تحل، اليوم، ذكرى واقعة شهيرة فى التاريخ المصرى وهى مذبحة القلعة التى نفذها محمد على باشا للقضاء على المماليك، وقد ذكرها عبد الرحمن الجبرتى فى "عجائب الآثار فى التراجم والأخبار" (الجزء الخامس) فى باب ذكر مقتل الأمراء المصريين وأتباعهم (مذبحة القلعة)، قائلا في كتابه الشهير: فلما أصبح يوم الجمعة سادسه ركب الجميع وطلعوا إلى القلعة، وطلع المصرية بمماليكهم وأتباعهم وأجنادهم، فدخل الأمرا عند الباشا وصبحوا عليه وجلسوا معه حصة وشربوا القهوة وتضاحك معهم، ثم انجر الموكب على الوضع الذي رتبوه فانجر طايفة الدلاة وأميرهم المسمى أزون أوغلي، ومن خلفهم الوالي والمحتسب والوجاقلية والألداشات المصرية ومن تزيا بزيهم، ومن خلفهم طوايف العسكر الرجالة والخيالة والبيكباشيات وأرباب المناصب منهم، وإبراهيم أغا أغات الباب، وسليمان بك البواب يذهب ويجي ويرتب الموكب.
وكان الباشا قد بيت مع حسن باشا وصالح قوج والكتخدا فقط غدر المصرية وقتلهم، وأسر بذلك في صبحها إبراهيم أغا أغات الباب، فلما انجر الموكب وفرغ طايفة الدلاة ومَن خلفهم مِن الوجاقلية والألداشات المصرية وانفصلوا من باب العزب، فعند ذلك أمر صالح قوج بغلق الباب، وعرَّف طايفته بالمراد فالتفتوا ضاربين بالمصرية، وقد انحصروا بأجمعهم في المضيق المنحدر الحجر المقطوع في أعلى باب العزب مسافة ما بين الباب الأعلى الذي يتوصل منه إلى رحبة سوق القلعة إلى الباب الأسفل، وقد أعدوا عدة من العساكر أوقفوهم على علاوي النقر الحجر والحيطان التي به، فلما حصل الضرب التحتانيين أراد الأمرا الرجوع القهقرى، فلم يمكنهم ذلك لانتظام الخيول في مضيق النقر، وأخذهم ضرب البنادق والقرابين من خلفهم أيضًا، وعلم العسكر الواقفون بالأعالي المراد فضربوا أيضًا، فلما نظروا ما حل بها سقط في أيديهم وارتبكوا في أنفسهم وتحيروا في أمرهم، ووقع منهم أشخاص كثيرة فنزلوا عن الخيول، واقتحم شاهين بك وسليمان بك البواب وآخرون في عدة من مماليكهم راجعين إلى فوق والرصاص نازل عليهم من كل ناحية، ونزعوا ما كان عليهم من الفراوي والثياب الثقيلة، ولم يزالوا سايرين وشاهرين سيوفهم حتى وصلوا إلى الرحبة الوسطى المواجهة لقاعة الأعمدة، وقد سقط أكثرهم.
وأصيب شاهين بك وسقط إلى الأرض فقطعوا رأسه وأسرعوا بها إلى الباشا ليأخذوا عليها البقشيش، وكان الباشا عندما ساروا بالموكب ركب من ديوان السراية وذهب إلى البيت الذي به الحريم، وهو بيت إسماعيل أفندي الضربخانة.
وأما سليمان بك البواب فهرب من حلاوة الروح وصعد إلى حايط البرج الكبير، فتابعوه بالضرب حتى سقط وقطعوا راسه أيضًا، وهرب كثير إلى بيت طوسون باشا يظن الالتجا به والاحتما فيه، فقتلوهم وأسرف العسكر في قتل المصريين وسلب ما عليهم من الثياب ولم يرحموا أحدًا، وأظهروا كامن حقدهم وضَبَّعوا فيهم وفيمن رافقهم متجملًا معهم من أولاد الناس وأهالي البلد الذين تزيوا بزيهم لزينة الموكب وهم يصرخون ويستغيثون، ومنهم من يقول: أنا لست جنديًّا ولا مملوكًا، وآخر يقول: أنا لست من قبيلتهم، فلم يَرِقُّوا لصارخ ولا شاكٍ ولا مستغيث، وتتبعوا المتشتتين والهربانين في نواحي القلعة وزواياها، والذين فروا ودخلوا في البيوت والأماكن.
وقبضوا على من أمسك حيًّا ولم يمت من الرصاص أو متخلفًا عن الموكب وجالسًا مع الكتخدا، كأحمد بك الكيلارجي ويحيى بك الألفي وعلي كاشف الكبير، فسلبوا ثيابهم وجمعوهم إلى السجن تحت مجلس كتخدا بك.
ثم أحضروا أيضًا المشاعلي لرمي أعناقهم في حوش الديوان واحدًا بعد واحد، من ضحوة النهار إلى أن مضى حصة من الليل في المشاعل، حتى امتلأ الحوش من القتلى.
ومن مات من المشاهير المعروفين وانصرع في طريق القلعة قطعوا راسه وسحبوا جثته إلى باقي الجثث، حتى إنهم ربطوا في رجلَي شاهين بك ويديه حبالًا وسحبوه على الأرض مثل الحمار الميت إلى حوش الديوان؛ هذا ما حصل بالقلعة.
وأما أسفل المدينة، فإنه عندما أغلق باب القلعة وسمع من بالرميلة الرصاص، وقعت الكرشة في الناس، وهرب من كان واقفًا بالرميلة من الأجناد في انتظار الموكب، وكذلك المتفرجون، واتصلت الكرشة بأسواق المدينة فانزعجوا، وهرب من كان بالحوانيت لانتظار الفرجة، وأغلق الناس حوانيتهم، وليس لأحد علم بما حصل، وظنوا ظنونًا.
وعندما تحقق العسكر حصول الواقعة وقتل الأمرا انبثوا كالجراد المنتشر إلى بيوت الأمرا المصريين ومن جاورهم طالبين النهب والغنيمة، فولجوها بغتة ونهبوها نهبًا ذريعًا، وهتكوا الحراير والحريم، وسحبوا النسا والجواري والخوندات والستات، وسلبوا ما عليهن من الحلي والجواهر والثياب، وأظهروا الكامن في نفوسهم، ولم يجدوا مانعًا ولا رادعًا، وبعضهم قبض على يد امرأة ليأخذ منها السوار فلم يتمكن من نزعها بسرعة فقطع يد المرأة.