هل إسراء النبى الكريم صلى الله عليه وآله وسلم يُعَدُّ من المعجزات؟ وهل وقع بالروح والبدن معًا أو بالروح فقط؟ وهل المعراج من عقائد المسلمين القطعية؟ أسئلة ترد عليها دار الإفتاء وتكشف زيف ادعاءات المشككين فى صحة المعجزة، وذلك كالآتى:
الإسراء والمعراج من المعجزات الكبرى للنبى عليه السلام، الإسراء والمعراج رحلتان قدسيتان الأولى: من المسجد الحرام بمكة إلى المسجد الأقصى بالقدس، والثانية: من المسجد الأقصى عروجًا إلى سدرة المنتهى.
والإسراء والمعراج من المعجزات الكبرى للنبى صلى الله عليه وآله وسلم، والمعجزة: أمرٌ خارقٌ للعادة مقرون بالتحدى الذى هو دعوى الرسالة أو النبوة مع عدم المعارضة، فهى الحجة الدالة على صدق النبى صلى الله عليه وآله وسلم.
المختار فى وقت وقوع معجزة الإسراء والمعراج
قد وقعت رحلة الإسراء والمعراج -على المشهور من أقوال العلماء- فى شهر رجبٍ، فقد اختلفت الأقوال فى تحديد زمن هذه الرحلة، ولكن تعيينه بالسابع والعشرين من شهر رجب: حكاه كثيرٌ من الأئمة واختاره جماعةٌ من المحققين، وهو ما جرى عليه عمل المسلمين قديمًا وحديثًا؛ قال العلَّامة الزُّرقانى فى "شرح المواهب اللدنية" (2/ 71، ط. دار الكتب العلمية) عند قول صاحب "المواهب": [وقيل: كان ليلة السابع والعشرين من رجب) وعليه عمل الناس، قال بعضهم: وهو الأقوى؛ فإنَّ المسألة إذا كان فيها خلاف للسلف، ولم يقم دليل على الترجيح، واقترن العمل بأحد القولين أو الأقوال، وتُلُقِّى بالقبول: فإن ذلك مما يُغَلِّبُ على الظنِّ كونَه راجحًا؛ ولذا اختاره الحافظ عبد الغنى بن عبد الواحد بن على بن سرور المقدسى الحنبلى الإمام أوحد زمانه فى الحديث والحفظ، الزاهد العابد] اهـ.
الأدلة على إثبات حدوث رحلة الإسراء والمعراج
الإسراء والمعراج قد ثبتا بالقرآن وحديث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؛ فقد حدَّث بذلك عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خمسة وأربعون صحابيًا، فاستفاض استفاضة لا مطمع بعدها لمنكر أو متأول، وقد تواتر ذلك تواترًا عظيمًا؛ قال ابن إسحاق: [كان من الحديث فيما بلغنى عن مسراه صلى الله عليه وآله وسلم، عن عبد الله بن مسعـود، وأبى سعيد الخدرى، وعائشة زوج النبى صلى الله عليه وآله وسلم، ومعاوية بن أبى سفيان، والحسن بن أبى الحسن (البصري)، وابن شهاب الزهرى، وقتادة وغيرهم من أهل العلم، وأم هانئ بنت أبى طالب، ما اجتمع فى هذا الحديث، كل يحدث عنه بعض ما ذكر من أمره حين أسرى به صلى الله عليه وآله وسلم، وكان فى مسراه، وما ذكر عنه بلاء وتمحيص، وأمر من أمر الله -عز وجل- فى قدرته وسلطانه، فيه عبرة لأولى الألباب، وهدى ورحمة وثبات لمن آمن وصدق، وكان من أمر الله سبحانه وتعالى على يقين، فأسرى به سبحانه وتعالى كيف شاء؛ ليريه من آياته ما أراد، حتى عاين ما عاين من أمره وسلطانه العظيم، وقدرته التى يصنع بها ما يريد>
الدليل من القرآن على إثبات حدوث رحلة الإسراء والمعراج
أما دليل الثبوت من القرآن: فقوله تعالى: ﴿سُبْحَانَ الَّذِى أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إلى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِى بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ﴾ [الإسراء: 1].
الدليل من السنة النبوية على إثبات حدوث رحلة الإسراء والمعراج
فمن هذه الأحاديث الشريفة: ما رواه البخارى ومسلم فى "الصحيحين" من حديث أنس بن مالك رضى الله عنه قال: "كان أبو ذر يُحَدِّثُ أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «فُرِجَ عَنْ سَقْفِ بَيْتِى وَأَنَا بِمَكَّةَ، فَنَزَلَ جِبْرِيلُ عليه السلام، فَفَرَجَ صَدْرِى، ثُمَّ غَسَلَهُ بِمَاءِ زَمْزَمَ، ثُمَّ جَاءَ بِطَسْتٍ مِنْ ذَهَبٍ مُمْتَلِئٍ حِكْمَةً وَإِيمَانًا، فَأَفْرَغَهُ فِى صَدْرِى، ثُمَّ أَطْبَقَهُ، ثُمَّ أَخَذَ بِيَدِى، فَعَرَجَ بى إلى السَّمَاءِ الدُّنْيَا، فَلَمَّا جِئْتُ إلى السَّمَاءِ الدُّنْيَا، قَالَ جِبْرِيلُ: لِخَازِنِ السَّمَاءِ افْتَحْ، قَالَ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ هَذَا جِبْرِيلُ، قَالَ هَلْ مَعَكَ أَحَدٌ؟ قَالَ: نَعَمْ مَعِى مُحَمَّدٌ صلى الله عليه وآله وسلم...إلى آخر الحديث».
الإسراء والمعراج وقع بالجسد والروح يقظة لا منامًا
قد ذهب جمهور العلماء سلفًا وخلفًا على أن الإسراء والمعراج كانا فى ليلة واحدة وأن الإسراء حدث بالروح والجسد؛ لأن القرآن صرَّح به؛ لقوله تعالى: ﴿بِعَبْدِهِ﴾ والعبد لا يطلق إلا على الروح والجسد، وكذا قوله تعالى: ﴿لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا﴾، فالبصر من آلات الذات لا الروح.
ومما يدل على أن الرحلة كاملة كانت بالروح والجسد معًا: أنها لو كانت بالروح فقط لما كان لتكذيب قريش بها معنى؛ وقد قالوا: "كنا نضرب أكباد الإبل إلى بيت المقدس، شهرًا ذهابًا وشهرًا إيابًا، ومحمد يزعم أنه أسرى به الليلة وأصبح فينا"، ولو كان ذلك رؤيا منام لم يستبعدوه ولم يكن لردهم عليه معنى؛ لأن الإنسان قد يرى فى منامه ما هو أشد من ذلك ولا يكذبه أحد.
فالظاهر من سياق النصوص أنه كان يقظة، ولا يعدل عن الظاهر إلا بدليل؛ ولأنه لو كان منامًا ما كان فيه عجب ولا غرابة، ولا كان فيه مجال للتكذيب به، ولا افتتن به أناس من ضعفاء الإيمان، فارتدوا على أعقابهم كافرين.
الرد على من زعم بأن رحلة الإسراء والمعراج رؤيا منامية
أما ما يستند إليه القائلون بأنها رؤيا منامية من قول الله تعالى: ﴿وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِى أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ﴾ [الإسراء: 61]، وأن "الرؤيا" تكون للمنامية، بينما "الرؤية" للبصرية: فمردود بأن ذلك غير لازم فى لسان العرب.
وبما رواه البخارى فى "صحيحه" عن ابن عباس فى تفسير الآية -وهو من أئمة اللسان العربى وحجة فيه- قال: "هى رؤية عين أريها رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة أسرى به".
ملخص ما وقع من أحداث فى ليلة الإسراء والمعراج
أما أحداث الرحلة فتتلخص فى أنه صلى الله عليه وآله وسلم سار ليلًا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى ىراكبًا البراق، وهو دابة يضع قدمه عند منتهى بصره، وقد كان معه صلى الله عليه وآله وسلم سيدنا جبريل عليه السلام، أو كان معهما ميكائيل عليهم السلام، فأخذ سمت الطريق إلى المدينة، ثم إلى مدين، ثم إلى طور سيناء؛ حيث كلم الله موسى عليه السلام، ثم إلى بيت لحم؛ حيث ولد عيسى عليه السلام، ثم انتهى إلى بيت المقدس، وقد جاء فى روايات ضعيفة أنه نزل فى كل موضع من هذه المواضع وصلى بإرشاد جبريل عليه السلام. وقد أطلعه الله تعالى أثناء ذلك المسير على أعاجيب شتى من الحكم والحقائق التى ينتهى إليها ما يجرى فى عالم الظاهر من شؤون الخلق وأحوال العباد.
وكان صلى الله عليه وآله وسلم يسأل جبريل عليه السلام عن مغازيها فيجيبه عنها، ولما انتهى به السير إلى بيت المقدس دخله، فجمع الله له حفلًا عظيمًا من عالم القدس من الأنبياء والمرسلين والملائكة، وأقيمت الصلاة فصلى بهم إمامًا، وفى قول أن صلاته بهم كانت بعد رجوعه من السماء.
أما ما يخص المعراج: فيتلخص فى أنه صلى الله عليه وآله وسلم قد صعد إلى السماوات السبع واخترقها واحدة فواحدة، حتى بلغ السابعة، وفى كل واحدة يلتقى واحدًا أو اثنين من أعلام الأنبياء، فلقى فى الأولى سيدنا آدم عليه السلام، وفى الثانية سيدنا يحيى وعيسى عليهما السلام، وفى الثالثة سيدنا يوسف عليه السلام، وفى الرابعة سيدنا إدريس عليه السلام، وفى الخامسة سيدنا هارون عليه السلام، وفى السادسة سيدنا موسى عليه السلام، وفى السابعة سيدنا إبراهيم عليه السلام؛، حتى انتهى إلى سدرة المنتهى، ثم إلى ما فوقها إلى مستوى سمع فيه صريف الأقلام تجرى فى ألواح الملائكة بمقادير الخلائق التى وُكِّلُوا بإنفاذها من شئون الخلائق يَسْتَمْلُونَها من وحى الله تعالى، أو يستنسخونها من اللوح المحفوظ الذى هو نسخة العالم، وبرنامج الوجود الذى قدره الله سبحانه وتعالى. ثم كلمه الله فى فريضة الصلاة، وكانت فى أول الأمر خمسين، فأشار عليه موسى عليه السلام بمراجعة ربه وسؤاله التخفيف، فما زال يتردد بينهما ويحط الله عنه منها حتى بلغت خمسًا، فأمضى أمر ربه ورضى وسلم.
بيان معنى فرض الصلوات فى رحلة المعراج
أما مسألة فرض الصلاة فى هذه الرحلة المباركة: فإن ما فرض فى ليلة المعراج هو الصلوات الخمس، أما أصل الصلاة فكان موجودًا من أول البعثة؛ فقد ثبت أن النبى صلى الله عليه وآله وسلم صلى فى مبدأ البعثة؛ ففى الحديث: عن عفيف الكندى قال: "كنت امْرَأً تاجرًا، فَقَدِمْتُ الحج، فَأَتَيْتُ العباس بن عبد المطلب لأبتاع منه بعض التجارة، وكان امْرَأً تاجرًا، فوالله إنى لعنده بمنى، إذ خرج رجل من خِبَاءٍ قريب منه، فنظر إلى الشمس فلما رآها مالت -يعنى قام يصلي- قال: ثم خرجت امرأة من ذلك الـخِبَاء الذى خرج منه ذلك الرجل، فقامت خلفه تصلى، ثم خرج غلام حين راهق الحُلُم من ذلك الـخِبَاء، فقام معه يصلى. قال: فقلت للعباس: من هذا يا عباس؟ قال: هذا محمد بن عبد الله بن عبد المطلب ابن أخى، قال: فقلت: من هذه المرأة؟ قال: هذه امرأته خديجة ابنة خويلد. قال: قلت: من هذا الفتى؟ قال: هذا على بن أبى طالب ابن عمه. قال: فقلت: فما هذا الذى يصنع؟ قال: يصلى، وهو يزعم أنه نبى، ولم يتبعه على أمره إلا امرأته، وابن عمه هذا الفتى، وهو يزعم أنه سَيُفْتَحُ عليه كنوز كسرى، وقيصر". قال: فكان عفيف وهو ابن عم الأشعث بن قيس يقول وأسلم بعد ذلك، فحسن إسلامه : "لو كان الله رزقنى الإسلام يومئذ، فأكون ثالثًا مع على بن أبى طالب رضى الله عنه". رواه الإمام أحمد فى "مسنده"،، والطبرانى فى "الكبير".
بيان كيف تمكن النبى عليه السلام من قطع المسافة بين السماء والأرض فى ليلة واحدة
من الشبهات: أن امتداد المسافة من الأرض إلى نهاية السماوات مقدار عظيم يخرج تصوره عن العقل، فما هو مقدار السرعة التى بها يتمكن الإنسان من قطع هذه المسافات، والنور الذى هو أسرع الأشياء يقطع هذه المسافة فى أكثر من هذه المدة.
والجواب: أن الأمر إذا كان برمته خارقًا للعادة وهو من صنع القوى القادر جل جلاله فلا مجال لقياس عقلى أو أمر تجريبى، وإنما التسليم والإيمان.