سعيد الشحات يكتب: ذات يوم 6 فبراير 1904.. المحكمة تقضى بسجن ملاك صحف رسمت مفتى الديار الإمام محمد عبده واقفا بحالة شائنة مع امرأة بلباس الرقص بتدبير من الخديو عباس الثانى

الثلاثاء، 06 فبراير 2024 10:00 ص
سعيد الشحات يكتب: ذات يوم 6 فبراير 1904.. المحكمة تقضى بسجن ملاك صحف رسمت مفتى الديار الإمام محمد عبده واقفا بحالة شائنة مع امرأة بلباس الرقص بتدبير من الخديو عباس الثانى مفتى الديار الإمام محمد عبده

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
قضت المحكمة بحبس عبدالحميد كامل أفندى، صاحب جريدة «حمارة منيتى» بالحبس ستة أشهر، وحبس حسين توفيق أفندى صاحب جريدتى «البابا جللو المصرى » و«الأرنب» بالحبس أربعة أشهر يوم 6 فبراير، مثل هذا اليوم، 1904، لانتهاكهما حرمة الآداب فى حق فضيلة مفتى الديار المصرية الشيخ الإمام محمد عبده، حسبما يذكر أحمد شفيق باشا رئيس ديوان الخديو عباس الثانى فى مذكراته «مذكراتى فى نصف قرن».
 
قامت الجريدتان بإشهار رسم وتصوير الإمام محمد عبده واقفا مع امرأة بلباس الرقص بحالة شائنة، ويذكر شفيق باشا الذى عاصر الحدث: «تم القذف فى حق الشيخ الإمام بأنهما أسندا إليه الكفر وتحليل المحرمات، وغير ذلك من الأمور الموجبة احتقاره عند أهل وطنه».
 
دارت وقائع القضية فى المحاكم، لكنها كانت انعكاسا لصراع حاد خارج أروقتها، فالخديو عباس الثانى كان غاضبا من الإمام، وبلغ فى غضبه مرحلة حادة، وكان يخطط لفصله من منصب المفتى لولا رفض اللورد كرومر المعتمد البريطانى لهذه المخططات، وحسب شفيق باشا: «حرض العلماء عليه، فرموه بأنه وهابى كما رموه بالزندقة لعدم أخذه بآراء شيوخ المذاهب، فرد عليهم الشيخ بما يدحض فريتهم».
 
لجأ الخديو عباس الثانى إلى تأليب الصحف ضد الإمام، فأقدمت بعض الجرائد على تنظيم حملة هجوم كاسحة ضده، ومنها جريدتا «اللواء» و«الظاهر»، وانضمت لهما جرائد «حمارة منيتى» و «البابا جللو» و«الأرنب»، وشنت هذه الصحف حملتها بسبب فتوى صدرت من الشيخ محمد عبده، وكانت ردا على سؤالين هما: يوجد أفراد فى هذه البلاد «الترنسفال» يلبسون البرانيط لقضاء مصالحهم وعوائد الفوائد إليهم.. فهل يجوز ذلك؟
 
أما السؤال الثانى: إن ذبحهم «أى نصارى الترنسفال» مخالف، وذلك لأنهم يضربون البقر بالبلط، وبعد ذلك يذبحون بغير تسمية، والغنم يذبحونها بغير تسمية أيضا.. هل يجوز أكل ذبحهم؟
 
أفتى «المفتى» بالإباحة فى الحالتين، وحسب المجلد الأول من «تاريخ الأستاذ الإمام الشيخ محمد عبده»، تأليف محمد رشيد رضا: «من هداية السنة السنية ما تبين به أن الإسلام لم يقيد أهله بزى مخصوص، لأن الزى من العادات التى تختلف باختلاف حاجات الشعوب وأذواقهم وطبائع بلادهم، فهو مباح لهم، فلم يكن من حكمة هذا الدين العام لجميع البشر أن يقيد شعوب الأرض كلها بعادة طائفة منهم كأهل الحجاز أو غيرهم، ولهذا لبس النبى صلى الله عليه وسلم من لبوس النصارى والمجوس والمشركين، كما ثبت فى الأحاديث الصحيحة، ولذلك ترى للمسلمين فى كل قطر زيا يشاركهم فيه غالبا من ليس من دينهم بل أكثر لبوسهم مأخوذ عن النصارى برمته، ومنه زى العثمانيين الرسمى».
 
اشتهرت فتوى الإمام فى السؤالين باسم «الفتوى الترنسفالية»، ووجد الخديو عباس فيها فرصة فأعد خطة محكمة للهجوم عليها وعلى صاحبهما، ويذكر محمد رشيد رضا، أن الشيخ محمد توفيق البكرى، نقيب الأشراف، جاءه بنفسه وأخبره بأنه أعد الآن حملة قوية من أشهر كتاب مصر وعلمائها للطعن فى الفتوى الترنسفالية، وأن صاحب جريدة حديثة العهد غير مسلم أخذ منه سبعمائة جنيه دفعة واحدة، وقال «البكرى» لـ«رضا»: إن الخديو لا يكلفك أن تطعن على الشيخ مع الطاعنين، لأنه يعلم كما نعلم أن هذا مما لا سبيل إليه معك، وإنما يكلفك السكوت عن عنه فقط، فإذا كنت ترضى بهذا فأفندينا مستعد لمقابلتك».
 
استخدم خصوم الإمام محمد عبده كل أسلحة التشهير، ولجأوا إلى وسائل غير شرعية متنوعة، كالحالة التى أدت إلى سجن مرتكبيها يوم 6 فبراير 1904، وبالطبع كان فى المعركة «التقليديون» الذين يحاربون الشيخ محمد عبده، غير أن المعركة لم تخل من «الانتهازيين»، ويدلل رشيد رضا على ذلك بذكره قصة الشيخ محمد الشربتلى، الذى كان يحرر معظم جريدة  «الظاهر» لصاحبها محمد بك أبوشادى المحامى، وكان «الشربتلى» طالب علم ثم دخل جماعة «الدعاة إلى عقيدة وحدة الوجود»، وأنشأ جريدة «النهج القويم»، كانت هى التى كتبت أن الشيخ محمد عبده صرح فى درس التوحيد، الذى كان يلقيه فى الأزهر، بنفى توحيد الله تعالى، فحاكمته النيابة العامة على هذا وحبسته، ولما دعاه أبوشادى بك إلى الكتابة فى التشنيع على «الفتوى الترنسفالية» فى جريدة «الظاهر»، وافق هوى فى نفسه، وهو لم يكن صاحب مبدأ ثابت، بل كان يكتب بالأجرة لجريدتين أو أكثر من الجرائد الأسبوعية التى تعرف بالساقطة، فيرد فى بعضها على ما كتبه هو نفسه فى الأخرى.
 









مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة