فى هذا السن.
طه حسين الأب الروحى.. تكشف القلماوى فيما كتبته عن أستاذها طه حسين كيف تحول مسار حياتها من حلم دراسة الطب إلى دراسة اللغة العربية والالتحاق بكلية الأداب موضحة أن قريب لها كشف بعد يومين من هذه المقابلة أن مجلس الجامعة كان متعاطفاً مع طلبها ولكن العميد الانجليزى هدد بالاستقالة اذا قبلت طالبة بكلية الطب، وقبل أن تغرق سهير فى اليأس والحزن اقترح قريبها أن يزورا صديقه الدكتور طه حسين فى بيته لتأخذ منه المشورة.
«كنت أقرأ لأبى بعد أن ضعف بصره مقالات طه حسين والعقاد وهيكل، وكان رحمه الله يصلح من لغتى ويهذب من لهجتى ويعلمنى الإعراب، ويحيلنى إلى كتبه لأقرأ مزيداً من شعر ونثر عربيين قديمين، ولكنى لم أكن أحب من كل هذا شيئاً، لأننى كنت أسعى لأكون طبيبة»..هكذا وصفت سهير علاقتها باللغة العربية وفكرتها عن الدكتور طه حسين قبل أن تقابله.
 
تصف إحساسها عندما ذهبت لمقابلته قائلة: «ذهبت إلى منزل طه حسين فى مصر الجديدة قرب دير الرهبات وأحسست بالخشية والخوف، وزاد خوفى لما وجدت فى غرفة الاستقبال زواراً لا أعرفهم، ولكن خالى همس يشجعنى وما إن خلت الغرفة قليلاً حتى بسط لطه حسين قصتى فإذا هو يعرفها، وإذا هو يقول: ماذا عليك أنا أقبلك فى كلية الآداب وفى قسم اللغة العربية وستجدين بغيتك فى تشريح جرير والفرزدق، وضحك ولم أفهم شيئاً». 
وأجابت سهير مندهشة: ماذا قسم اللغة العربية؟!، إنه انتحار لأنى حتماً سأرسب إلى ما شاء الله، فقال عميد الأدب العربى الذى كان وقتها عميداً لكلية الآداب: ماذا ألا يعجبك أن أدرس لك ؟!، فردت القلماوى فى تلعثم: أبداَ، هذا شرف كبير، وضحك طه حسين فى حنان.
 
ومنذ هذه اللحظة نشأت علاقة قوية بينها وبين أستاذها طه حسين الذى أصبح بمثابة أبيها الروحى ووصفت ذلك قائلة: «أحسست من وراء ضحكه روحاً حلوة وقارنته بأبى فإذا فيه الكثير منه، ودار كلام كثير وأنا أحاول أن أجمع شتات نفسى، لأتبين ما أنا مقبلة عليه، فقال لى:غداً فى كلية الآداب الساعة العاشرة موعدنا».
 

واقرأ أيضا..

معاناة أول فتاة جامعية.. تؤكد فى حديثها ببرنامج نساء ناجحات أنها قدمت أوراقها للجامعة فى مايو، بينما كانت نتيجة زميلاتها الأربعة نعيمة الأيوبى وفاطمة سالم وزهيرة عبد العزيز وفاطمة فهمى اللاتى كن أول دفعة بنات يلتحقن بالجامعة ستظهر فى أغسطس لتكون بذلك أول فتاة تتقدم للالتحاق بالجامعة المصرية، وبعد صعوبات تم قبولها بمساعدة أستاذها طه حسين فى قسم اللغة العربية بكلية الآداب، وكانت الطالبة الوحيدة بالقسم لمدة 4 سنوات.
 
عانت سهير كثيرا فى بداية التحاقها بالجامعة سواء فى التأقلم على دراسة الأدب العربى لطالبة درست كل علومها بالإنجليزية أو من دهشة المجتمع واستنكاره لالتحاق فتيات بالجامعة المصرية، ووصفت ذلك فى مقابلتها التلفزيونية قائلة: «كنا خمس فتيات فقط ندرس فى الجامعة نشعر وكأننا على خشبة مسرح والناس بتتفرج علينا، نمشى فى الشارع فيتجمهرواعلينا فى الشوارع المجاورة للجامعة ويهتفوا ويشيروا إلينا».
 
فيما يقول الكاتب يوسف القعيد خلال حوار تليفزيونى مع برنامج المساء مع قصواء عام 2019: «حكت لى الدكتورة سهير القلماوى تلميذة طه حسين وهى أول فتاة تدخل جامعة فؤاد الأول أنها كانت تتعرض لمضايقات من الطلاب ليس لأنهم غير مؤدبين ولكن لأنه كان من غير المألوف أن تذهب بنت للجامعة فأمر لها طه حسين بحراسة تصحبها من كلية الآداب حتى بيتها وتأتى بها من بيتها إلى الجامعة حتى لا تفشل تجربتها فلا تلتحق بنات أخريات بالجامعة، إلى أن اعتاد الناس وبدأ غيرها يلتحقن بالجامعة».
 
تصف القلماوى الصعوبات العلمية التى واجهتها فى التأقلم مع دراستها الجديدة، قائلة: «بدأت حياتى فى الجامعة بتحد معجز، وأول موضوع عن طرفة بن العبد كتبته بالإنجليزى ثم ترجمته للغة العربية لأنى كنت لا أستطيع التعبير باللغة العربية بسهولة، رغم أنى كنت أقرأ القرآن الكريم والتفاسير مع والدى وأقرأ الجرائد ومقالات طه حسين والعقاد لكنها كانت قراءة هاوية، ويعود الفضل لأساتذتى فى الجامعة الذين أحاطونى بكل رعاية، ولأستاذى طه حسين الذى أحال يأسى إلى أمل، وما شكوت له عسراً حتى أحاله فى حنان الوالد إلى يسر، وكان يأخذنى باللين أحياناً، وبالشدة أكثر من غيرى فى أحيان أخرى».
 

سهير رمز النهضة..

بذلت سهير مجهودا مضاعفا فى الدراسة حتى أن أساتذتها كانوا يقولون لها لو كانت درجتك على قدر مجهودك لاستحققت 200 من مائة، فتفوقت وتعلمت الكثير من أستاذها طه حسين الذى تحدثت عنه كثيراَ:» كان يفتح لنا أفقاً ويمزج بين أطراف الموضوع وما يمكن أن يتصل به من موضوعات فى قدرة عجيبة، صاحب أفكار جديدة لماحة مضيئة، علمه الدقيق المتخصص وثقافته الواسعة يتداخلان بشكل رائع فيلهم طلابه دائما»..هكذا وصفت أستاذها فترة الدراسة بالكلية، وحين عينت معيدة قالت: «مرت الأيام ودخلت معه قاعة الدرس معيدة، وهنا اطلعت على بعض عاداته كأستاذ، لم يكن يدخل قاعة الدرس قبل أن يعد درسه ويقرأه من جديد، علمنا أن نجل الدرس ونحترم مقامه،علمنا كثيرا غير العلم المدون فى الكتب، وكيف نعشق الآفاق الرحبة، ونفتح أذهاننا لكل جديد ولا نحكم على شىء قبل أن نعرفه، وأن نحب الحياة فى تجددها وننتصر لها على مظاهر الجمود والشلل والموت، ما اعتذر يوما عن درسه إلا مضطراً أشد الاضطرار، وما دخل درسه إلا فى ميعاده».

 
سهير القلماوى (2)
 
احتفت الصحف بتخرج سهير القلماوى التى أصبحت رمزاً لنهضة الفتاة وتصدرت صورتها الجميلة مجلة العروسة فى عددها رقم 457 الصادر بتاريخ 1 نوفمبر عام 1933 تحت عنوان: «نهضة الفتاة المصرية.. حديث مع الآنسة سهير القلماوى»..للأستاذ حسن مظهر، ومضت المجلة تصف جمال وثقافة الفتاة التى تخرجت من الجامعة وعينيها النجلاوين اللتين تلمعان ببريق الذكاء والعرفان، وفمها الدقيق الرقيق الذى تنطلق منه الكلمات فى قالب خطابى، وخطواتها التى تشبه الألحان، وشعرها الفاحم وهندامها الذى يتماشى مع الموضة، ووجهها الجذاب وقوامها الرشيق وإلقاءها الرصين الذى يجبرعلى الإنصات والتقدير، وظرفها الرائع وحياءها الجم، ومنطقها السديد البليغ، فتقول المجلة: «تلكم هى الأديبة المهذبة الفاضلة الأنسة سهير القلماوى أولى الناجحين فى ليسانس قسم اللغة العربية بكلية الآداب فى العام الماضى والتى آثرت الاشتغال بالصحافة لأنها رأت فيها المجال الفسيح لخدمة بلادها وبنات جنسها، فأسهمت فيها بقلمها وفكرها وجنانها، عاملة دائبة على إنهاض الأسرة والمجتمع المصرى».
 
وتابعت مجلة العروسة التى أجرت حوارا مع القلماوى: «قابلناها فراعتنا منها ثقافتها ورقتها ونبالة أخلاقها وإحساسها ورأينا فيها الفتاة المثلى الجامعة إلى جمال المرأة عقل الرجل، وأجرينا معها حديثاً افتتحناه باستطلاع رأيها فى المرأة المصرية الحديثة وسبل إنهاضها، فقالت: «المرأة اليوم فى دور انتقال هام ظهرت طلائعه القوية عقب الثورة المصرية، وهى محتاجة فى تطورها إلى جهود شديدة تنفق لصقل إدراكها وتوجيهه والوصول بها إلى الكمال المنشود وليست هذه الجهود التى أعنيها قاصرة على التعليم المدرسى فحسب».
 
ووضعت المجلة صورة جميلة للقلماوى وتحتها تعليق: «الأديبة النابغة الآنسة سهير القلماوى أول صحفية مصرية من خريجات الجامعة المصرية»، فالقلماوى أول فتاة تحصل على رخصة الصحافة فى مصر.
 
الأولى دائما.. كتبت القلماوى بعد تخرجها فى العديد من الصحف، وقالت خلال حديثها ببرنامج نساء ناجحات: «تركت الطب واتجهت للغة العربية وقدرت أثبت وجودى أفضل مما كنت اشتغلت طبيبة، وتخرجت من الجامعة وأملى أعمل جريدة سياسية يومية، وقعدت حوالى 4 سنوات أكتب فى جميع الجرايد، ولا تقتصر كتاباتى على الأدب فكنت أترجم وأكتب موضوعات مختلفة، واكتشفت أن الأحلام لجريدة يومية سياسية أمراً صعباً لن أستطيع تحقيقه».
 
تتحدث عن عملها كأول معيدة ومحاضرة بالجامعة عام 1936 وما واجهته من صعوبات فتقول: «أغرونى بالتدريس بالجامعة علشان أسافر باريس وبدأت مرحلة مختلفة جدا فى حياتى بالتحاقى بوظيفة معيدة وعرفت معنى الالتزام بالعمل، اتعينت معيدة وخلال 8 شهور أتممت رسالة الماجيستير، مكانش فى سيدات يقمن بالتدريس فى الجامعة، فقلت أخد محاضراتى بعد الظهر حتى أتجنب المظاهرات والتجمهر ودوشة الطلاب، فكانت النتيجة أسوأ، كان الطلبة يتزاحمون فى المحاضرات علشان يتفرجوا على الست اللى بتقدم الدرس وكأننا فى حديقة حيوانات وكنت أبذل مجهودا كبيرا حتى أسيطر على المحاضرة، لدرجة إنى لما انتهى من المحاضرة مقدرش أخرج أواجه الشارع لأنى أكون مضطربة جدا، وساعات كنت أطلع أبكى فى أوضة الأساتذة، واستمر هذا الوضع لثلاث أو أربع محاضرات حتى استطعت السيطرة على الموقف». 
 
«فى الجامعة أرغمت على أن أشعر بأنى مخلوق أقل قيمة من الطالب لمجرد أنه ذكر وأنا أنثى، وبعض الأساتذة حاولوا أن يدخلوا فى روعى أن هذا من الدين وتبحرت فى هذه الناحية بشكل قوى ووجدت أن الدين يقرالمساواة بل تفضيل للمرأة».
 
كان موضوع رسالتها للماجستير عام 1937 حول «أدب الخوارج فى العصر الأموى» وكانت البلاد وقتها تموج بالمظاهرات السياسية، كما ذكرت الكاتبة سناء البيسى فى مقال بالأهرام بعنوان: «سهير القلماوى سيدة الكتاب»، وكان الطلبة يخرجون فى تظاهرات بين وقت وآخر، وعقد الامتحان فى مدرج بكلية الآداب، وفوجئت القلماوى بالطلبة يخرجون من مدرجاتهم ويتجمعون فى مدرج الامتحان وينضم إليهم طلبة الأزهر، وأخذوا يهتفون وازدادت ثورتهم عندما عرفوا بموضوع الرسالة «أدب الخوارج» واضطر الأساتذة لتهريبها إلى حجرة صغيرة لم تضم أكثر من 60 شخصًا لاستيفاء شرط العلانية، وامتحنت فى ذلك اليوم ونالت درجة الماجستير رغم الضجيج خارج جدران الكلية.
 
تكشف أنها كانت من أوائل الأصوات النسائية التى انطلقت من الإذاعة المصرية بعد افتتاحها: «تلقيت دعوة من إذاعة البى بى سى لأقول حديث فى الإذاعة بلندن ورجعت بعد 25 يوما، وقبلها عندما افتتحوا الاذاعة المصرية عام 1934 وكانت البى بى سى تشرف عليها مع الحكومة المصرية، بحثوا عن سيدات يعرفن الكتابة وكان عددنا قليل جدا لا يتجاوز 2 أو 3 وعملوا لى امتحان صوت وخدونى أقول أحاديث فى الاذاعة وكان ذلك فى مايو 1934»، وهكذا كانت أولى النساء اللاتى تحدثن فى الإذاعة، وتزامناً مع ذلك أصدرت كتاب أحاديث جدتى عام 1935. 
 
الزوجة والأم.. سافرت سهير فى بعثة كان مقررا أن تكون مدتها 4 سنوات ولكن بعد عامين قامت الحرب العالمية الثانية فعادت إلى مصر قبل أن تكمل الدكتوراه، تقول خلال البرنامج الذى تم تصويره فى بيتها الذى تحيطه رفوف الكتب فى كل مكان: «استفدت خلال هذه الفترة بما يوازى عشرات السنوات وتعلمت من أساتذتى هناك الذين فتحوا لى بيوتهم ومكتباتهم واطلعت بشكل واسع على مكتبات خاصة وعامة فى باريس وروما ولندن، وبعد عودتى من البعثة وفى السنة اللى حصلت فيها الدكتوراه من مصر تزوجت، وأثمر زواجى عن ولدين بينهم 4 سنوات، ونظراً لأننى تعبت حتى أنجبت دلعتهم جدا، والحمد لله كلاهما نجح فى حياته أحدهما مهندس والآخر طبيب، حيث اتفقت أنا ووالدهم على أسلوب واحد للتربية وهو ألا نقول لهما كلمة «لا» إلا مضطرين، أمى ربتنى على القسوة وعلى الترتيب والأصول، ولأنى عانيت من ذلك أعطيت لأولادى حرية كبيرة واتبعت سياسة أن الابن يعمل اللى هو عاوزه مش اللى أنا عاوزاه، ومع ذلك عودتهم الاعتماد على النفس والمجهود.
 
تزوجت سهير من زميلها الدكتور يحيى الخشاب وحصلت على الدكتوراة عام 1941 لتكون أول مصرية تحصل على هذه الدرجة العلمية، وكان لها الريادة فى العديد من المجالات الثقافية والعلمية، وطبقا لما أورته الكاتبة الصحفية سناء البيسى فى مقالها، فإن سهير أول طالبة مصرية تحمل كارنيه الصحافة، وكان لها حديث أسبوعى فى الإذاعة، وأول من قام بتدريس اتجاهات النقد الأدبى الحديث فى الجامعة المصرية، وأول باحثة عربية تثبت لمفكرى الغرب ومبدعيه أن فن القصة والرواية لم يكن اختراعًا غربيًا بعدما حصلت على درجة الدكتوراه فى الآداب من جامعة السوربون عام 1941 عن بحثها الرائد فى المؤلف الروائى الضخم «ألف ليلة وليلة» لتصبح رسالتها العلمية حُجة على المستشرقين بعد أن ألقت الضوء على مؤلف عربى متفرد بمئات القصص، وأول من حصل على الدكتوراه فى الآداب من السيدات، وأول مصرية تحصل على كرسى الأستاذية فى الجامعة المصرية عام 1956، وأول سيدة تولت رئاسة قسم اللغة العربية بكلية الآداب عام 1958، وهو القسم الذى تولت رئاسته لحوالى 10 سنوات، وأول سيدة تتولى رئاسة المؤسسة المصرية العامة للتأليف والنشر والترجمة التى عرفت فيما بعد باسم «هيئة الكِتاب» وأول سيدة تحصل على جائزة الدولة التقديرية فى الآداب عام 1977، وجائزة الدولة التقديرية فى أدب الشباب، ووسام الجمهورية من الطبقة الأولى، وعلى صعيد العمل السياسى كانت عضواً بمجلس الأمة عام 1959 وفى مجلس الشعب عام 1979.
 
تحدثت سهير عن رئاستها لمؤسسة التأليف والنشر موضحة أنها كانت مؤسسة تتبعها 7 مطابع ولها 13 موقع ويعمل بها أكثر من 3 آلاف عامل وموظف، وكيف تعاملت مع المشكلات التى واجهتها واستعانت بأفضل الماكينات والمعدات وبدأت طباعة كتب الأطفال الملونة، وكيف تعاملت مع هذا العدد الضخم من العمالة بإيجاد أعمال جديدة من طبيعة عمل المؤسسة، ومن هنا لمعت فى ذهنها فكرة إقامة معرض الكتاب لتخصص عدد من الموظفين للعمل طوال السنة فى كل ما يخص المعرض، وكيف منحت موظفى الهيئة مزايا كانت تمنحها للموزعين للقيام بتوزيع الكتب والحصول على النسبة التى يحصل عليها الموزع، واهتمامها بكتب الأطفال وحرصها أن تكون رخيصة الثمن.
 
تنوعت مؤلفاتها بين مجالات المعرفة والأدب والسياسة والنقد الأدبي، وصدر لها عشرات الكتب ومنها: المحاكاة فى الأدب، الشياطين تلهو، فى النقد الأدبي، ثم غربت الشمس، ذكرى طه حسين، العالم بين دفتى كتاب، وغيرها، كما ترجمت العديد من الكتب والقصص والمسرحيات، وشاركت فى عشرات المؤتمرات الدولية النسائية والثقافية.
 
وفى 4 مايو 1997 رحلت الدكتورة سهير القلماوى بعد رحلة عطاء علمى وثقافى كانت فيها الرائدة الأولى فى العديد من المجالات وفتحت آفاقا جديدة لبنات جنسها لم يسبقها إليها أحد.

 
p
 

 










مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة