حققت اتفاقية الشراكة الاستثمارية الضخمة التى وقعتها مصر مع الإمارات لتطوير مدينة رأس الحكمة بالساحل الشمالى الغربى، أصداء واسعة لدورها فى تخفيف حدة الأزمة الاقتصادية التى تواجهها مصر، فقد كان لها تأثير فورى على الاقتصاد، حيث انهارت السوق السوداء للعملة الأجنبية، مع تراجع أسعار الذهب، الأمر الذى يطرح تساؤلات حول آليات تعظيم الاستفادة من التدفقات الدولارية التى تتضمنها الاتفاقية بحيث يصبح لها تأثير مباشر على المواطن البسيط.
وفى هذا السياق، أكد الدكتور ماجد عبد العظيم، أستاذ الاقتصاد وخبير الاستثمار، أن صفقة مشروع رأس الحكمة أحد أهم صفقات الاستثمار الأجنبى المباشر فى مصر، وذلك من حيث حجمها وتوقيتها أيضاً حيث تأتى فى توقيت هام وتوفر موارد دولارية كبيرة للاقتصاد المصرى، وبالتالى تساهم فى علاج جزء من مشكلة وفرة الدولار، وكذلك سعر صرف الدولار مقابل الجنية المصرى فى السوق الموازى مما يساعد على المساهمة فى حل أزمة تعدد أسعار صرف الدولار.
خفض معدلات البطالة
وقال "عبد العظيم" فى تصريح لـ"اليوم السابع"، أن الصفقة تساهم أيضاً يساهم فى توفير فرص عمل ومن ثم تخفيض معدل البطالة، وتؤدى إلى تحسين مستوى معيشة العاملين فى هذه الوظائف وأسرهم، كذلك تنمية سياحية وعمرانية ومشروعات استثمارية وصناعية بالمنطقة بالإضافة إلى إنشاء مطار وميناء ومرسى عالمى لليخوت.
دعم القطاع الصناعي
وبشأن تحقيق أقصى استفادة من الحصيلة الدولارية لمشروع رأس الحكمة، حتى يصبح لها تأثير مباشر على المواطنين، أشار الخبير الاقتصادى إلى ضرورة الاستغلال الأمثل للموارد وأيضاً الاستفادة من هذه الصفقة فى قطاع الصناعة المصرية بتوفير المواد الخام والمنتجات المصرية اللازمة لهذه المشروعات وبالتالى ضخ المزيد من الاستثمارات فى القطاع الصناعى المصرى الهام جداً للتنمية، مما ينعكس بتأثير مباشر على المواطن من حيث توافر فرص عمل كبيرة وتحسين مستوى معيشة المواطنين بصفة عامة بتطوير الصناعات المصرية مما يؤدى إلى تحسن أداء الاقتصاد المصرى وزيادة معدلات النمو وتحسين مستوى معيشة المواطن المصرى.
دعم القطاعات الإنتاجية لتحقيق الأمن الغذائى والصناعي
ومن جانبه قال الدكتور كريم عادل، رئيس مركز العدل للدراسات الاقتصادية والاستراتيجية، أن الحصيلة الدولارية الضخمة من استثمارات "رأس الحكمة" تضع الحكومة المصرية فى مسئولية كبيرة أمام الاقتصاد والمواطن، فالأمر يحتاج خطة واضحة ومُعلنه لآلية إدارة وتوجيه هذه الحصيلة الدولارية بما ينعكس بالعائد على المواطن المصرى فى المقام الأول، باعتباره هو الذى عانى الكثير خلال السنوات السابقة، مؤكدا أن الرئيس عبدالفتاح السيسى البطل الحقيقى فى مواجهة التحديات بدايةً من برنامج الإصلاح الاقتصادى وصولاً إلى الأزمات العالمية وانعكاساتها على الاقتصاد المصرى.
رفع كفاءة الإنفاق العام
وأضاف "عادل"، لـ "اليوم السابع"، أن التأثير والأثر المباشر لهذه الحصيلة الدولارية من رأس الحكمة على الاقتصاد والمواطن يتوقف على كيفية تعامل الدولة معها وآلية إدارتها ورفع درجة كفاءة الإنفاق منها، فهناك أولويات تتمثل فى متطلبات واحتياجات المستوردين والأفراد خلال المرحلة الحالية، فإذا تم توفير المتطلبات الدولارية للشركات والأفراد ستتراجع السوق الموازية بصورة كبيرة، ولكن إذا لم يتم سرعة التوفير واستدامته بالبنوك المصرية ستعود السوق الموازية إلى ما كانت عليه وقد يزيد، وهو ما ينعكس سلباً على المواطن آنذاك.
دعم القطاعات الإنتاجية لتحقيق الأمن الغذائى والصناعي
وشدد الخبير الاقتصادى، على ضرورة أن تقوم الدولة المصرية باستغلال هذه الحصيلة الدولارية فى دعم قطاعات إنتاجية وصناعية وزراعية لتحقيق الأمن الغذائى والصناعى، وهو ما يحقق استفادة حقيقية من تلك الحصيلة، فدعم التصنيع المحلى ومدخلات الإنتاج وتخفيف الأعباء على المستوردين بدايةً من فتح الاعتماد المستندى وصولاً إلى الإفراج الجمركى يساهم فى دعم الإنتاج بصورة مباشرة، وتنخفض تكلفة السلع والمنتجات النهائية المستوردة بصورة غير مباشرة حيث نتخفض رسوم وتكاليف الاستيراد ومن انخفاض أسعارها فى الأسواق، وهو ما ينعكس كلياً على معدل التضخم الذى يُعد أكثر ما يشغل المواطن المصرى ويؤثر فى حياته ومعدلات ادخاره.
كما طالب "عادل"، بتشديد الرقابة على الأسواق خلال المرحلة القادمة، كونه ضرورة مُلحة لضمان انعكاس انخفاض سعر الدولار الأمريكى على أسعار السلع الاستراتيجية والأساسية لحياة المواطن، حتى لا تظل عبارة ( هذه السلع مستوردة بالسعر المرتفع للدولار هى الدارجة والمتداولة من التجار ) ومن ثم لا يستفيد المواطن من خطوات الحكومة ومساعيها الجادة فى تخفيف الأعباء عنه.
الوفاء بالالتزامات المالية واجبة السداد
وتابع: "يجب ألا نغفل أن الدولة المصرية لديها العديد من الالتزامات المالية واجبة السداد تجاه المؤسسات المالية الدولية، وهذه الالتزامات لها الأولوية فى السداد باعتبارها ديون سيادية مستحقة والوفاء بها يطمئن المؤسسات الدولية والمستثمرين الأجانب فى التعامل معنا".
استقرار السياسة النقدية بالتزامن مع تشديد الرقابة على الأسواق
فيما أكد الدكتور مصطفى أبو زيد، مدير مركز مصر للدراسات الاقتصادية، أن آثار الصفقة الاستثمارية الكبرى التى تم توقيعها بين مصر والإمارات سيكون لها تداعيات إيجابية على معدل التضخم خلال الفترة القصيرة المقبلة بعد استلام الدفعة الأولى من الصفقة، مشيرا إلى أنه سيتم استخدامها فى مجابهة عدم استقرار سعر الصرف وبالتالى انعكاس ذلك على مستوى الأسعار.
ودعا "أبوزيد" فى تصريح لـ "اليوم السابع"، الحكومة لتشديد الرقابة والمتابعة على الأسواق لمنع أى ممارسات احتكارية أو مبالغة فى الأسعار، مؤكدا أنه إذا تم هذا بالتوازى مع السياسة النقدية سيكون له أثر ايجابى يشعر به فى الوفاء بالتزاماته اليومية، خاصة الصفقة ستساهم فى زيادة فى حجم العوائد الاقتصادية، وتوفير الحصيلة الدولارية مما يدعم قوة الجنيه أمام الدولار إلى جانب القضاء على مشكلة سعر الصرف والقضاء على السوق الموازية.
وقال "أبوزيد" أن مشروع رأس الحكمة سيساهم أيضا فى زيادة الناتج المحلى الاجمالى عبر مشاركة القطاع الخاص المحلى فى عمليات الإنشاء وبالتالى زيادة الطلب على مواد البناء وباقى الصناعات المكملة فيما يخدم زيادة مساهمة قطاع الصناعة فى النمو الاقتصادى، والذى بدوره يوفر ملايين من فرص العمل المباشرة وغيرة المباشرة بما يساهم فى تراجع معدل البطالة وتحقيق مستهدفات السياسة الاقتصادية الكلية.
وتوقع الخبير الاقتصادى أن تشهد الفترة المقبلة صفقات أخرى، خاصة أن هذه الصفقة تعكس ثقة المستثمرين فى قوة الاقتصاد المصرى ومؤسسات الدولة، وهو مؤشر جيد جدا لتعزيز ثقة المستثمرين والمؤسسات الدولية بما يعزز من مرونة الاقتصاد المصرى.