أصيب الفنان مدحت عاصم بكسر فى الحوض، وأجرى جراحة لتركيب شرائح ومسامير، وفى أثناء فترة النقاهة، أخذ حقنة بالخطأ فمات على أثرها فى 4 فبراير، مثل هذا اليوم، 1989، وكان عمره 80 عاما «مواليد 20 فبراير1909»، وفقا لابنته نجلاء فى حوارها على موقع «الهيئة الوطنية للإعلام»، 24 فبراير 2023.
بتقدير الكاتب الصحفى يوسف الشريف فى كتابه «صعاليك الزمن الجميل»: «كان ممن أبلوا البلاء الحسن فى دروب السياسة والفن والثقافة، وأسهموا بعطائهم المتميز فى وضع الأساس وارتفعوا ببنيان مصر الحديثة المستقلة، وعاشوا اندلاع ثورة 1919، واستكملوا مشوارها وإنجاز أهدافها فى ثورة 23 يوليو 1952»، وتذكر ابنته نجلاء، أن والده إسماعيل عاصم كان محاميا وأديبا ومترجما ومؤلفا مسرحيا، ومن أبرز المحامين المدافعين عن المتهمين فى حادثة دنشواى، وامتلك ثروة طائلة وحصل على لقب الباشوية، وكان صديقا للزعيم محمد فريد، أما والدته، فاطمة هانم شركس، فكانت تعقد صالونا ثقافيا بمنزلها تحضره سيدات المجتمع.
تضيف: «فى هذه الأجواء نشأ مدحت عاصم، وعشق الموسيقى بتأثير والدته التى أحضرت مدرسا إيطاليا ليعلمه البيانو، وفى سن السادسة التحق بالمدرسة الحسينية الابتدائية، واعتقل أثناء دراسته الإعدادية لاشتراكه فى اضطرابات الطلاب ضد الملك فؤاد، فالتحق بمدرسة الإلهامية الخاصة ونال منها الإعدادية، ثم حصل على الثانوية بمدرسة الخديوية، وكان والده يريده مهندسا زراعيا ليشرف على عزبة الأسرة فى كفر الزيات، فألحقه بمدرسة الزراعة العليا، وأثناء دراسته نشر مقالات بمجلة «البلاغ» عن الفروق العلمية بين الموسيقى الشرقية الغربية، وألف أول مقطوعة موسيقية وهو فى سن الرابعة عشر.
ينقل يوسف الشريف ما كتبه مدحت عاصم عن نفسه بمجلة «الكواكب»، فبراير 1986، بعنوان «وتناهت إلى سمعه أنغام الحرية»، قائلا: «فى 20 فبراير منذ 77 عاما، ظهر كائن بشرى أطلقوا عليه اسم مدحت عاصم، كانت أمه فاطمة وأبوه إسماعيل، استقبل الحياة صارخا، وسار فى مسالكها ودروبها، صعد القمم وهبط الوديان، سبح فى الأنهار وغاص فى أعماق البحار، وهو لا يكف عن الصراخ، كان صراخه أحيانا بكاء وأحيانا غناء، تمنى أن تكون الموسيقى هى الدعوة إلى الحب والرضا، كما تمناها أن تكون هى الدعوة إلى التمرد والثورة، وكان الحب عنده ممتزجا بالموسيقى.. كذلك كان التمرد».
عن مساره النضالى، يذكر يوسف الشريف: «ظل مدحت عاصم مطاردا من البوليس السياسى إبان العصر الملكى والاستعمار البريطانى، وزج به فى السجن عدة مرات منذ أن تعرف على الفريق عزيز المصرى، وأصبح من أعوانه الفدائيين، وفى إحدى المرات داهم البوليس فيلته بالعباسية، واكتشفوا فيها أسلحة وقنابل يدوية وأصابع متفجرات، فقبض عليه، وبعد 3 سنوات عاقبته المحكمة العسكرية بالسجن 5 سنوات مع وقف التنفيذ».
وعن مساره الفنى، كان أول مدير فنى للإذاعة المصرية عند افتتاحها عام 1934، ويذكر «الشريف» أنه عمل على تمصير الإذاعة، فاختار مذيعين من خريجى كلية الآداب، وألمعهم محمد فتحى الملقب بكروان الإذاعة، وأحمد كمال سرور، وعلى خليل، وأرسى قاعدة بدء الإرسال بتلاوة القرآن الكريم، وأذان الصلوات الخمس فى أوقاتها، وأسس للإذاعة فرقتين للموسيقى بقيادة عزيز صادق ومحمد حسن الشجاعى، وأسس أول أوركسترا سيمفونى بقيادة عبدالحليم على لعزف الأعمال الموسيقية العالمية، وأنشأ فرقة تمثيل خاصة للإذاعة، برئاسة محمد فتحى، لتقدم التمثيليات والبرامج الثقافية وبرامج الأطفال.
يضيف «الشريف» أن مدحت عاصم شجع أم كلثوم ومحمد عبدالوهاب وصالح عبدالحى وداود حسنى وزكى مراد وفتحية أحمد وعبداللطيف البنا والشيخ الصفتى والشيح أمين حسنين على الغناء فى الإذاعة، كما قدم لأول مرة من المطربين، نجاة على، وحياة محمد، وعبدالغنى السيد، وإبراهيم حمودة، وعباس البليدى، ومحمد الكحلاوى، ومحمد صادق، وليلى مراد، وتحققت شهرة فريد الأطرش على يديه بعد أن انجذب لعزفه البارع على العود، وعندما استمع إلى لحنه «بحب من غير أمل»، جمع فرقة الإذاعة الموسيقية لتسجيله وإذاعته فى نفس اليوم، ثم قدم له فريد أخته أسمهان، ولعب دروا فى إقناع المقرأين، الشيخين على محمود ومحمد رفعت وغيرهما للتسجيل بالإذاعة، وقدم أشعار أحمد شوقى وحافظ إبراهيم وإسماعيل صبرى ومحمود سامى البارودى، وعهد بقصائدهم لملحنين شبان أمثال رياض السنباطى ومحمد القصبجى، ولم يقبل إقحام الجمل الشعبية الموسيقية فى الغناء قبل تطويع الفلكلور للأسس العلمية الحديثة، وهو القائل: «الديكتاتورية مطلوبة لمنع التلوث السمعى وتزييف وجدان المستمعين، وضرورة الحفاظ على الشخصية القومية للموسيقى الشرقية وأصالتها ».
وعن ألحانه الوطنية تذكر ابنته «نجلاء»: «وضع والدى عددا كبيرا من الألحان الوطنية، منها موسيقى فيلم مصطفى كامل والأغانى والأناشيد الموجودة فيه، ولحن قصيدة «دعاء القافلة» للمطرب عباس البليدى، أشعار عبدالله شمس الدين، وللمطرب إسماعيل شبانة لحن «بيتنا القديم» أشعار عبدالسلام أمين، ونشيد «الصباح» للمطرب عبدالعزيز محمود، أشعار أبوالقاسم الشابى، ونشيد «على الله القوى اعتمادى»، وكان تلاميذ المدارس يرددونه فى طابور الصباح يوميا».
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة