استنكر الدكتور محمد محمود مهران، أستاذ القانون الدولي، التعامل الإسرائيلي الاستخفافي وغير القانوني مع الاتفاقيات والقرارات الدولية، بما فيها القرار الأخير لمحكمة العدل الدولية بشأن التدابير الوقائية لحماية أهالي غزة في دعوي جنوب إفريقيا التي أقامتها ضد إسرائيل بشأن انتهاكات اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية لعام 1948.
وقال أستاذ القانون الدولي في تصريح خاص لـ"اليوم السابع" إن هذا الأمر لا يعدّ مفاجئًا، فإسرائيل منذ قيامها اتخذت موقف الدولة المارقة وسياسة إهدار وازدراء كافة مواثيق وقرارات الشرعية الدولية بما فيها قرار التقسيم 181 وقرار مجلس الأمن 242 بانسحابها من الأراضي المحتلة عام 1967.
واستعرض العديد من الاتفاقيات التي انتهكتها قوات الاحتلال الاسرائيلي، وكذلك القرارات التي صدرت ضد ممارسات إسرائيل غير القانونية على مدار التاريخ دون أن تلتزم بتنفيذها أو احترامها، مؤكدا علي خرقها لميثاق الأمم المتحدة ، واتفاقيات جنيف الأربعة وبروتوكولاتها.
هذا بالإضافة لإشارته إلى انتهاك اتفاقيات حقوق المرأة وكذلك النظام الأساسي لمحكمة العدل الدولية، ونظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، واتفاقية لاهاي لعام 1907 الخاصة باحترام قوانين وأعراف الحرب، فضلا عن انتهاكها لاتفاقية الامم المتحدة بشأن الأسلحة التقليدية لعام 1980 التي تحظر استخدام الأسلحة الحارقة، وانتهاك اتفاقية أوسلو 2008 بشأن الذخائر العنقودية.
وأوضح "مهران" أن إسرائيل تنتهك باستمرار التزاماتها بموجب اتفاقية حقوق الطفل، من خلال اعتقال الأطفال الفلسطينيين ومحاكمتهم أمام محاكم عسكرية وحرمانهم من حق التعليم، ولافتا الي انتهاكها أيضا البروتوكول الإضافي الأول الملحق باتفاقيات جنيف والذي يحظر الهجمات العشوائية ضد المدنيين أو إلحاق الأذى بهم.
كما بين أن إسرائيل لا تزال تتهرب من التوقيع على معاهدة حظر الألغام المضادة للأفراد، رغم استخدامها لمثل هذه الأسلحة بكثافة ضد المدنيين، فضلًا عن ازدرائها لاتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية من خلال سياساتها الرامية إلى القضاء على وجود الشعب الفلسطيني وهويته الوطنية.
وأضاف الخبير الدولي أن إسرائيل خرقت العديد من اتفاقيات جنيف وبروتوكولاتها الإضافية من خلال استهدافها المتعمد للمدنيين والبنية التحتية والمدارس والاطقم الطبيه والاغاثية ودور العبادة أثناء حروبها على غزة ولبنان، ومشيرا إلي أنها تنتهك باستمرار قرار مجلس الأمن رقم 2334 الصادر عام 2016 والذي دعاها فيه إلى وقف نشاطات الاستيطان غير الشرعية.
وكذلك أشار "مهران" إلى أن إسرائيل تنتهك أيضًا بنود اتفاقية لاهاي بشأن احترام قوانين وأعراف الحرب البرية لعام 1907، والتي تحظر استخدام القوة المفرطة ضد السكان المدنيين وممتلكاتهم، ومنوهاً إلي أن سياسة الاغتيالات الممنهجة التي تنتهجها بحق الناشطين والمدافعين عن حقوق الإنسان تنتهك الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية.
واعتبر استاذ القانون أن معاملة إسرائيل للأسرى والمعتقلين الفلسطينيين وما يتعرضون له من تعذيب ممنهج يشكل انتهاكا لاتفاقية مناهضة التعذيب التي صادقت عليها الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1984، وموضحا أن إسرائيل تنتهك أيضًا اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز العنصري التي انضمت إليها عام 1979، من خلال سياسات الفصل العنصري وسحب الجنسية والتهجير القسري بحق الفلسطينيين.
كما نوه مهران إلى تجاهل قوات الاحتلال الإسرائيلي للقرار 3236 للجمعية العامة للأمم المتحدة والذي أكد على عدم شرعية اكتساب الأراضي بالقوة وضرورة انسحاب إسرائيل من الأراضي العربية المحتلة، بالإضافة إلى تجاهلها التام للأحكام الصادرة عن محكمة العدل الدولية في العديد من القضايا سواء بخصوص جدار الضم والتوسع أو انتهاك حقوق الإنسان الفلسطيني، مما يؤكد أن المجتمع الدولي أمام حالة فريدة وغريبة من دولة ترفض الخضوع لقواعد القانون وتتمادى في انتهاكاتها دون رادع، وما يدل أيضا على حالة الاستهتار التام بسلطة المحاكم والهيئات القضائية الدولية.
وبين أن التقارير الدورية للأمم المتحدة حول وضع حقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية المحتلة تؤكد ارتكاب إسرائيل لكافة ضروب الانتهاكات بما فيها الاعتقال التعسفي والتعذيب وهدم المنازل ومصادرة الأراضي، إلا أنها ما زالت تتعامل مع توصيات تلك التقارير باستخفاف وازدراء.
ووجه "مهران" بضرورة اللجوء إلى مجلس الأمن وتفعيل الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة وفرض عقوبات اقتصادية وسياسية رادعة على إسرائيل لإخضاعها للقانون، وإحالة ملف جرائم حرب إسرائيل للمحكمة الجنائية الدولية ومحاكمة كبار قادتها ومسؤوليها عن الفظائع المرتكبة بحق الشعب الفلسطيني، بعد استمرارها في تجاهل قرار محكمة العدل الدولية بخصوص التدابير الوقائية لحماية الفلسطينيين، مشيرًا إلي أحقية محكمة العدل الدولية نفسها اتخاذ مزيد من الإجراءات العقابية بحق إسرائيل كفرض غرامات مالية، وان هذا التعنت سيكون دليلا قويا يؤكد علي ارتكابها جريمة الإبادة الجماعية.
وطالب أستاذ القانون الدولي الولايات المتحدة بضرورة التوقف عن حماية إسرائيل من المساءلة واستخدام حق النقض "الفيتو" ضد مشاريع القرارات التي تدينها، مشددًا على أن مواصلة ذلك تجعلها شريكة في جرائم الحرب والإبادة الجماعية ضد الشعب الفلسطيني.
كما حمّل مجلس الأمن مسؤوليته الأخلاقية والقانونية والإنسانية تجاه ما يحدث في غزة، داعيًا إياه للتحرك الفوري لفرض عقوبات على إسرائيل وإحالة ملف جرائمها للمحكمة الجنائية الدولية، حفاظًا على مصداقيته ودوره في حماية السلم والأمن الدوليين.
وحثّ الدكتور مهران الدول العربية والإسلامية على تفعيل العمل القضائي على الصعيدين الوطني والدولي لمقاضاة إسرائيل عن جرائمها والمطالبة بجبر الضرر الواقع على الشعب الفلسطيني، كما دعا إلى ضرورة استصدار قرار من مجلس الأمن والامم المتحدة يدين إسرائيل كدولة مارقة ويوصي بفرض عقوبات بحقها.
وناشد مهران المجتمع الدولي إلى وضع حدٍّ لهذه الحالة من الفوضى والفلتان الأمني الذي تتمتع به إسرائيل، عبر فرض عقوبات اقتصادية وسياسية رادعة وصولًا لإخضاعها للقانون ووقف انتهاكاتها الممنهجة لحقوق الشعب الفلسطيني.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة