اتخذ الأدب وجهة جديدة في عصر الدولة الحديثة على وجه عام غير التي كان يسير فيها قديمًا، فقد كانت مادة الأدب، إلى هذا الوقت، اللغة الفنية العالية في كل ألوانها كالقصص، والأمثال، والحكم، والتأملات، وقد كانت هذه اللغة تقترب من لغة المحادثة إذا تناولت وثائق حيوية، أو صورت قصصًا شعبية.
ويقول الدكتور سليم حسن في موسوعته مصر القديمة: أما في العصر الحديث فقد احتجبت اللغة الفنية، ولم يعد أحد من الشعب يفهمها، أو يستسيغها، وقد كان أول ظهورها بشكل بارز في عهد "إخناتون"، فقد بدأ القوم يكتبون الشعر بلغة العامة، وقد أُلفت بهذه اللغة أنشودة الشمس التي تضم في طياتها منهاج الإصلاح الديني الذي تحدثنا عنه في الجزء السالف مليًّا (راجع الجزء الخامس)، ولقد استقر نظام الكتابة بلغة العامة، وكُتب له البقاء، وفي عهد الأسرة التاسعة عشرة ظهر أدب قوي مكتوب بتلك اللغة الجديدة التي أطلقنا عليها "المصرية الجديدة"، فكُتبت بها الرسائل، والقصص، والعلوم، وشعر غزلي، وديني، ودنيوي، وكذلك المكاتبات الحكومية عامة، وقد بقي للمدارس خطرها كذلك في عهد المصرية الحديثة، ولكن أساليبها دبت فيها الحياة بقدر ما ذاق المصريون من حلاوة الحياة في هذا العصر، إذ رأوا الدنيا بعين الرضى فتعشقوها، وشغفوا بها.
والأدب الحديث خلو من الأفكار العميقة، والبحوث الفلسفية إلى حد ما، وقد يسوق الله إلينا كشفًا جديدًا بغير هذا الرأي، فإن حال مصر في ذلك الوقت تدعو إلى نقيضه.
ولم تدم سيطرة اللهجة المصرية الجديدة على الأدب طويلًا، فإن الأدباء حنُّوا إلى العهود الأولى كما يحن كتاب عصرنا إلى عهد الشعر الجاهلي، أو الشعر الأموي، فأخذوا يرصعون عباراتهم، وينتقون لها أصفى الألفاظ والأساليب، وقد زينوها بالألفاظ الأجنبية على سبيل التظرُّف، أو إظهارًا لتمكنهم من مادتهم، وكان أبرز مثال في هذا الباب هي المساجلة الأدبية التي يطلق عليها الآن اسم ورقة «أنسطاسي الأولى» (راجع كتاب الأدب المصري القديم ص٣٧٦). وتعد هذه الوثيقة من أروع ما كُتب في الأدب المصري في عهد الدولة الحديثة، وتدل شواهد الأحوال على أنها كتبت في النصف الأول من عهد الأسرة التاسعة عشرة، فقد وجدنا أن «رعمسيس الثاني» قد ذُكر فيها عدة مرات، وقد عثر على عدة «أستراكا»، وقطع من البردي كتب عليها أجزاء من هذه المناقشة، وتاريخها كلها لا يتخطى منتصف الأسرة العشرين، على أن مجرد الاقتباس منها في هذا العصر لدليل ناطق على انتشارها في مدارس عهد الرعامسة، حسب موسوعة مصر القديمة للكتور سليم حسن.